[ ص: 131 ] خلافة الحسن بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما
قد ذكرنا أن
عليا ، رضي الله عنه لما ضربه
ابن ملجم قالوا له : استخلف يا أمير المؤمنين . فقال : لا ، ولكن أدعكم كما ترككم رسول الله صلى الله عنه وسلم - يعني بغير استخلاف - فإن يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خيركم ، كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما توفي وصلى عليه ابنه
الحسن ، لأنه أكبر بنيه ، رضي الله عنهم ، ودفن كما ذكرنا بدار الإمارة بالكوفة ، على الصحيح من أقوال الناس ، فلما فرغ من شأنه كان أول من تقدم إلى
الحسن بن علي ، رضي الله عنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=7246قيس بن سعد بن عبادة ، فقال له : ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه . فسكت
الحسن ، فبايعه ثم بايعه الناس بعده ، وكان ذلك يوم مات علي ، وكان موته يوم ضرب ، على قول ، وهو يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة أربعين ، وقيل : إنما مات بعد الطعنة بيومين . وقيل : مات في العشر الأخير من رمضان ، ومن يومئذ ولي
الحسن ابنه .
وكان
قيس بن سعد على إمرة
أذربيجان تحت يده أربعون ألف مقاتل قد بايعوا
عليا على الموت ، فلما مات
علي ألح
قيس بن سعد على
الحسن في النفير لقتال
أهل الشام فعزل
قيسا عن إمرة
أذربيجان ، وولى
nindex.php?page=showalam&ids=5409عبيد الله بن عباس عليها ، ولم يكن في نية
الحسن أن يقاتل أحدا ، ولكن غلبوه على رأيه ،
[ ص: 132 ] فاجتمعوا اجتماعا عظيما لم يسمع بمثله ، فأمر
الحسن بن علي nindex.php?page=showalam&ids=7246قيس بن سعد بن عبادة على المقدمة في اثني عشر ألفا بين يديه ، وسار هو بالجيوش في إثره قاصدا بلاد
الشام ليقاتل
معاوية وأهل الشام فلما اجتاز
بالمدائن نزلها وقدم المقدمة بين يديه ، فبينما هو في
المدائن معسكر بظاهرها ، إذ صرخ في الناس صارخ : ألا إن
nindex.php?page=showalam&ids=7246قيس بن سعد بن عبادة قد قتل . فثار الناس فانتهب بعضهم بعضا ، حتى انتهبوا سرادق
الحسن . حتى نازعوه بساطا كان جالسا عليه ، وطعنه بعضهم حين ركب طعنة أشوته ، فكرههم
الحسن كراهية شديدة ، ثم ركب فدخل القصر الأبيض من
المدائن فنزله وهو جريح ، وكان عامله على
المدائن سعد بن مسعود الثقفي ، أخو أبي عبيد صاحب يوم الجسر ، فلما استقر
الحسن بالقصر قال
المختار بن أبى عبيد ، قبحه الله ، لعمه
سعد بن مسعود : هل لك في الشرف والغنى ؟ قال : وما ذا ؟ قال : تأخذ
الحسن بن علي فتقيده وتبعث به إلى
معاوية . فقال له عمه : قبحك الله وقبح ما جئت به ! أأغدر بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !
ولما رأى
الحسن بن علي تفرق جيشه عليه مقتهم ، وكتب عند ذلك إلى
معاوية - وكان قد ركب في
أهل الشام فنزل مسكن - يراوضه على الصلح بينهما فبعث إليه
معاوية عبد الله بن عامر nindex.php?page=showalam&ids=77وعبد الرحمن بن سمرة ، فقدما عليه
الكوفة فبذلا له ما أراد من الأموال ، فاشترط أن يأخذ من بيت مال
الكوفة خمسة آلاف ألف درهم ، وأن يكون خراج دارابجرد له ، وأن لا يسب
[ ص: 133 ] علي وهو يسمع ، فإذا فعل ذلك نزل عن الإمرة
لمعاوية ، ويحقن الدماء بين المسلمين . فاصطلحوا على ذلك واجتمعت الكلمة على
معاوية ، على ما سيأتي بيانه وتفصيله ، وقد لام
الحسين أخاه
الحسن على هذا الرأي ، فلم يقبل منه ، والصواب مع
الحسن ، رضي الله عنه ، كما سنذكر دليله قريبا .
ثم بعث
الحسن بن علي إلى أمير المقدمة
قيس بن سعد أن يسمع ويطيع
لمعاوية ، فأبى
قيس من قبول ذلك ، وخرج عن طاعتهما جميعا ، واعتزل بمن أطاعه ، ثم راجع الأمر فبايع
معاوية بعد أيام قريبة ، كما سنذكره . ثم المشهور أن مبايعة
الحسن لمعاوية كانت في سنة أربعين ، ولهذا يقال له : عام الجماعة . لاجتماع الكلمة فيه على
معاوية ، والمشهور عند
ابن جرير وغيره من علماء السير أن ذلك كان في أوائل سنة إحدى وأربعين كما سنذكره ، إن شاء الله . وحج بالناس في هذه السنة - أعني سنة أربعين -
المغيرة بن شعبة .
وزعم
ابن جرير فيما رواه عن
إسماعيل بن راشد ، أن
المغيرة بن شعبة افتعل كتابا على لسان
معاوية أنه قد ولاه إمرة الحج عامئذ ، وبادر إلى ذلك
عتبة بن أبي سفيان ، وكان معه كتاب من أخيه
معاوية بإمرة الحج ، فتعجل
المغيرة فوقف بالناس يوم الثامن ليسبق
عتبة إلى الإمرة . وهذا الذي نقله
ابن جرير لا يقبل ، ولا يظن
بالمغيرة ، رضي الله عنه ، ذلك ، وإنما نبهنا على ذلك ليعلم أنه باطل . والله أعلم . فإن الصحابة أجل قدرا من هذا ، ولكن هذه نزعة شيعية .
[ ص: 134 ] قال
ابن جرير : وفي هذه السنة بويع
لمعاوية بإيلياء . يعني لما مات علي قام
أهل الشام فبايعوا
معاوية على إمرة المؤمنين ; لأنه لم يبق له عندهم منازع ، فعند ذلك أقام
أهل العراق الحسن بن علي رضي الله عنه ، ليمانعوا به
أهل الشام ، فلم يتم لهم ما أرادوه وما حاولوه ، وإنما كان خذلانهم من قبل تدبيرهم السيئ وآرائهم المختلفة المخالفة لأمرائهم ، ولو كانوا يعلمون لعظموا ما أنعم الله به عليهم من مبايعتهم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيد المسلمين ، وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوى آرائهم . والدليل على أنه أحد الخلفاء الراشدين الحديث الذي أوردناه في دلائل النبوة من طرق عن
nindex.php?page=showalam&ids=3571سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا " . وإنما كملت الثلاثون بخلافة
الحسن بن علي ، رضي الله عنه ، فإنه نزل عن الخلافة
لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فإنه توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ، وهذا من أكبر دلائل النبوة ، وقد مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صنيعه هذا ، وهو تركه الدنيا الفانية ، ورغبته في الآخرة الباقية ، وحقنه دماء هذه الأمة ، فنزل عن الخلافة وجعل الملك بيد
معاوية ، حتى تجتمع الكلمة على أمير واحد ، وهذا المدح قد ذكرناه فيما تقدم وسنورده في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة الثقفي ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر يوما ، وجلس الحسن بن علي إلى جانبه ، فجعل ينظر إلى الناس مرة وإليه أخرى ، ثم قال : " أيها الناس ، إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .