قصة التحكيم
ثم تراوض الفريقان بعد مكاتبات ومراجعات يطول ذكرها على التحكيم وهو أن يحكم كل واحد من الأميرين -
علي ومعاوية - رجلا من جهته ، ثم يتفق الحكمان على ما فيه المصلحة للمسلمين . فوكل
معاوية عمرو بن العاص وأراد
علي أن يوكل
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس - وليته فعل - ولكنه منعه القراء
الخوارج ممن ذكرنا ، وقالوا : لا نرضى إلا
nindex.php?page=showalam&ids=110بأبي موسى الأشعري .
وذكر
الهيثم بن عدي في كتاب "
الخوارج " له أن أول من أشار
nindex.php?page=showalam&ids=110بأبي موسى الأشعري الأشعث بن قيس ، وتابعه
أهل اليمن ، ووصفوه بأنه كان ينهى الناس عن الفتنة والقتال ، وكان
أبو موسى قد اعتزل في بعض
أرض الحجاز ، قال
[ ص: 555 ] علي : فإني أجعل
الأشتر حكما . فقالوا : وهل سعر ، الأرض إلا
الأشتر ؟ قال : فاصنعوا ما شئتم . فقال
الأحنف لعلي : والله لقد رميت بحجر ، إنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل منهم يدنو منهم حتى يصير في أكفهم ، ويبعد عنهم حتى يصير بمنزلة النجم ، فإن أبيت أن تجعلني حكما فاجعلني ثانيا أو ثالثا ، فإنه لن يعقد عقدة إلا حللتها ، ولا يحل عقدة عقدتها إلا عقدت لك أخرى مثلها أو أحكم منها . قال : فأبوا إلا
nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى الأشعري . فذهبت الرسل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري - وكان قد اعتزل - فلما قيل له : إن الناس قد اصطلحوا . قال : الحمد لله . قيل له : وقد جعلت حكما . فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون . ثم أخذوه حتى أحضروه إلى
علي ، رضي الله عنه وكتبوا بينهم كتابا هذه صورته :
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضى عليه
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين . فقال
عمرو بن العاص اكتب اسمه واسم أبيه هو أميركم وليس بأميرنا . فقال
الأحنف : لا تكتب إلا أمير المؤمنين . فقال
علي : امحه ، واكتب : هذا ما قاضى عليه
علي بن أبي طالب ، ثم استشهد
علي بقصة
الحديبية حين امتنع
أهل مكة من قوله : هذا ما قاضى عليه
محمد رسول
[ ص: 556 ] الله . فامتنع المشركون من ذلك ، وقالوا : اكتب : هذا ما قاضى عليه
محمد بن عبد الله . فكتب الكاتب : هذا ما قاضى عليه
علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية بن أبي سفيان ; قاضى
علي على
أهل العراق ومن معهم من شيعتهم والمسلمين ، وقاضى
معاوية على
أهل الشام ومن كان معه من المؤمنين والمسلمين ، إنا ننزل عند حكم الله وكتابه ، ونحيي ما أحيا الله ، عز وجل ، ونميت ما أمات الله ، فما وجد الحكمان في كتاب الله - وهما
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص - عملا به وما لم يجدا في كتاب الله ، فالسنة العادلة الجامعة غير المتفرقة . ثم أخذ الحكمان من
علي ومعاوية ومن الجندين من العهود والمواثيق على أنهما آمنان على أنفسهما وأهلهما ، والأمة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه ويتفقان ، وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كليهما عهد الله وميثاقه أنهم على ما في هذه الصحيفة ، وأجلا القضاء إلى رمضان ، وإن أحبا أن يؤخرا ذلك على تراض منهما ، وكتب في يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر ، سنة سبع وثلاثين ، على أن يوافي
علي ومعاوية موضع الحكمين
بدومة الجندل في رمضان ، ومع كل واحد من الحكمين أربعمائة من أصحابه ، فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح .
[ ص: 557 ] وقد ذكر
الهيثم بن عدي في كتابه "
الخوارج " أن
الأشعث بن قيس لما ذهب إلى
معاوية بالكتاب وفيه : هذا ما قاضى
عبد الله أمير المؤمنين
علي nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان قال
معاوية : لو كان أمير المؤمنين لم أقاتله ، ولكن ليكتب اسمه وليبدأ به قبل اسمي لفضله وسابقته . فرجع إلى
علي فكتب كما قال
معاوية .
وذكر
الهيثم أن أهل
الشام أبوا أن يبدأوا باسم
علي قبل
معاوية ، وباسم
أهل العراق قبلهم ، حتى كتب كتابان ; كتاب لهؤلاء وكتاب لهؤلاء بما أرادوا .
وهذه تسمية من شهد على هذا الكتاب والتحكيم من جيش
علي :
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=185والأشعث بن قيس الكندي ، وسعيد بن قيس الهمداني ، وعبد الله بن الطفيل العامري ، وحجر بن عدي الكندي ، وورقاء بن سمي البجلي ، وعبد الله بن محل العجلي ، وعقبة بن زياد الحضرمي ، [ ص: 558 ] ويزيد بن حجية التميمي ، ومالك بن كعب الهمداني . فهؤلاء عشرة . وأما من الشاميين فعشرة آخرون ; وهم
أبو الأعور السلمي ، nindex.php?page=showalam&ids=200وحبيب بن مسلمة ، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، ومخارق بن الحارث الزبيدي ، زمل بن عمرو العذري ، وعلقمة بن يزيد الحضرمي ، وحمزة بن مالك الهمداني ، وسبيع بن يزيد الحضرمي ، وعتبة بن أبي سفيان أخو
معاوية ، ويزيد بن الحر العبسي .
وخرج
الأشعث بن قيس بذلك الكتاب يقرأه على الناس ويعرضه عليهم من الطائفتين . ثم شرع الناس في دفن قتلاهم . قال
الزهري : بلغني أنه كان يدفن في كل قبر خمسون نفسا . وكان
علي قد أسر جماعة من
أهل الشام فلما أراد الانصراف عن
صفين أطلقهم ، وكان مثلهم أو قريب
[ ص: 559 ] منهم قد أسرهم
أهل الشام ، وكان
معاوية قد عزم على قتلهم لظنه أن
عليا قد قتل أسراهم ، فلما جاء أولئك الذين أطلقهم ، أطلق
معاوية الذين في يده ، ويقال : إن رجلا يقال له :
عمرو بن أوس - من
الأود . كان من الأسارى ، فأراد
معاوية قتله ، فقال : امنن علي فإنك خالي . فقال : ويحك ! من أين أنا خالك ؟ فقال : إن
أم حبيبة زوجة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وهي أم المؤمنين ، وأنا ابنها وأنت أخوها ، فأنت خالي . فأعجب ذلك
معاوية وأطلقه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13786عبد الرحمن بن زياد بن أنعم - وذكر
أهل صفين - فقال : كانوا عربا يعرف بعضهم بعضا في الجاهلية ، فالتقوا في الإسلام معهم بتلك الحمية نهية الإسلام ، فتصابروا واستحيوا من الفرار ، وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء ، وهؤلاء في عسكر هؤلاء ، فيستخرجون قتلاهم فيدفنوهم . قال
الشعبي : هم أهل الجنة ، لقي بعضهم بعضا فلم يفر أحد من أحد .