صفحة جزء
فصل ( كلام الصحابة في مقتل عثمان رضي الله عنه )

قال الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن حذيفة أنه قال : أول الفتن قتل عثمان ، وآخر الفتن الدجال .

وروى الحافظ بن عساكر ، من طريق شبابة ، عن حفص بن مورق [ ص: 331 ] الباهلي ، عن حجاج بن أبي عثمان الصواف ، عن زيد بن وهب ، عن حذيفة . قال : أول الفتن قتل عثمان ، وآخر الفتن خروج الدجال ، والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه وإن لم يدركه آمن به في قبره .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا وغيره : أنا محمد بن سعد ، أنا عمرو بن عاصم الكلابي ، ثنا أبو الأشهب ، حدثني عوف ، عن محمد بن سيرين أن حذيفة بن اليمان قال : اللهم إن كان قتل عثمان بن عفان خيرا فليس لي فيه نصيب ، وإن كان قتله شرا فأنا منه بريء ، والله لئن كان قتله خيرا لتحلبنه لبنا ، ولئن كان قتله شرا لتمتصن به دما . وقد ذكره البخاري في " صحيحه " .

طريق أخرى عنه :

قال محمد بن عائذ : ذكر يحيى بن حمزة ، حدثني أبو عبد الله النجراني أن حذيفة بن اليمان في مرضه الذي هلك فيه ، كان عنده رجل من إخوانه وهو يناجي امرأته ، ففتح عينيه فسألهما فقالا : خير . فقال : [ ص: 332 ] إن شيئا تسرانه دوني ما هو بخير . قال : قتل الرجل . يعني عثمان . قال : فاسترجع ، ثم قال : اللهم إني كنت من هذا الأمر بمعزل ، فإن كان خيرا فهو لمن حضره ، وأنا منه بريء ، وإن كان شرا فهو لمن حضره ، وأنا منه بريء ، اليوم نفرت القلوب بأنفارها ، الحمد لله الذي سبق بي الفتن ، قادتها وعلوجها ، الحظي من تردى بعيره ، فشبع شحما وقل عمله .

وقال الحسن بن عرفة : ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن أبي موسى الأشعري قال : لو كان قتل عثمان هدى ، لاحتلبت به الأمة لبنا ، ولكنه كان ضلالا ، فاحتلبت به الأمة دما . وهذا منقطع .

وقال محمد بن سعد : أنا عارم بن الفضل ، أنا الصعق بن حزن ، ثنا قتادة ، عن زهدم الجرمي قال : خطب ابن عباس فقال : لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء . وقد روي من غير هذا الوجه عنه .

وقال الأعمش وغيره ، عن ثابت بن عبيد ، عن أبي جعفر الأنصاري [ ص: 333 ] قال : لما قتل عثمان جئت عليا وهو جالس في المسجد وعليه عمامة سوداء فقلت له : قتل عثمان . فقال : تبا لهم آخر الدهر . وفي رواية : خيبة لهم .

وقال أبو القاسم البغوي أنبأنا علي بن الجعد ، أنا شريك ، عن عبد الله بن عيسى ، عن ابن أبي ليلى قال : سمعت عليا وهو بباب المسجد ، أو عند أحجار الزيت رافعا صوته يقول : اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان . وقال أبو هلال : عن قتادة عن الحسن قال : قتل عثمان وعلي غائب في أرض له ، فلما بلغه قال : اللهم إني لم أرض ولم أمالئ .

وروى الربيع بن بدر عن سيار بن سلامة ، عن أبي العالية أن عليا دخل على عثمان ، فوقع عليه وجعل يبكي حتى ظنوا أنه سيلحق به .

وقال الثوري وغيره ، عن ليث ، عن طاوس .

،
عن ابن عباس قال : قال علي يوم قتل عثمان : والله ما قتلت ، ولا أمرت ، ولكني غلبت . ورواه غير ليث ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، عن علي نحوه .

وقال حبيب بن أبي العالية ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال علي : إن شاء الناس حلفت لهم عند مقام إبراهيم بالله ، ما قتلت عثمان ، ولا أمرت بقتله ، ولقد نهيتهم فعصوني . وقد روي من غير وجه عن علي بنحوه .

[ ص: 334 ] وقال محمد بن يونس الكديمي : ثنا هارون بن إسماعيل ، ثنا قرة بن خالد ، عن الحسن ، عن قيس بن عباد قال : سمعت عليا يوم الجمل يقول : اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان ، وأنكرت نفسي وجاءوني للبيعة فقلت : والله إني لأستحيي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال فيه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة . وإني لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد . فانصرفوا ، فلما دفن رجع الناس يسألوني البيعة فقلت : اللهم إني لمشفق مما أقدم عليه ، ثم جاءت عزمة فبايعت ، فلما قالوا : أمير المؤمنين ، فكأنما صدع قلبي وانسكبت بعبرة .

وقد اعتنى الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر بجمع الطرق الواردة عن علي ، أنه تبرأ من دم عثمان ، وكان يقسم على ذلك في خطبه وغيرها أنه لم يقتله ، ولا أمر بقتله ، ولا مالأ ، ولا رضي به ، ولقد نهى عنه فلم يسمعوا منه . ثبت ذلك عنه من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث . ولله الحمد والمنة . وثبت عنه أيضا من غير وجه أنه قال : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى فيهم : ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين [ ص: 335 ] [ الحجر : 47 ] . وثبت عنه أيضا من غير وجه أنه قال : كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا . وفي رواية أنه قال : كان عثمان ، رضي الله عنه ، خيرنا ، وأوصلنا للرحم ، وأشدنا حياء ، وأحسننا طهورا ، وأتقانا للرب ، عز وجل .

وروى يعقوب بن سفيان ، عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد ، عن مجالد ، عن عمير بن زوذي أبي كثير قال : خطب علي فقطع الخوارج عليه خطبته ، فنزل فقال : إن مثلي ومثل عثمان كمثل أثوار ثلاثة ; أحمر وأبيض وأسود ، ومعهم في أجمة أسد ، فكان كلما أراد قتل أحدهم منعه الآخران ، فقال للأسود والأحمر : إن هذا الأبيض قد فضحنا في هذه الأجمة فخليا عنه حتى آكله . فخليا عنه فأكله ، ثم كان كلما أراد أحدهما منعه الآخر ، فقال للأحمر : إن هذا الأسود قد فضحنا في هذه الأجمة ، وإن لوني على لونك ، فلو خليت عنه أكلته . فخلى عنه الأحمر فأكله ، ثم قال للأحمر : إني آكلك . فقال : دعني حتى أصيح ثلاث صيحات . فقال : دونك . فقال : ألا إني إنما أكلت يوم أكل الأبيض . ثلاثا ، ثم قال علي : وإنما أنا وهنت يوم قتل عثمان . قالها ثلاثا .

[ ص: 336 ] وروى ابن عساكر ، من طريق محمد بن هارون الحضرمي ، عن سوار بن عبد الله العنبري القاضي ، عن ابن مهدي ، عن حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : كانت المرأة تجيء في زمان عثمان إلى بيت المال ، فتحمل وقرها وتقول : اللهم بدل ، اللهم غير . فقال حسان بن ثابت حين قتل عثمان ، رضي الله عنه :


قلتم بدل فقد بدلكم سنة حرى وحربا كاللهب     ما نقمتم من ثياب خلفة
وعبيد وإماء وذهب

قال : وقال أبو حميد أخو بني ساعدة - وكان ممن شهد بدرا ، وكان في من جانب عثمان - فلما قتل قال : والله ما أردنا قتله ، ولا كنا نرى أن يبلغ منه القتل ، اللهم إن لك علي أن لا أفعل كذا وكذا ، ولا أضحك حتى ألقاك .

وقال محمد بن سعد : أنا عبد الله بن إدريس ، أنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، قال : لقد رأيتني وإن عمر موثقي وأخته على الإسلام ، ولو ارفض أحد فيما صنعتم بابن عفان ، [ ص: 337 ] لكان حقيقا . وهكذا رواه البخاري في " صحيحه " .

وروى محمد بن عائذ ، عن إسماعيل بن عياش ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير قال : سمع عبد الله بن سلام رجلا يقول لآخر : قتل عثمان بن عفان ، فلم ينتطح فيه عنزان . فقال ابن سلام : أجل إن البقر والمعز لا تنتطح في قتل الخليفة ، ولكن تنتطح فيه الرجال بالسلاح ، والله ليقتلن به أقوام ، إنهم لفي أصلاب آبائهم ما ولدوا بعد .

وقال ليث عن طاوس قال : قال ابن سلام : يحكم عثمان يوم القيامة في القاتل والخاذل .

وقال أبو عبد الله المحاملي : ثنا أبو الأشعث ، ثنا حزم بن أبي حزم ، سمعت أبا الأسود يقول : سمعت أبا بكرة يقول : لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أشرك في دم عثمان .

وقال أبو يعلى : ثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، ثنا محمد بن عباد الهنائي ، ثنا البراء بن أبي فضالة ، ثنا الحضرمي ، عن أبي مريم رضيع [ ص: 338 ] الجارود قال : كنت بالكوفة فقام الحسن بن علي خطيبا فقال : أيها الناس ، رأيت البارحة في منامي عجبا ; رأيت الرب تبارك وتعالى فوق عرشه ، فجاء رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حتى قام عند قائمة من قوائم العرش ، فجاء أبو بكر فوضع يده على منكب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ثم جاء عمر فوضع يده على منكب أبي بكر ، ثم جاء عثمان فكان نبذة ، فقال : رب سل عبادك فيم قتلوني ؟ فانبعث من السماء ميزابان من دم في الأرض . قال : فقيل لعلي : ألا ترى ما يحدث به الحسن ؟ فقال : حدث بما رأى .

ورواه أبو يعلى أيضا ، عن سفيان بن وكيع ، عن جميع بن عمر بن عبد الرحمن بن مجالد ، عن طحرب العجلي : سمعت الحسن بن علي يقول : ما كنت لأقاتل بعد رؤيا رأيتها ; رأيت العرش ، ورأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، متعلقا بالعرش ، ورأيت أبا بكر واضعا يده على منكب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وكان عمر واضعا يده على منكب أبي بكر ، ورأيت عثمان واضعا يده على منكب [ ص: 339 ] عمر ، ورأيت دما دونهم فقلت : ما هذا ؟ فقيل : هذا دم عثمان يطلب الله به .

وقال مسلم بن إبراهيم : ثنا سلام بن مسكين ، عن وهب بن شبيب ، عن زيد بن صوحان أنه قال يوم قتل عثمان : نفرت القلوب منافرها ، والذي نفسي بيده ، لا تتآلف إلى يوم القيامة .

وقال محمد بن سيرين : قالت عائشة : مصتموه موص الإناء ثم قتلتموه .

وقال خليفة بن خياط : ثنا أبو قتيبة ، ثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن عون بن عبد الله بن عتبة : قال : قالت عائشة : غضبت لكم من السوط ولا أغضب لعثمان من السيف ! استعتبتموه حتى إذا تركتموه كالقلب المصفى قتلتموه .

وقال أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، عن مسروق قال : قالت عائشة حين قتل عثمان : تركتموه كالثوب النقي من الدنس ثم قتلتموه . وفي [ ص: 340 ] رواية : ثم قربتموه فذبحتموه كما يذبح الكبش . فقال لها مسروق : هذا عملك ، أنت كتبت إلى الناس تأمرينهم أن يخرجوا إليه . فقالت : لا والذي آمن به المؤمنون ، وكفر به الكافرون ، ما كتبت إليهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا . قال الأعمش : فكانوا يرون أنه كتب على لسانها . وهذا إسناد صحيح إليها . وفي هذا وأمثاله دلالة ظاهرة على أن هؤلاء الخوارج ، قبحهم الله ، زوروا كتبا على لسان الصحابة إلى الآفاق ، يحرضونهم على قتال عثمان ، كما قدمنا بيانه . ولله الحمد والمنة .

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا حزم القطعي ، ثنا أبو الأسود بن سوادة ، أخبرني طلق بن خشاف . قال : قتل عثمان فتفرقنا في أصحاب محمد ، صلى الله عليه وسلم ، نسألهم عن قتله ، فسمعت عائشة تقول : قتل مظلوما لعن الله قتلته .

وروى محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن أبيه ، عن ثمامة ، عن أنس قال : قالت أم سليم لما سمعت بقتل عثمان : رحمه الله ، أما إنهم لن [ ص: 341 ] يحتلبوا بعده إلا دما .

وأما كلام أئمة التابعين في هذا الفصل فكثير جدا يطول ذكرنا له ، فمن ذلك قول أبي مسلم الخولاني حين رأى الوفد الذين قدموا من قتله : أما مررتم ببلاد ثمود ؟ قالوا : نعم . قال : أشهد أنكم مثلهم ، لخليفة الله أكرم عليه من ناقته . وقال ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الأمة لبنا ، ولكنه كان ضلالا فاحتلبت به الأمة دما . وقال أبو جعفر الباقر : كان قتل عثمان على غير وجه الحق

التالي السابق


الخدمات العلمية