[ ص: 347 ] فصل في الإشارة إلى شيء من الأحاديث الواردة في
فضائل عثمان بن عفان ، رضي الله عنه
هو
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، أبو عمرو ، وأبو عبد الله ، القرشي ، الأموي ، أمير المؤمنين ، ذو النورين ، وصاحب الهجرتين ، والمصلي إلى القبلتين ، وزوج الابنتين . وأمه
أروى بنت كريز بن ربيعة بن عبد شمس ، وأمها
أم حكيم ; وهي البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الستة أصحاب الشورى ، وأحد الثلاثة الذين خلصت لهم الخلافة من الستة ، ثم تعينت فيه بإجماع
المهاجرين والأنصار ، رضي الله عنهم ، فكان ثالث الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين ، المأمور باتباعهم والاقتداء بهم .
أسلم
عثمان ، رضي الله عنه ، قديما على يدي
أبي بكر الصديق ، وكان سبب إسلامه عجيبا ، فيما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13359الحافظ ابن عساكر ، وملخص ذلك أنه لما بلغه أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، زوج ابنته
رقية - وكانت ذات جمال - من ابن عمها
عتبة بن أبي لهب ، تأسف إذ لم يكن هو تزوجها ، فدخل على أهله مهموما
[ ص: 348 ] فوجد عندهم خالته
سعدى بنت كريز - وكانت كاهنة - فقالت له :
أبشر وحييت ثلاثا تترا ثم ثلاثا وثلاثا أخرى ثم بأخرى كي تتم عشرا
أتاك خير ووقيت شرا أنكحت والله حصانا زهرا
وأنت بكر ولقيت بكرا وافيتها بنت عظيم قدرا بنيت أمرا قد أشاد ذكرا
قال
عثمان : فعجبت من قولها ; حيث تبشرني بامرأة قد تزوجت بغيري ، فقلت : يا خالة ما تقولين ! فقالت : عثمان
لك الجمال ولك اللسان هذا نبي معه البرهان
أرسله بحقه الديان وجاءه التنزيل والفرقان
فاتبعه لا تغتالك الأوثان
قال : فقلت إنك لتذكرين أمرا ما وقع ببلدنا . فقالت :
محمد بن عبد الله ، رسول من عند الله ، جاء بتنزيل الله ، يدعو به إلى الله . ثم قالت :
مصباحه مصباح ودينه فلاح
وأمره نجاح وقرنه نطاح
ذلت له البطاح ما ينفع الصياح
[ ص: 349 ] لو وقع الذباح وسلت الصفاح
ومدت الرماح
قال
عثمان : فانطلقت مفكرا فلقيني
أبو بكر فأخبرته ، فقال : ويحك يا
عثمان ، إنك لرجل حازم ، ما يخفى عليك الحق من الباطل ، ما هذه الأصنام التي يعبدها قومنا ؟ أليست من حجارة صم ; لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع ؟ قال : قلت : بلى ، والله إنها لكذلك . فقال : والله لقد صدقتك خالتك ، هذا رسول الله
محمد بن عبد الله ، قد بعثه الله إلى خلقه برسالته ، هل لك أن تأتيه ؟ فاجتمعنا برسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال :
يا عثمان أجب الله إلى جنته ، فإني رسول الله إليك وإلى خلقه . قال : فوالله ما تمالكت حين سمعت قوله أن أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن
محمدا عبده ورسوله ، ثم لم ألبث أن تزوجت
nindex.php?page=showalam&ids=10733رقية بنت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فكان يقال : أحسن زوج رآه إنسان ،
رقية وزوجها
عثمان . فقالت في ذلك
سعدى بنت كريز :
هدى الله عثمانا بقولي إلى الهدى وأرشده والله يهدي إلى الحق
فتابع بالرأي السديد محمدا وكان برأي لا يصد عن الصدق
وأنكحه المبعوث بالحق بنته فكانا كبدر مازج الشمس في الأفق
فداؤك يا ابن الهاشميين مهجتي وأنت أمين الله أرسلت للخلق
[ ص: 350 ] قال : ثم جاء
أبو بكر من الغد
بعثمان بن مظعون ، وبأبي
عبيدة بن الجراح ، nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف ، nindex.php?page=showalam&ids=233وأبي سلمة بن عبد الأسد ، nindex.php?page=showalam&ids=377والأرقم بن أبي الأرقم ، فأسلموا وكانوا مع من اجتمع مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ; ثمانية وثلاثون رجلا .
ثم هاجر إلى
الحبشة أول الناس ومعه زوجته
nindex.php?page=showalam&ids=10733رقية بنت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ثم عاد إلى
مكة وهاجر إلى
المدينة ، فلما كانت وقعة
بدر اشتغل بتمريض ابنة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وأقام بسببها في
المدينة ، فضرب له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بسهمه منها وأجره فيها ، فهو معدود فيمن شهدها . فلما توفيت زوجه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بأختها
أم كلثوم ، فتوفيت أيضا في صحبته ، وقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
لو كان عندنا أخرى لزوجناها بعثمان . وشهد
أحدا وفر يومئذ فيمن تولى ، وقد نص الله تعالى على العفو عنهم ، وشهد
الخندق والحديبية ، وبايع عنه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يومئذ بإحدى يديه ، وشهد
خيبر وعمرة القضاء ، وحضر الفتح
وهوازن والطائف وغزوة
تبوك ، وجهز فيها جيش العسرة . فتقدم في رواية عن
عبد الرحمن بن خباب أنه جهزهم يومئذ بثلاثمائة بعير بأقتابها وأحلاسها . وعن
عبد الرحمن بن سمرة أنه جاء يومئذ بألف دينار فصبها في حجر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي ،
[ ص: 351 ] صلى الله عليه وسلم :
ما ضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم . مرتين . وحج مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حجة الوداع ، وتوفي وهو عنه راض .
وصحب
أبا بكر فأحسن صحبته ، وتوفي وهو عنه راض . وصحب
عمر فأحسن صحبته ، وتوفي وهو عنه راض - ونص عليه في أهل الشورى الستة ، فكان خيرهم ، كما سيأتي - فولي الخلافة بعده ففتح الله على يديه كثيرا من الأقاليم والأمصار ، وتوسعت المملكة الإسلامية ، وامتدت الدولة المحمدية ، وبلغت الرسالة المصطفوية في مشارق الأرض ومغاربها ، وظهر للناس مصداق قوله تعالى :
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون [ النور : 55 ] . وقوله تعالى :
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون [ الصف : 9 ] . وقوله ، صلى الله عليه وسلم :
إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها . وقوله ، صلى الله عليه وسلم :
إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله . وهذا كله تحقق وقوعه وتأكد وتوطد في زمان عثمان ، رضي الله عنه .
[ ص: 352 ] وقد كان ، رضي الله عنه ، حسن الشكل ، مليح الوجه ، كريم الأخلاق ، ذا حياء كثير ، وكرم غزير ، يؤثر أهله وأقاربه في الله تأليفا لقلوبهم من متاع الحياة الدنيا الفاني ; لعله يرغبهم في إيثار ما يبقى على ما يفنى ، كما كان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يعطي أقواما ويدع آخرين ; يعطي أقواما خشية أن يكبهم الله على وجوههم في النار ، ويكل آخرين إلى ما جعل الله في قلوبهم من الهدى والإيمان ، وقد عابه بسبب هذه الخصلة أقوام ، كما عاب بعض الخوارج على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في الإيثار . وقد قدمنا ذلك في غزوة حنين حيث قسم غنائمها .
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل
عثمان ، رضي الله عنه ، نذكر ما تيسر منها إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة ; وهي قسمان :