[ ص: 673 ] وقعة مرج راهط ومقتل الضحاك بن قيس الفهري ، رضي الله عنه
قد تقدم أن
الضحاك كان نائب
دمشق لمعاوية بن أبي سفيان ، وكان يصلى عنه إذا اشتغل أو غاب ، ويقيم الحدود ، ويسد الأمور ، فلما مات
معاوية قام بأعباء بيعة
يزيد ابنه ، ثم لما مات
يزيد بايع الناس
لمعاوية بن يزيد ، فلما مات
معاوية بن يزيد بايعه أهل
دمشق حتى يجتمع الناس على إمام ، فلما اتسعت البيعة
لابن الزبير عزم على المبايعة له ، فخطب الناس يوما وتكلم في
يزيد بن معاوية وذمه ، فقامت فتنة في المسجد الجامع ، حتى اقتتل الناس فيه بالسيوف ، فسكن الناس ، ثم دخل دار الإمارة من
الخضراء ، وأغلق عليه الباب ، ثم اتفق مع
بني أمية على أن يركبوا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15715حسان بن مالك بن بحدل وهو
بالأردن ، فيجتمعوا عنده على من يراه أهلا للإمارة على الناس ، وكان
حسان يريد أن يبايع لابن أخته
خالد بن يزيد ،
ويزيد ابن ميسون ،
وميسون بنت بحدل ، فلما ركب
الضحاك معهم انخذل بأكثر الجيش ، فرجع إلى
دمشق ، فامتنع بها ، وبعث إلى أمراء الأجناد ، فبايعهم
لابن الزبير ، وسار
بنو أمية ومعهم
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم ،
وعمرو بن سعيد ،
وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية ، حتى اجتمعوا
بحسان بن مالك بن بحدل بالجابية ، وليس لهم قوة طائلة بالنسبة إلى
الضحاك بن قيس ، فعزم
مروان على الرحيل إلى
ابن الزبير ليبايعه ، ويأخذ أمانا منه
لبني أمية ، فإنه كان قد أمر
[ ص: 674 ] بإجلائهم عن
المدينة ، فسار حتى وصل إلى
أذرعات ، فلقيه
عبيد الله بن زياد مقبلا من
العراق ، فاجتمع به ، ومعه
حصين بن نمير ،
وعمرو بن سعيد بن العاص ، فحسنوا له أن يدعو إلى نفسه ; فإنه أحق بذلك من
ابن الزبير الذي قد فارق الجماعة ، وخلع ثلاثة من الخلفاء ، فلم يزالوا
بمروان حتى أجابهم إلى ذلك ، وقال له
عبيد الله بن زياد : وأنا أذهب لك إلى
الضحاك إلى
دمشق ، فأخدعه لك وأخذل أمره . فسار إليه وجعل يركب إليه كل يوم ، ويظهر له الود والنصيحة والمحبة ، ثم حسن له أن يدعو إلى نفسه ، ويخلع
ابن الزبير ، فإنك أحق بالأمر منه ; لأنك لم تزل في الطاعة مشهورا بالأمانة ،
وابن الزبير خارج عن الناس . فدعا
الضحاك الناس إلى نفسه ثلاثة أيام ، فلم يصعد معه ، فرجع إلى الدعوة
لابن الزبير ، ولكن انحط بها عند الناس ، ثم قال له
ابن زياد : إن من يطلب ما تطلب لا ينزل المدن والحصون ، وإنما ينزل الصحراء ، ويدعو بالجنود . فبرز
الضحاك إلى
مرج راهط فنزله ، وأقام
عبيد الله بن زياد بدمشق ومروان وبنو أمية بتدمر ،
وخالد وعبد الله عند خالهم
حسان بالجابية ، فكتب
ابن زياد إلى
مروان يأمره أن يظهر دعوته ، فدعا إلى نفسه ، وتزوج
بأم خالد بن يزيد بن معاوية ، وهي أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة ، فعظم أمره
[ ص: 675 ] وبايعه الناس ، واجتمعوا عليه ، وسار إلى
مرج راهط نحو
الضحاك بن قيس ، وركب إليه
عبيد الله بن زياد وأخوه
عباد بن زياد ، حتى اجتمع مع
مروان ثلاثة عشر ألفا ،
وبدمشق من جهته
يزيد بن أبي النمس ، وقد أخرج عامل
الضحاك منها ، وهو يمد
مروان بالسلاح والرجال وغير ذلك - ويقال : كان نائبه على
دمشق يومئذ
عبد الرحمن بن أم الحكم - وجعل
مروان على ميمنته
عبيد الله بن زياد ، وعلى ميسرته
عمرو بن سعيد بن العاص ، وبعث
الضحاك إلى
النعمان بن بشير ، فأمده
النعمان بأهل
حمص عليهم
شرحبيل بن ذي الكلاع ، وركب إليه
زفر بن الحارث الكلابي في أهل
قنسرين ، فكان
الضحاك في ثلاثين ألفا ، على ميمنته
زياد بن عمرو العقيلي ، وعلى ميسرته
زكريا بن شمر الهلالي ، فتصافوا ، وتقاتلوا
بالمرج عشرين يوما ، يلتقون في كل يوم فيقتتلون قتالا شديدا ، ثم أشار
عبيد الله بن زياد على
مروان أن يدعوهم إلى الموادعة خديعة ; فإن الحرب خدعة ، وأنت وأصحابك على الحق ، وهم على الباطل . فنودي في الناس بذلك ، ثم غدر أصحاب
مروان ، فمالوا يقتلونهم قتلا شديدا ، وصبر أصحاب
الضحاك صبرا بليغا ، فقتل
الضحاك بن قيس في المعركة ، قتله رجل يقال له :
زحمة بن عبد الله . من
بني كلب ، طعنه بحربة ، فأنفذه ولم يعرفه . وصبر
[ ص: 676 ] مروان وأصحابه صبرا شديدا حتى فر أولئك بين يديه ، فنادى : لا يتبع مدبر . ثم جيء برأس
الضحاك ، ويقال : إن أول من بشره بقتله
روح بن زنباع الجذامي . واستقر ملك
الشام بيد
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم . وروي أنه بكى على نفسه يوم
مرج راهط ، فقال : أبعد ما كبرت وضعفت صرت إلى أن أقتل الناس بالسيوف على الملك ؟ !
قلت : ولم تطل مدته في الملك إلا تسعة أشهر على ما سنذكره .
وقد كان
الضحاك بن قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر بن مالك ، أبو أنيس الفهري ، أحد الصحابة على الصحيح ، وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عنه أحاديث عدة ، وروى عنه جماعة من التابعين ، وهو أخو
فاطمة بنت قيس وكانت أكبر منه بعشر سنين ، وكان
أبو عبيدة بن الجراح عمه . حكاه
ابن أبي حاتم . وزعم بعضهم أنه لا صحبة له ، وقال
الواقدي : أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه قبل البلوغ . وفي رواية عن
الواقدي أنه قال : ولد
الضحاك قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين .
[ ص: 677 ] وقد شهد فتح
دمشق وسكنها وله بها دار عند
حجر الذهب ، مما يلي
نهر بردى ، وكان على أهل
دمشق يوم
صفين مع
معاوية . ولما أخذ
معاوية الكوفة استنابه بها في سنة أربع وخمسين .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " التاريخ " أن
الضحاك قرأ سورة " ص " في الصلاة بالناس
بالكوفة ، فسجد فيها فلم يتابعه
علقمة وأصحاب
ابن مسعود في السجود .
ثم استنابه
معاوية عنده على
دمشق ، فلم يزل عنده حتى مات
معاوية ، وتولى ابنه
يزيد ، ثم ابن ابنه
معاوية بن يزيد ثم صار أمره إلى ما ذكرنا .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16577عفان بن مسلم ، ثنا
حماد بن سلمة ، أنبأنا
علي بن زيد ، عن
الحسن ، أن
الضحاك بن قيس كتب إلى
قيس بن الهيثم حين مات
يزيد بن معاوية : سلام عليك ، أما بعد ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512614إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم ، فتنا كقطع الدخان ، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه ، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع أقوام خلاقهم ودينهم بعرض من الدنيا قليل " . وإن
يزيد بن معاوية قد مات ، وأنتم إخواننا وأشقاؤنا فلا تسبقونا حتى نختار لأنفسنا .
[ ص: 678 ] وقد روى الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة ، عن
العباس بن الفرج الرياشي ، عن
يعقوب بن إسحاق بن بويه ، عن
حماد بن زيد قال : دخل
الضحاك بن قيس على
معاوية فقال
معاوية :
تطاولت للضحاك حتى رددته إلى حسب في قومه متقاصر
فقال
الضحاك : قد علم قومنا أننا أحلاس الخيل . فقال : صدقت ، أنتم أحلاسها ونحن فرسانها . يريد : أنتم راضة وساسة ، ونحن الفرسان . وأرى أصله من الحلس ، وهو كساء يكون تحت البردعة ، أي يلزم ظهورها ، كما يلزم الحلس ظهر البعير .
وروى أيضا أن مؤذن
دمشق قال
nindex.php?page=showalam&ids=190للضحاك بن قيس : والله أيها الأمير إني لأحبك في الله . فقال له
الضحاك : ولكني والله أبغضك في الله . قال : ولم ؟ أصلحك الله . قال : لأنك تتراءى في أذانك ، وتأخذ أجرا على تعليمك .
قتل
الضحاك ، رحمه الله ، يوم
مرج راهط ، وذلك للنصف من ذي الحجة ، سنة أربع وستين . قاله
الليث بن سعد ،
وأبو عبيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15472والواقدي ،
وابن زبر ،
والمدائني .