صفة حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه
لما وقع ما وقع يوم الجمعة ، وشج أمير المؤمنين
عثمان وهو في رأس المنبر ، وسقط مغشيا عليه ، واحتمل إلى داره ، تفاقم الأمر وطمع فيه أولئك الأجلاف الأخلاط من الناس وألجئوه إلى داره وضيقوا عليه ، وأحاطوا بها محاصرين له ،
[ ص: 286 ] ولزم كثير من الصحابة بيوتهم ، وسار إليه جماعة من أبناء الصحابة عن أمر آبائهم ; منهم
الحسن والحسين ، nindex.php?page=showalam&ids=14171وعبد الله بن الزبير - وكان أمير الدار -
nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر ، وصاروا يجاحفون عنه ، ويناضلون دونه أن يصل إليه أحد منهم ، وأسلمه بعض الناس رجاء أن يجيب أولئك إلى واحدة مما سألوا ، فإنهم كانوا قد طلبوا منه إما أن يعزل نفسه أو يسلم إليهم
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم ، ولم يقع في خلد أحد أنه يقتل ، إلا ما كان في نفس أولئك الخارجين عليه . وانقطع
عثمان عن المسجد ، فكان لا يخرج إليه إلا قليلا في أوائل الأمر ، ثم انقطع بالكلية في آخره ، وكان يصلي بالناس في هذه الأيام
الغافقي بن حرب . وقد استمر الحصر أكثر من شهر . وقيل : أربعين يوما . حتى كان آخر ذلك أن قتل شهيدا ، رضي الله عنه ، على ما سنبينه إن شاء الله تعالى . والذي ذكره
ابن جرير أن الذي كان يصلي بالناس في هذه المدة
وعثمان محصور
nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله . وروى
الواقدي أن
عليا صلى أيضا ، وصلى
[ ص: 287 ] أبو أيوب وصلى بهم
سهل بن حنيف ، وكان يجمع بهم
علي ، وهو الذي صلى بهم بعد . وقد خاطب الناس في غبون ذلك بأشياء ، وجرت أمور سنورد منها ما تيسر . وبالله المستعان .
قال الإمام
أحمد : حدثنا
بهز ، ثنا
أبو عوانة ، ثنا
حصين عن
عمرو بن جاوان قال :
قال الأحنف : انطلقنا حجاجا فمررنا بالمدينة ، فبينما نحن في منزلنا إذ جاءنا آت فقال : الناس في المسجد . فانطلقت أنا وصاحبي فإذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد قال : فتخللتهم حتى قمت عليهم ، فإذا علي بن أبي طالب والزبير وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص ، قال : فلم يكن ذلك بأسرع من أن جاء عثمان يمشي ، فقال : هاهنا علي ؟ قالوا : نعم . قال : أهاهنا الزبير ؟ قالوا : نعم . قال : أهاهنا سعد ؟ قالوا : نعم . قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له فابتعته فأتيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إني قد ابتعته . فقال : " اجعله في مسجدنا وأجره لك " ؟ قالوا : نعم . قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، أتعلمون أن رسول ، صلى الله عليه وسلم ، قال : من يبتاع بئر رومة ؟ . [ ص: 288 ] فابتعتها بكذا وكذا ، فأتيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إني قد ابتعتها - يعني بئر رومة - فقال : اجعلها سقاية للمسلمين ولك أجرها " ؟ قالوا : نعم . قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، نظر في وجوه القوم يوم جيش العسرة فقال : من يجهز هؤلاء غفر الله له فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا ؟ قالوا : اللهم نعم . فقال : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد . ثم انصرف . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من حديث
حصين ، وعنده : إذ جاء
عثمان وعليه ملاءة صفراء .
طريق أخرى : قال
عبد الله بن أحمد : حدثني
عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثني
القاسم بن الحكم بن أوس الأنصاري ، حدثني
أبو عبادة الزرقي الأنصاري ، من
أهل المدينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : شهدت
عثمان يوم حصر في موضع الجنائز ، ولو ألقي حجر لم يقع إلا على رأس رجل ، فرأيت
عثمان أشرف من الخوخة التي تلي مقام
جبريل ، فقال : أيها الناس أفيكم
طلحة ؟ فسكتوا . ثم قال : أيها الناس أفيكم
طلحة ؟ فسكتوا . ثم قال : أيها الناس أفيكم
طلحة ؟ فقام
nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله ، فقال له
عثمان : ألا
[ ص: 289 ] أراك هاهنا ؟ ما كنت أرى أنك تكون في جماعة قوم تسمع ندائي آخر ثلاث مرات ثم لا تجيبني ، أنشدك الله يا
طلحة ، تذكر يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في موضع كذا وكذا ، ليس معه أحد من أصحابه غيري وغيرك - فقال : نعم - فقال لك رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : يا
طلحة إنه ليس من نبي إلا ومعه من أصحابه رفيق من أمته معه في الجنة ، وإن
عثمان بن عفان هذا - يعنيني - رفيقي في الجنة ؟ . فقال
طلحة : اللهم نعم . ثم انصرف . لم يخرجوه .
طريق أخرى : قال
عبد الله بن أحمد : حدثنا
محمد بن أبي بكر المقدمي ، ثنا
محمد بن عبد الله الأنصاري ، ثنا
هلال بن حق ، عن
الجريري ، عن
ثمامة بن حزن القشيري ، قال : شهدت الدار يوم أصيب
عثمان ، فاطلع عليهم اطلاعة ، فقال : ادعوا لي صاحبيكم اللذين ألباكم علي ، فدعيا له فقال : أنشدكما الله ، أتعلمان أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لما
[ ص: 290 ] قدم
المدينة ضاق المسجد بأهله ، فقال : من يشتري هذه البقعة من خالص ماله فيكون فيها كالمسلمين وله خير منها في الجنة ؟ . فاشتريتها من خالص مالي فجعلتها بين المسلمين ، وأنتم تمنعوني أن أصلي فيه ركعتين ! ثم قال : أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لما قدم
المدينة لم يكن فيها بئر يستعذب منه إلا
بئر رومة ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
من يشتريها من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين ، وله خير منها في الجنة ؟ فاشتريتها من خالص مالي وأنتم تمنعوني أن أشرب منها ! ثم قال : هل تعلمون أني صاحب جيش العسرة ؟ قالوا : اللهم نعم . وقد رواه
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14272عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي nindex.php?page=showalam&ids=14304وعباس الدوري وغير واحد . وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
زياد بن أيوب . كلهم عن
سعيد بن عامر ، عن
يحيى بن أبي الحجاج المنقري ، عن
سعيد الجريري به . وقال
الترمذي حسن .
طريق أخرى : قال الإمام
أحمد : حدثنا
عبد الصمد ، ثنا
القاسم - يعني ابن الفضل - ثنا
عمرو بن مرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد [ ص: 291 ] قال : دعا
عثمان رجالا من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فيهم
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر ، فقال : إني سائلكم وإني أحب أن تصدقوني ، نشدتكم الله ، أتعلمون
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512341أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كان يؤثر قريشا على سائر الناس ، ويؤثر بني هاشم على سائر قريش ؟ فسكت القوم ، فقال
عثمان : لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها
بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم . فبعث إلى
طلحة والزبير ، فقال عثمان : ألا أحدثكما عنه - يعني عمارا - أقبلت مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، آخذا بيدي نتمشى في البطحاء حتى أتى على أبيه وأمه وعليه يعذبون ، فقال أبو عمار : يا رسول الله ، الدهر هكذا ؟ فقال له النبي ، صلى الله عليه وسلم : " اصبر " . ثم قال : " اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت " . تفرد به
أحمد ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب .
طريق أخرى : قال الإمام
أحمد : حدثنا
إسحاق بن سليمان ، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15292مغيرة بن مسلم أبا سلمة يذكر عن
مطر ، عن
نافع ، عن
ابن عمر أن
عثمان أشرف على أصحابه وهو محصور فقال : علام تقتلوني ؟ فإني سمعت
[ ص: 292 ] رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول :
لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ؛ رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم ، أو قتل عمدا فعليه القود ، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل . فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ، ولا قتلت أحدا فأقيد نفسي منه ، ولا ارتددت منذ أسلمت ؛ إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12224أحمد بن الأزهر ، عن
إسحاق بن سليمان به .
طريق أخرى : قال الإمام
أحمد : حدثنا
عفان ، ثنا
حماد بن زيد ، ثنا
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=131أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : كنت مع
عثمان في الدار وهو محصور ، قال : وكنا ندخل مدخلا إذا دخلناه سمعنا كلام من على البلاط ، قال : فدخل
عثمان يوما لحاجة ، فخرج إلينا منتقعا لونه ، فقال : إنهم ليتوعدوني بالقتل آنفا . قال : قلنا : يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين . قال : فقال : وبم يقتلوني ؟ فإني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول :
لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ؛ رجل كفر بعد إسلامه ، أو زنى بعد إحصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس . فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام قط ، ولا تمنيت بدلا بديني مذ هداني الله له ، ولا قتلت نفسا ، فبم يقتلوني ؟ . وقد رواه أهل
[ ص: 293 ] " السنن الأربعة " من حديث
حماد بن زيد ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
أبي أمامة - زاد
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي :
nindex.php?page=showalam&ids=4891وعبد الله بن عامر بن ربيعة - قالا : كنا مع
عثمان . فذكره . وقال
الترمذي : حسن ، وقد رواه
حماد بن سلمة عن
يحيى بن سعيد فرفعه .
طريق أخرى : قال الإمام
أحمد : حدثنا
قطن ، حدثنا
يونس - يعني
ابن أبي إسحاق - عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن ، قال : أشرف
عثمان من القصر وهو محصور ، فقال : أنشد بالله من شهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يوم حراء ، إذ اهتز الجبل فركله بقدمه ، ثم قال :
اسكن حراء ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ، وأنا معه . فانتشد له رجال . قال : أنشد بالله من شهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يوم بيعة الرضوان ، إذ بعثني إلى المشركين إلى
أهل مكة فقال : " هذه يدي وهذه يد
عثمان " فبايع لي ؟ فانتشد له رجال . قال : أنشد بالله من شهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال من يوسع لنا بهذا البيت في المسجد ببيت في الجنة ؟ فابتعته من مالي فوسعت به المسجد ؟ فانتشد له رجال . قال : وأنشد بالله من شهد رسول الله يوم جيش العسرة قال : من ينفق اليوم نفقة متقبلة ؟ . فجهزت نصف الجيش من مالي ؟ فانتشد له رجال . وأنشد بالله من
[ ص: 294 ] شهد رومة يباع ماؤها ابن السبيل ، فابتعتها من مالي فأبحتها ابن السبيل ؟ قال : فانتشد له رجال . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، عن
عمران بن بكار ، عن
خطاب بن عثمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن جده
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق السبيعي به .
وقد ذكر
ابن جرير أن
عثمان ، رضي الله عنه ، لما رأى ما فعله هؤلاء
الخوارج من أهل الأمصار ، من محاصرته في داره ، ومنعه الخروج إلى المسجد ، كتب إلى
معاوية بالشام ، وإلى
ابن عامر بالبصرة ، وإلى أهل
الكوفة ، يستنجدهم في بعث جيش يطردون هؤلاء من
المدينة ، فبعث
معاوية حبيب بن مسلمة ، وانتدب
يزيد بن أسد القسري في جيش ، وبعث أهل
الكوفة جيشا ،
وأهل البصرة جيشا ، فلما سمع أولئك بخروج الجيوش إليهم صمموا في الحصار ، فما اقترب الجيوش إلى
المدينة حتى جاءهم
قتل عثمان ، رضي الله عنه ، كما سنذكره .
وذكر
ابن جرير أن
عثمان استدعى
nindex.php?page=showalam&ids=13707الأشتر النخعي ، ووضعت
لعثمان وسادة في كوة من داره ، فأشرف على الناس فقال له
عثمان : يا
أشتر ماذا يريدون ؟ فقال : إنهم يريدون منك إما أن تعزل نفسك عن الإمرة ، وإما أن تقيد من نفسك من قد ضربته ، أو جلدته ، أو حبسته ، وإما أن يقتلوك .
[ ص: 295 ] وفي رواية أنهم طلبوا منه أن يعزل نوابه عن الأمصار ويولي عليها من يريدون هم ، وإن لم يعزل نفسه ، أن يسلم لهم
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم فيعاقبوه كما زور على
عثمان كتابه إلى
مصر . فخشي
عثمان إن سلمه إليهم أن يقتلوه ، فيكون سببا في قتل امرئ مسلم ، وما فعل من الأمر ما يستحق بسببه القتل ، واعتذر عن الاقتصاص مما قالوا بأنه رجل ضعيف البدن كبير السن . وأما ما سألوه من خلعه نفسه فإنه لا يفعل ولا ينزع قميصا قمصه الله إياه ، ويترك أمة
محمد يعدو بعضها على بعض ، وقال لهم فيما قال : وأي شيء إلي من الأمر إن كنت كلما كرهتم أميرا عزلته ، وكلما رضيتم عنه وليته ؟ وقال لهم فيما قال : والله لئن قتلتموني لا تتحابوا بعدي أبدا ، ولا تصلوا جميعا أبدا ، ولا تقاتلوا بعدي عدوا جميعا أبدا . وقد صدق ، رضي الله عنه فيما قال .
وقال الإمام
أحمد : حدثنا
عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا
معاوية بن صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15884ربيعة بن يزيد ، عن
عبد الله بن أبي قيس ، حدثني
النعمان بن بشير قال : كتب معي
معاوية إلى
عائشة كتابا فدفعت إليها كتابه ، فحدثتني أنها سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول
لعثمان :
إن الله لعله يقمصك قميصا فإن أرادك أحد على خلعه فلا تخلعه ثلاث مرات . قال
النعمان : فقلت يا أم المؤمنين ، فأين كنت عن هذا الحديث ؟ فقالت : يا بني ، والله أنسيته . وقد رواه
[ ص: 296 ] الترمذي من حديث
الليث ، عن
معاوية بن صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=15884ربيعة بن يزيد ، عن
عبد الله بن عامر ، عن
النعمان ، عن
عائشة به . ثم قال : هذا حديث حسن غريب . ورواه
ابن ماجه من حديث
الفرج بن فضالة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15884ربيعة بن يزيد ، عن
النعمان فأسقط
عبد الله بن عامر
قال الإمام
أحمد : حدثنا
يحيى بن إسماعيل ، ثنا
قيس ، عن
أبي سهلة ، عن
عائشة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512342قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ادعوا لي بعض أصحابي " . قلت : أبو بكر ؟ قال : " لا " . قلت : عمر ؟ قال : " لا " . قلت : ابن عمك علي ؟ قال : " لا " . قالت : قلت : عثمان ؟ قال : " نعم " . فلما جاء قال : تنحي . فجعل يساره ولون عثمان يتغير . فلما كان يوم الدار وحصر فيها قلنا : يا أمير المؤمنين ألا تقاتل ؟ قال : لا ؛ إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عهد إلي عهدا وإني صابر نفسي عليه . تفرد به
أحمد .
وقال
محمد بن عائذ الدمشقي : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16457عبد الله بن لهيعة ، عن
يزيد بن عمرو أنه سمع
أبا ثور الفهمي يقول : قدمت على
[ ص: 297 ] عثمان فبينا أنا عنده فخرجت فإذا بوفد
أهل مصر قد رجعوا فدخلت على
عثمان فأعلمته ، فقال : وكيف رأيتهم ؟ فقلت : رأيت في وجوههم الشر ، وعليهم
ابن عديس البلوي ، فصعد
ابن عديس منبر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فصلى بهم الجمعة وتنقص
عثمان في خطبته ، فدخلت على
عثمان فأخبرته بما قام فيهم ، فقال : كذب والله
ابن عديس ، ولولا ما ذكر ما ذكرت ذلك ، إني لرابع أربعة في الإسلام ، ولقد أنكحني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ابنته ، ثم توفيت ، فأنكحني ابنته الأخرى ، والله ولا زنيت ولا سرقت في جاهلية ولا إسلام ، ولا تعتيت ولا تمنيت منذ أسلمت ، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ولقد جمعت القرآن على عهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ولا أتت علي جمعة إلا وأنا أعتق فيها رقبة منذ أسلمت ، إلا أن لا أجدها في تلك الجمعة فأجمعها في الجمعة الثانية . ورواه
يعقوب بن سفيان عن
عبد الله بن أبي بكر عن
ابن لهيعة قال : لقد اختبأت عند ربي عشرا فذكرهن .
[ ص: 298 ] فصل
كان الحصار مستمرا من أواخر ذي القعدة إلى يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة ، فلما كان قبل ذلك بيوم ، قال
عثمان للذين عنده في الدار من أبناء
المهاجرين والأنصار - وكانوا قريبا من سبعمائة ؛ فيهم
عبد الله بن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=14171وعبد الله بن الزبير ، والحسن ، والحسين ، ومروان ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ، وخلق من مواليه ، ولو تركهم لمنعوه ، فقال لهم : أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده ، وأن ينطلق إلى منزله . وعنده من أعيان الصحابة وأبنائهم جم غفير . وقال لرقيقه : من أغمد سيفه فهو حر . فبرد القتال من داخل الدار ، وحمي من خارج ، واشتد الأمر وكان سبب ذلك أن
عثمان رأى في المنام رؤيا دلت على اقتراب أجله ، فاستسلم لأمر الله رجاء موعوده ، وشوقا إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وليكون خير ابني آدم حيث قال حين أراد أخوه قتله :
إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين [ المائدة : 29 ] . وروي أن آخر من خرج من عند
عثمان من الدار بعد أن عزم عليهم في الخروج ،
الحسن بن علي وقد جرح ، وكان أمير الحرب على أهل الدار
عبد الله بن الزبير ، رضي الله عنهم .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن
سالم أو
نافع ، أن
ابن عمر لم يلبس سلاحه
[ ص: 299 ] بعد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلا يوم الدار ، ويوم
نجدة الحروري
قال
أبو جعفر الرازي ، عن
أيوب السختياني ، عن
نافع ، عن
ابن عمر أن
عثمان ، رضي الله عنه ، أصبح يحدث الناس قال : رأيت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في المنام فقال : " يا
عثمان أفطر عندنا " . فأصبح صائما وقتل من يومه .
وقال
سيف بن عمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13786عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن رجل قال : دخل عليه
كثير بن الصلت ، فقال : يا أمير المؤمنين ، اخرج فاجلس بالفناء ، فيرى وجهك ، فإنك إن فعلت ارتدعوا . فضحك ، وقال : يا
كثير رأيت البارحة وكأني دخلت على نبي الله ، صلى الله عليه وسلم ، وعنده
أبو بكر وعمر ، فقال : " ارجع فإنك مفطر عندي غدا " . ثم قال
عثمان : ولن تغيب الشمس والله غدا - أو كذا وكذا - إلا وأنا من أهل الآخرة . قال : فوضع
سعد nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة السلاح ، وأقبلا حتى دخلا على
عثمان .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة : حدثني
أبو علقمة - مولى
nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف - حدثني
ابن الصلت ، قال : أغفى
عثمان بن عفان في اليوم الذي قتل
[ ص: 300 ] فيه فاستيقظ فقال : لولا أن يقول الناس : تمنى
عثمان أمنية لحدثتكم . قال : قلنا أصلحك الله ، حدثنا فلسنا نقول ما يقول الناس . فقال : إني رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في منامي هذا فقال : " إنك شاهد معنا الجمعة " .
وقال
ابن أبي الدنيا : حدثنا
أبو عبد الرحمن القرشي ، ثنا
خلف بن تميم ، ثنا
إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير ، حدثني
كثير بن الصلت ، قال : دخلت على
عثمان وهو محصور فقال لي : يا كثير ، ما أراني إلا مقتولا يومي هذا . قال : قلت : ينصرك الله على عدوك يا أمير المؤمنين . قال : ثم أعاد علي فقلت : وقت لك في هذا اليوم شيء ، أو قيل لك شيء ؟ قال : لا ، ولكني سهرت في ليلتي هذه الماضية ، فلما كان عند السحر أغفيت إغفاءة ، فرأيت فيما يرى النائم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ،
وأبا بكر وعمر ، ورسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول لي : يا "
عثمان الحقنا لا تحبسنا ، فإنا ننتظرك " . قال : فقتل من يومه ذلك .
وقال
ابن أبي الدنيا : حدثنا
إسحاق بن إسماعيل ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، عن
فرج بن فضالة ، عن
مروان بن أبي أمية عن
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام قال : أتيت
عثمان لأسلم عليه وهو محصور ، فدخلت عليه فقال : مرحبا بأخي ، رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، الليلة في هذه الخوخة - قال : وخوخة في البيت - فقال : " يا
عثمان حصروك ؟ " . قلت : نعم . قال : " عطشوك ؟ " . قلت : نعم . فأدلى دلوا فيه ماء فشربت حتى رويت ، حتى إني لأجد برده بين ثديي بين كتفي ، وقال
[ ص: 301 ] لي : " إن شئت نصرت عليهم وإن شئت أفطرت عندنا " . فاخترت أن أفطر عنده . فقتل ذلك اليوم .
وقال
محمد بن سعد : ثنا
محمد بن عمر ، أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16577عفان بن مسلم ، ثنا
وهيب ، ثنا
داود عن
زياد بن عبد الله ، عن
أم هلال بنت وكيع ، عن امرأة
عثمان - قال : وأحسبها
بنت الفرافصة - قالت : أغفى
عثمان فلما استيقظ قال : إن القوم يقتلونني . قلت : كلا يا أمير المؤمنين . قال : إني رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ،
وأبا بكر وعمر فقالوا : " أفطر عندنا الليلة " . أو : " إنك تفطر عندنا الليلة " .
وقال
الهيثم بن كليب : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16740عيسى بن أحمد العسقلاني ، ثنا
شبابة ، ثنا
يحيى بن أبي راشد مولى عمر بن حريث ، عن
محمد بن عبد الرحمن الجرشي ، وعقبة بن أسيد ، عن
النعمان بن بشير ، عن
نائلة بنت الفرافصة الكلبية - امرأة
عثمان - قالت : لما حصر
عثمان ظل اليوم الذي كان قبل قتله صائما ، فلما كان عند إفطاره سألهم الماء العذب ، فأبوا عليه وقالوا :
[ ص: 302 ] دونك ذلك الركي - وركي في الدار الذي يلقى فيه النتن - قالت : فلم يفطر ، فأتيت جارات لنا على أجاجير متواصلة - وذلك في السحر - فسألتهم الماء العذب فأعطوني كوزا من ماء ، فأتيته فقلت : هذا ماء عذب أتيتك به . قالت : فنظر فإذا الفجر قد طلع فقال : إني أصبحت صائما . قالت : فقلت : ومن أين ولم أر أحدا أتاك بطعام ولا شراب ؟ فقال : إني رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال : " اشرب يا
عثمان " . فشربت حتى رويت ثم قال : " ازدد " . فشربت حتى نهلت ثم قال : " أما إن القوم سيبكرون عليك ، فإن قاتلتهم ظفرت ، وإن تركتهم أفطرت عندنا " . قالت : فدخلوا عليه من يومه فقتلوه .
وقال
أبو يعلى الموصلي ، nindex.php?page=showalam&ids=16408وعبد الله بن الإمام أحمد : حدثني
عثمان [ ص: 303 ] بن أبي شيبة ، ثنا
يونس بن أبي يعفور العبدي ، عن أبيه ، عن
مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان ، أن
عثمان أعتق عشرين مملوكا ، ودعا بسراويل فشدها ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام ، وقال : إني رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في المنام
وأبا بكر وعمر وإنهم قالوا لي : " اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة " . ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه ، فقتل وهو بين يديه . قلت : إنما لبس السراويل ، رضي الله عنه ، في هذا اليوم لئلا تبدو عورته إذا قتل ; فإنه كان شديد الحياء ،
كانت تستحيي منه الملائكة ، كما نطق بذلك النبي ، صلى الله عليه وسلم . ووضع بين يديه المصحف يتلو فيه ، واستسلم لقضاء الله ، عز وجل ، وكف يده عن القتال ، وأمر الناس وعزم عليهم أن لا يقاتلوا دونه ، ولولا عزيمته عليهم لنصروه من أعدائه ، ولكن كان أمر الله قدرا مقدورا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه : إن
عثمان ، رضي الله عنه ، أوصى إلى
الزبير .
وقال
الأصمعي عن
العلاء بن الفضل عن أبيه قال : لما قتل
عثمان فتشوا خزائنه فوجدوا فيها صندوقا مقفلا ، ففتحوه فوجدوا فيه حقة فيها ورقة مكتوب فيها : هذه وصية
عثمان : بسم الله الرحمن الرحيم ،
عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، وأن الله يبعث من في القبور ، ليوم لا ريب فيه ، إن الله لا يخلف الميعاد ، عليها يحيا وعليها يموت ، وعليها يبعث إن شاء الله تعالى .
[ ص: 304 ] وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر أن
عثمان ، رضي الله عنه ، قال يوم دخلوا عليه فقتلوه :
أرى الموت لا يبقي عزيزا ولم يدع لعاد ملاذا في البلاد ومرتقى
وقال أيضا :
يبيت أهل الحصن والحصن مغلق ويأتي الجبال في شماريخها العلا