إمارة يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه من الحوادث والفتن
بويع له بالخلافة بعد أبيه في رجب سنة ستين ، وكان مولده سنة ست وعشرين ، فكان يوم بويع ابن أربع وثلاثين سنة ، فأقر نواب أبيه على الأقاليم ، لم يعزل أحدا منهم ، وهذا من ذكائه .
[ ص: 467 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12861هشام بن محمد الكلبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12145أبي مخنف لوط بن يحيى الكوفي الأخباري : ولي
يزيد في هلال رجب سنة ستين ، وأمير
المدينة nindex.php?page=showalam&ids=15497الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وأمير
الكوفة النعمان بن بشير ، وأمير
البصرة عبيد الله بن زياد ، وأمير
مكة عمرو بن سعيد بن العاص ، ولم يكن
ليزيد همة حين ولي إلا بيعة النفر الذين أبوا على
معاوية البيعة
ليزيد ، فكتب إلى نائب
المدينة الوليد بن عتبة : بسم الله الرحمن الرحيم ، من يزيد أمير المؤمنين إلى
الوليد بن عتبة ، أما بعد ، فإن
معاوية كان عبدا من عباد الله ، أكرمه الله واستخلفه وخوله ومكن له ، فعاش بقدر ، ومات بأجل ، فرحمه الله ، فقد عاش محمودا ، ومات برا تقيا ، والسلام .
وكتب إليه في صحيفة كأنها أذن الفأرة : أما بعد ، فخذ
حسينا nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر nindex.php?page=showalam&ids=14171وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا ، والسلام . فلما أتاه نعي
معاوية فظع به وكبر عليه ، فبعث إلى
مروان ، فقرأ عليه الكتاب ، واستشاره في أمر هؤلاء النفر ، فقال : أرى أن تدعوهم قبل أن يعلموا بموت
معاوية إلى البيعة ، فإن أبوا ضربت أعناقهم . فأرسل من فوره
عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان إلى
الحسين وابن الزبير وهما في المسجد ، فقال لهما : أجيبا الأمير . فقالا : انصرف ، الآن نأتيه . فلما انصرف عنهما قال
الحسين لابن الزبير : إني أرى طاغيتهم قد هلك . قال
ابن الزبير : وأنا ما أظن غيره . قال : ثم نهض
حسين فأخذ معه مواليه ، وجاء باب الأمير ، فاستأذن فأذن له ، فدخل وحده ، وأجلس مواليه على الباب ، وقال : إن سمعتم أمرا يريبكم فادخلوا . فسلم وجلس
ومروان عنده ، فناوله
الوليد بن عتبة الكتاب ، ونعى إليه
[ ص: 468 ] معاوية ، فاسترجع وقال : رحم الله
معاوية ، وعظم لك الأجر . فدعاه الأمير إلى البيعة ، فقال له
الحسين : إن مثلي لا يبايع سرا ، وما أراك تجتزئ مني بهذا ، ولكن إذا اجتمع الناس دعوتنا معهم ، فكان أمرا واحدا . فقال له
الوليد وكان يحب العافية : فانصرف على اسم الله حتى تأتينا في جماعة الناس . فقال
مروان للوليد : والله لئن فارقك ولم يبايع الساعة ، ليكثرن القتل بينكم وبينه ، فاحبسه ولا تخرجه حتى يبايع ، وإلا ضربت عنقه . فنهض
الحسين وقال : يابن الزرقاء ، أنت تقتلني ؟ ! كذبت والله وأثمت . ثم انصرف إلى داره ، فقال
مروان للوليد : والله لا تراه بعدها أبدا . فقال
الوليد : والله يا
مروان ما أحب أن لي الدنيا وما فيها وأني قتلت
الحسين ، سبحان الله ! أقتل
حسينا أن قال : لا أبايع ؟ ! والله إني لأظن أن من يقتل
الحسين يكون خفيف الميزان يوم القيامة . وبعث
الوليد إلى
عبد الله بن الزبير فامتنع عليه وماطله يوما وليلة ، ثم إن
ابن الزبير ركب في مواليه واستصحب معه أخاه
جعفرا ، وسار إلى
مكة على طريق الفرع ، وبعث
الوليد خلف
ابن الزبير الرجال والفرسان ، فلم يقدروا على رده ، وقد قال
جعفر لأخيه
عبد الله وهما سائران ، متمثلا بقول
صبرة الحنظلي :
وكل بني أم سيمسون ليلة ولم يبق من أعقابهم غير واحد
فقال : سبحان الله ! ما أردت إلى هذا ؟ فقال : والله ما أردت به شيئا يسوءك . فقال : إن كان إنما جرى على لسانك فهو أكره إلي . قالوا : وتطير به . وأما
الحسين بن علي فإن
الوليد تشاغل عنه
بابن الزبير ، وجعل كلما بعث
[ ص: 469 ] إليه يقول : حتى تنظر وننظر . ثم جمع أهله وبنيه ، وركب ليلة الأحد ، لليلتين بقيتا من رجب من هذه السنة ، بعد خروج
ابن الزبير بليلة ، ولم يتخلف عنه أحد من أهله سوى
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية فإنه قال له : والله يا أخي ، لأنت أعز أهل الأرض علي ، وإني ناصح لك ; لا تدخلن مصرا من هذه الأمصار ، ولكن اسكن البوادي والرمال ، وابعث إلى الناس ، فإذا بايعوك واجتمعوا عليك فادخل المصر ، وإن أبيت إلا سكنى المصر فاذهب إلى
مكة ، فإن رأيت ما تحب ، وإلا ترفعت إلى الرمال والجبال . فقال له : جزاك الله خيرا ، فقد نصحت وأشفقت . وسار
الحسين إلى
مكة ، فاجتمع هو
وابن الزبير بها ، وبعث
الوليد إلى
عبد الله بن عمر فقال : بايع
ليزيد . فقال : إذا بايع الناس بايعت . فقال رجل : إنما تريد أن يختلف الناس ويقتتلوا حتى يتفانوا ، فإذا لم يبق غيرك بايعوك ! فقال
ابن عمر : لا أحب شيئا مما قلت ، ولكن إذا بايع الناس فلم يبق غيري بايعت . قال : فتركوه ، وكانوا لا يتخوفونه .
وقال
الواقدي : لم يكن
ابن عمر بالمدينة حين قدم نعي
معاوية ، وإنما كان هو
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس بمكة ، فلقيهما وهما مقبلان منها ،
الحسين وابن الزبير ، فقالا : ما وراءكما ؟ قالا : موت
معاوية والبيعة
ليزيد . فقال لهما
ابن عمر : اتقيا الله ، ولا تفرقا بين جماعة المسلمين . وقدم
ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس إلى
المدينة ، فلما جاءت البيعة من الأمصار بايعا مع الناس ، وأما
الحسين وابن الزبير ، فإنهما قدما
مكة [ ص: 470 ] فوجدا بها
عمرو بن سعيد بن العاص ، فخافاه وقالا : إنا جئنا عواذا بهذا البيت .
وفي هذه السنة ، في رمضان منها ، عزل
يزيد بن معاوية الوليد بن عتبة عن إمرة
المدينة ; لتفريطه ، وأضافها إلى
عمرو بن سعيد بن العاص نائب
مكة ، فقدم
المدينة في رمضان - وقيل : في ذي القعدة - وكان مفوها متكبرا ، وسلط
عمرو بن الزبير - وكان عدوا لأخيه
عبد الله - على حربه وجرده له ، وجعل
عمرو بن سعيد يبعث البعوث إلى
مكة لحرب
عبد الله بن الزبير .
وقد ثبت في " الصحيحين " أن
أبا شريح الخزاعي قال
لعمرو بن سعيد ، وهو يبعث البعوث إلى
مكة : ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك حديثا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح ، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به ; إنه حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : "
إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ، وإنه لم يحل القتال فيها لأحد كان قبلي ، ولم يحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، ثم قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد الغائب " . وفي رواية : "
فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا : إن الله أذن لرسوله ، ولم يأذن لكم " . فقيل
لأبي شريح : ما قال لك ؟ فقال : قال لي : نحن أعلم بذلك منك يا
أبا شريح ، إن
الحرم لا يعيذ [ ص: 471 ] عاصيا ولا فارا بدم ، ولا فارا بخربة .
قال
الواقدي : ولى
عمرو بن سعيد شرطة
المدينة عمرو بن الزبير ; فتتبع أصحاب أخيه ومن يهوى هواه ، فضربهم ضربا شديدا ، حتى ضرب من جملة من ضرب أخاه
المنذر بن الزبير وجماعة من الأعيان ثم جاء العزم من
يزيد إلى
عمرو بن سعيد في تطلب
ابن الزبير ، وأنه لا يقبل منه وإن بايع ، حتى يؤتى به إلي في جامعة من ذهب أو من فضة تحت برنسه ، فلا ترى إلا أنه يسمع صوتها ، وكان
ابن الزبير قد منع
الحارث بن خالد المخزومي من أن يصلي
بأهل مكة ، وكان نائب
عمرو بن سعيد عليها ، فحينئذ صمم
عمرو على تجهيز سرية إلى
مكة بسبب
ابن الزبير ، فاستشار
عمرو بن سعيد عمرو بن الزبير : من يصلح أن نبعثه إلى
مكة لأجل قتاله ؟ فقال له
عمرو بن الزبير : إنك لا تبعث إليه
[ ص: 472 ] من هو أنكى له مني . فعينه على تلك السرية ، وجعل على مقدمته
أنيس بن عمرو الأسلمي في سبعمائة مقاتل .
وقال
الواقدي : إنما عينهما
يزيد بن معاوية نفسه ، وبعث بذلك إلى
عمرو بن سعيد في كتاب ، فعسكر
أنيس بالجرف ، وأشار
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم على
عمرو بن سعيد أن لا يغزو
مكة ، وأن يترك
ابن الزبير بها ، فإنه عما قليل إن لم يقتل يمت ، فقال أخوه
عمرو بن الزبير والله لنغزونه ولو في جوف
الكعبة ، على رغم أنف من رغم . فقال
مروان : والله إن ذلك ليسوءني . فسار
أنيس واتبعه
عمرو بن الزبير في بقية الجيش ، وكانوا ألفين ، حتى نزل
بالأبطح ، وقيل : بداره عند
الصفا . ونزل
أنيس بذي طوى ، فكان
عمرو بن الزبير يصلي بالناس ، ويصلي وراءه أخوه
عبد الله بن الزبير وأرسل
عمرو إلى أخيه يقول له : بر يمين الخليفة ، وأته وفي عنقك جامعة من ذهب أو فضة ، ولا تدع الناس يضرب بعضهم بعضا ، واتق الله فإنك في بلد حرام . فأرسل
عبد الله يقول لأخيه : موعدك المسجد . وبعث
عبد الله بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=16444عبد الله بن صفوان بن أمية في سرية ، فاقتتلوا مع
أنيس بن عمرو الأسلمي ، فهزموا
أنيسا هزيمة قبيحة ، وتفرق عن
عمرو بن الزبير أصحابه ، وهرب
عمرو إلى دار
ابن علقمة ، فأجاره أخوه
عبيدة بن الزبير ، فلامه أخوه
عبد الله بن الزبير ، وقال : تجير من في عنقه حقوق الناس ! ثم ضربه بكل من ضربه
بالمدينة إلا
المنذر بن الزبير وابنه ; فإنهما أبيا أن
[ ص: 473 ] يستقيدا من
عمرو ، وسجنه ومعه عارم فسمي سجن عارم ، وقد قيل : إن
عمرو بن الزبير مات تحت السياط . والله أعلم .