[ ص: 305 ] ثم دخلت سنة ست وخمسين
وذلك في أيام
معاوية . ففيها شتى
جنادة بن أبي أمية بأرض
الروم ، وقيل :
عبد الرحمن بن مسعود . وقيل : فيها غزا في البحر
يزيد بن شجرة ، وفي البر
عياض بن الحارث . وفيها
اعتمر معاوية في رجب ، وحج بالناس فيها nindex.php?page=showalam&ids=15497الوليد بن عتبة بن أبي سفيان . وفيها
ولى معاوية سعيد بن عثمان بلاد خراسان وعزل عنها عبيد الله بن زياد ، فسار
سعيد إلى
خراسان ، والتقى مع
الترك عند
صغد سمرقند ، فقتل منهم خلقا كثيرا ، واستشهد معه جماعة ، منهم - فيما قيل -
قثم بن العباس بن عبد المطلب .
قال
ابن جرير سأل
سعيد بن عثمان بن عفان معاوية أن يوليه
خراسان ، فقال : إن بها
عبيد الله بن زياد . فقال
سعيد لمعاوية : أما والله لقد اصطنعك أبي ورقاك ، حتى بلغت باصطناعه المدى الذي لا يجارى إليه ولا يسامى ، فما شكرت بلاءه ولا جازيته بآلائه ، وقدمت علي هذا - يعني
يزيد بن معاوية - وبايعت له ، ووالله لأنا خير منه أبا وأما ونفسا . فقال
[ ص: 306 ] له
معاوية : أما بلاء أبيك عندي فقد يحق علي الجزاء به ، وقد كان من شكري لذلك أني طلبت بدمه حتى تكشفت الأمور ، ولست بلائم لنفسي في التشمير ، وأما فضل أبيك على أبيه ، فأبوك والله خير مني وأقرب برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما فضل أمك على أمه فما لا ينكر ، فإن امرأة من
قريش خير من امرأة من
كلب ، وأما فضلك عليه فوالله ما أحب أن الغوطة دحست
ليزيد رجالا مثلك . يعني أن الغوطة لو ملئت رجالا مثل
سعيد بن عثمان كان
يزيد خيرا وأحب إلي منهم . فقال له
يزيد : يا أمير المؤمنين ، ابن عمك وأنت أحق من نظر في أمره ، وقد عتب عليك في فأعتبه . قال : فولاه حرب
خراسان : فأتى
سمرقند فخرج إليه أهل
الصغد من الترك ، فقاتلهم وهزمهم وحصرهم في مدينتهم ، فصالحوه وأعطوه رهنا خمسين غلاما يكونون في يده من أبناء عظمائهم ، فأقام
بالترمذ ، ولم يف لهم ، وجاء بالغلمان الرهن معه إلى
المدينة .
وفيها
دعا معاوية الناس إلى البيعة ليزيد ولده أن يكون ولي عهده من بعده ، وكان قد عزم قبل ذلك على هذا في حياة
المغيرة بن شعبة ; فروى
ابن جرير من طريق
الشعبي ، أن
المغيرة كان قد قدم على
معاوية ، واستعفاه من إمرة
الكوفة فأعفاه لكبره وضعفه ، وعزم على توليتها
سعيد بن العاص ، فلما بلغ ذلك
المغيرة كأنه ندم ، فجاء إلى
يزيد بن معاوية ، فأشار عليه بأن يسأل من أبيه أن يكون ولي العهد من بعده ، فسأل ذلك
يزيد من أبيه فقال : من أمرك بهذا ؟ قال :
المغيرة . فأعجب ذلك
معاوية من
المغيرة ورده إلى عمل
الكوفة وأمره أن يسعى
[ ص: 307 ] في ذلك ، فعند ذلك سعى
المغيرة في توطيد ذلك ، وكتب
معاوية إلى
زياد يستشيره في ذلك ، فكره
زياد ذلك ; لما يعلم من لعب
يزيد وإقباله على اللعب والصيد ، فبعث
زياد إليه من يثني رأيه عن ذلك ، وهو
عبيد بن كعب النميري - وكان صاحبا أكيدا
لزياد - فسار إلى
دمشق ، فاجتمع
بيزيد أولا ، فكلمه عن
زياد ، وأشار عليه بأن لا يطلب ذلك ، فإن تركه خير له من السعي فيه ، فانزجر
يزيد عما يريد من ذلك ، واجتمع بأبيه واتفقا على ترك ذلك في هذا الوقت ، فلما مات
زياد ، وكانت هذه السنة ، شرع
معاوية في
نظم البيعة ليزيد والدعاء إليها ، وعقد البيعة لولده
يزيد ، وكتب إلى الآفاق بذلك ، فبايع له الناس في سائر الأقاليم ،
إلا عبد الرحمن بن أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين بن علي nindex.php?page=showalam&ids=14171وعبد الله بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، فركب
معاوية إلى
مكة معتمرا ، فلما اجتاز
بالمدينة مرجعه من
مكة استدعى كل واحد من هؤلاء الخمسة ، فأوعده وتهدده بانفراده ، فكان من أشدهم عليه ردا وأجلدهم في الكلام
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، وكان ألينهم كلاما
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر بن الخطاب ، ثم خطب
معاوية وهؤلاء حضور تحت منبره ، وبايع الناس
ليزيد وهم قعود ، ولم يوافقوا ولم يظهروا خلافا ; لما تهددهم وتوعدهم ، فاتسقت البيعة
ليزيد في سائر البلاد ، ووفدت الوفود من سائر الأقاليم إلى
يزيد . فكان فيمن قدم
nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس ، فأمره
معاوية أن يحادث
يزيد ، فجلسا ثم خرج
الأحنف ، فقال له
معاوية : ماذا رأيت من ابن أخيك ؟ فقال : إنا نخاف الله إن كذبنا ونخافكم إن صدقنا ، وأنت
[ ص: 308 ] أعلم به في ليله ونهاره ، وسره وعلانيته ، ومدخله ومخرجه ، وأنت أعلم به بما أردت ، وإنما علينا أن نسمع ونطيع ، وعليك أن تنصح للأمة . وقد كان
معاوية لما صالح
الحسن بن علي عهد
للحسن بالأمر من بعده ، فلما مات
الحسن قوي أمر
يزيد عند
معاوية ، ورأى أنه لذلك أهلا ، وذاك من شدة محبة الوالد لولده ، ولما كان يتوسم فيه من النجابة الدنيوية ، وسيما أولاد الملوك ومعرفتهم بالحروب وترتيب الملك والقيام بأبهته ، وكان يظن أنه لا يقوم أحد من أبناء الصحابة في الملك مقامه ، ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=12لعبد الله بن عمر فيما خاطبه به : إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع . فقال له
ابن عمر : إذا بايعه الناس كلهم بايعته ، ولو كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف . وقد عاتب
معاوية في ولايته
يزيد سعيد بن عثمان بن عفان ، وطلب منه أن يوليه مكانه ، فقال له : والله لو ملئت الغوطة رجالا مثلك لكان
يزيد أحب منكم كلكم .
وروينا عن
معاوية أنه قال يوما في خطبته : اللهم إن كنت تعلم أني وليته لأنه فيما أراه أهل لذلك فأتمم له ما وليته ، وإن كنت تعلم أني إنما وليته لأني أحبه فلا تتمم له ما وليته .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13359الحافظ ابن عساكر أن
معاوية كان قد سمر ليلة ، فتكلم أصحابه في
[ ص: 309 ] المرأة التي يكون ولدها نجيبا ، فذكروا
صفة المرأة التي يكون ولدها نجيبا . فقال
معاوية : وددت لو عرفت بامرأة تكون بهذه المثابة . فقال أحد جلسائه : قد وجدت ذلك يا أمير المؤمنين . قال : ومن ؟ قال : ابنتي يا أمير المؤمنين . فتزوجها
معاوية ، فولدت له
يزيد بن معاوية ، فجاء نجيبا ذكيا حاذقا . ثم خطب امرأة أخرى فحظيت عنده ، وولدت له غلاما آخر ، وهجر أم
يزيد ، فكانت عنده في جنب داره ، فبينما هو يوما في النظارة ، ومعه امرأته الأخرى ، إذ نظر إلى أم
يزيد وهي تسرحه ، فقالت امرأته : قبحها الله وقبح ما تسرح . فقال : ولم ؟ فوالله إن ولدها لأنجب من ولدك ، وإن أحببت بينت لك ذلك . ثم استدعى ولدها ، فقال له : إن أمير المؤمنين قد عن له أن يطلق لك ما تتمناه عليه ، فاطلب مني ما شئت . فقال : أسأل من أمير المؤمنين أن يطلق لي كلابا للصيد ، وخيلا ورجالا يكونون معي في الصيد . فقال
معاوية : قد أمرنا لك بذلك . ثم استدعى
يزيد ، فقال له كما قال لأخيه ، فقال
يزيد : أويعفيني أمير المؤمنين في هذا الوقت عن هذا ؟ فقال : لا بد أن تسأل حاجتك . فقال : أسأل - وأطال الله عمر أمير المؤمنين - أن أكون ولي عهده من بعده ، فإنه بلغني أن عدل يوم في الرعية كعبادة خمسمائة عام . فقال : قد أجبتك إلى ذلك . ثم قال لامرأته : كيف رأيت ؟ فعلمت وتحققت فضل
يزيد على ولدها .
وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في هذه السنة وفاة
nindex.php?page=showalam&ids=11471أم حرام بنت ملحان الأنصارية امرأة
عبادة بن الصامت ، والصحيح الذي لم يذكر العلماء غيره أنها توفيت سنة
[ ص: 310 ] سبع وعشرين في خلافة
عثمان ، وكانت هي وزوجها مع
معاوية حين دخل
قبرس وقصتها بغلتها فماتت هناك وقبرها
بقبرس ، والعجب أن
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي أورد في ترجمتها حديثها المخرج في " الصحيحين " في
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512540قيلولة النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها ، ورؤياه في منامه قوما من أمته يركبون ثبج البحر مثل الملوك على الأسرة غزاة في سبيل الله ، وأنها سألته أن يدعو لها أن تكون منهم ، فدعا لها ، ثم نام فرأى كذلك ، فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : " أنت من الأولين " وهم الذين فتحوا
قبرس ، فكانت معهم ، وذلك في سنة سبع وعشرين ، ولم تكن من الآخرين الذين غزوا بلاد
الروم سنة إحدى وخمسين مع
يزيد بن معاوية ! ومعهم
أبو أيوب ، وقد توفي هناك ، فقبره قريب من سور
قسطنطينية . وقد ذكرنا هذا مقررا في دلائل النبوة .