[ ص: 683 ]
وفي هذه السنة - أعنى
سنة أربع وستين - جرت حروب كثيرة وفتن منتشرة ببلاد المشرق
واستحوذ على بلاد
خراسان رجل يقال له
عبد الله بن خازم . وقهر عمالها وأخرجهم منها ، وذلك بعد موت
يزيد وابنه
معاوية ، قبل أن يستقر
ملك ابن الزبير على تلك النواحي ، وجرت بين
عبد الله بن خازم هذا وبين
عمرو بن مرثد حروب يطول ذكرها وتفصيلها ، اكتفينا بذكرها إجمالا ; إذ لا يتعلق بتفصيلها كبير فائدة ، وهي حروب فتنة وقتال بغاة بعضهم في بعض ، وبالله المستعان .
وقال
الواقدي : وفي هذه السنة - بعد موت
معاوية بن يزيد - بايع أهل
خراسان سلم بن زياد بن أبيه ، وأحبوه حتى إنهم سموا باسمه في تلك السنة أكثر من ألف غلام مولود ، ثم نكثوا واختلفوا ، فخرج عنهم
سلم ، وترك عليهم
nindex.php?page=showalam&ids=15350المهلب بن أبي صفرة .
[ ص: 684 ] وفيها اجتمع ملأ
الشيعة على
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد بالكوفة ، وتواعدوا النخيلة ; ليأخذوا بثأر
الحسين بن علي ، رضي الله عنه ، وما زالوا في ذلك مجدين ، وعليه عازمين ، من بعد مقتل
الحسين بكربلاء في العاشر من المحرم سنة إحدى وستين ، وقد ندموا على ما كان منهم من بعثهم إليه ، فلما حصل ببلادهم خذلوه وتخلوا عنه ولم ينصروه .
فجادت بوصل حين لا ينفع الوصل
فاجتمعوا في دار
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد وهو صحابي جليل ، وكان رءوس القائمين في ذلك خمسة ;
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد الصحابي ،
والمسيب بن نجبة الفزاري أحد كبار أصحاب علي ،
وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي ،
وعبد الله بن وال التيمي ،
ورفاعة بن شداد البجلي ، وكلهم من أصحاب
علي ، رضي الله عنه ، فاجتمعوا كلهم بعد خطب ومواعظ على تأمير
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد عليهم ، فتعاهدوا وتعاقدوا ، وتواعدوا النخيلة ; أن يجتمع من يستجيب لهم إلى ذلك الموضع بها في سنة خمس وستين ، ثم جمعوا من أموالهم وأسلحتهم شيئا كثيرا وأعدوه لذلك .
[ ص: 685 ] وكتب
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد إلى
سعد بن حذيفة بن اليمان ، وهو
بالمدائن يدعوه إلى ذلك ، فاستجاب له ، ودعا إليه
سعد من أطاعه من
أهل المدائن فبادروا إليه بالاستجابة والقبول ، وتمالئوا عليه وتواعدوا
النخيلة في التاريخ المذكور . وكتب
سعد إلى
سليمان بذلك ، ففرح
أهل الكوفة من موافقة
أهل المدائن لهم على ذلك ، وتنشطوا لأمرهم الذي تمالئوا عليه ، فلما مات
يزيد بن معاوية وابنه
معاوية بعده بقليل ، طمعوا في الأمر ، واعتقدوا أن أهل
الشام قد ضعفوا ، ولم يبق من يقيم لهم أمرا ، فغدوا إلى
سليمان ، واستشاروه في الظهور وأن يخرجوا إلى
النخيلة قبل الأجل ، فمنعهم من ذلك حتى يأتي الأجل الذي واعدوا إخوانهم فيه . ثم هم في الباطن يعدون السلاح والقوة ، ولا يشعر بهم جمهور الناس ، وحينئذ عمد جمهور أهل
الكوفة إلى
عمرو بن حريث نائب
عبيد الله بن زياد على
الكوفة ، فأخرجوه من القصر ، واصطلحوا على
عامر بن مسعود بن أمية بن خلف الملقب دحروجة ، فبايع
nindex.php?page=showalam&ids=16414لعبد الله بن الزبير ، فهو يسد الأمور حتى تأتي نواب
ابن الزبير ، فلما كان يوم الجمعة لثمان بقين من رمضان من هذه السنة - أعني سنة أربع وستين - قدم أميران إلى
الكوفة من جهة
ابن الزبير ; أحدهما
nindex.php?page=showalam&ids=16474عبد الله بن يزيد الخطمي على الحرب والثغر ، والآخر
nindex.php?page=showalam&ids=12386إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي على الخراج ، وقد كان قدم قبلهما إلى
[ ص: 686 ] الكوفة بجمعة واحدة للنصف من هذا الشهر
المختار بن أبي عبيد - وهو
المختار الثقفي الكذاب - فوجد
الشيعة قد التفت على
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد ، وعظموه تعظيما زائدا ، وهم معدون للحرب ، فلما استقر المختار عندهم ، دعا في الباطن إلى إمامة
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية ، ولقبه المهدي ، فاتبعه كثير من
الشيعة ، وفارقوا
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد وصارت
الشيعة فرقتين ; الجمهور منهم مع
سليمان يريدون الخروج على الناس للأخذ بثأر
الحسين ، وفرقة أصحاب
المختار يريدون الخروج للدعوة إلى إمامة
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية وذلك عن غير أمر
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية ورضاه ، وإنما يتقولون عليه ليروجوا على الناس به ، وليتوصلوا إلى أغراضهم الفاسدة ، وجاءت العين الصافية إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16474عبد الله بن يزيد الخطمي نائب
ابن الزبير بما تمالأ عليه فرقتا
الشيعة على اختلافهما ; من الخروج على الناس والدعوة إلى ما يريدون ، وأشار من أشار عليه بأن يبادر إليهم ، ويحتاط عليهم ، ويبعث الشرط والمقاتلة فيقمعهم عما هم مجمعون عليه من إرادة الشر والفتنة ، فقام خطيبا في الناس ، وذكر في خطبته ما بلغه عن هؤلاء القوم ، وما أجمعوا عليه من الأمر ، وأن منهم من يريد الأخذ بثأر
الحسين ، ولقد علموا أني لست ممن قتله ، وإني والله لممن أصيب بقتله ، رحمه الله ولعن قاتله ، وإني لا أتعرض لأحد قبل أن يبدأني بالشر ، وإن كان هؤلاء يريدون الأخذ بثأر
الحسين ، فليعمدوا إلى
عبيد الله بن زياد ، . فإنه هو الذي قتل
الحسين وخيار أهله ; فليأخذوا منه بالثأر ; ولا يخرجوا بسيوفهم على أهل بلدهم ، فيكون فيه حتفهم واستئصالهم . فقام
nindex.php?page=showalam&ids=12386إبراهيم بن محمد بن طلحة الأمير الآخر فقال : أيها الناس ، لا يغرنكم من أنفسكم كلام هذا المداهن ، إنا والله قد استيقنا أن قوما يريدون الخروج علينا ،
[ ص: 687 ] ولنأخذن الوالد بالولد والولد بالوالد ، والحميم بالحميم ، والعريف بما في عرافته ، حتى يدينوا بالحق ويذلوا للطاعة . فوثب إليه
المسيب بن نجبة الفزاري فقطع عليه كلامه ، فقال : يابن الناكثين أتهددنا بسيفك وغشمك ؟ ! أنت والله أذل من ذلك ، إنا لا نلومك على بغضنا وقد قتلنا أباك وجدك ، وإنا لنرجو أن نلحقك بهما قبل أن تخرج من هذا القصر . وساعد
المسيب بن نجبة بعض أصحابه ، ورد عن
nindex.php?page=showalam&ids=12386إبراهيم بن محمد بن طلحة جماعة من العمال ، وجرت فتنة وشر كثير في المسجد ، فنزل
nindex.php?page=showalam&ids=16474عبد الله بن يزيد الخطمي عن المنبر ، وحاولوا أن يوقعوا بين الأميرين ، فلم يتفق لهم ذلك ، ثم ظهرت
الشيعة أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد بالسلاح ، وأظهروا ما كان في أنفسهم من الخروج على الناس ، وركبوا مع
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد فقصدوا نحو
الجزيرة ، فكان من أمرهم ما سنذكره .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=8494المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب فإنه قد كان بغيضا إلى
الشيعة من يوم طعن
الحسن ، وهو ذاهب إلى
الشام بأهل
العراق ، فلجأ إلى
المدائن ، فأشار المختار على عمه ، وهو نائب المدائن بأن يقبض على
الحسن ويبعثه إلى
معاوية ، فيتخذ بذلك عنده اليد البيضاء ، فامتنع عمه من ذلك ، فأبغضته
الشيعة بسبب ذلك ، فلما كان من أمر
مسلم بن عقيل ما كان ، وقتله
ابن زياد ، كان المختار يومئذ
بالكوفة ، فبلغ
ابن زياد أنه يقول : لأقومن بنصرة مسلم ، ولآخذن بثأره .
[ ص: 688 ] فأحضره بين يديه ، وضرب عينه بقضيب كان بيده فشترها ، وأمر بسجنه ، فلما بلغ أخته سجنه بكت وجزعت عليه ، وكانت تحت
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر بن الخطاب ، فكتب
ابن عمر إلى
يزيد بن معاوية يشفع عنده في إخراج
المختار من السجن ، فبعث
يزيد إلى
ابن زياد أن ساعة وقوفك على هذا الكتاب تخرج
المختار بن أبي عبيد من السجن ، فلم يمكن
ابن زياد غير ذلك ، فأخرجه وقال له : إن وجدتك
بالكوفة بعد ثلاثة أيام ضربت عنقك . فخرج
المختار إلى
الحجاز وهو يقول : والله لأقطعن أنامل
عبيد الله بن زياد ولأقتلن
بالحسين بن علي عدد من قتل على دم
يحيى بن زكريا . فلما استفحل أمر
عبد الله بن الزبير بمكة بايعه
المختار بن أبي عبيد ، وكان من كبار الأمراء عنده ، ولما حاصره
الحصين بن نمير وأهل
الشام قاتل
المختار دونه أشد القتال ، فلما بلغه موت
يزيد بن معاوية واضطراب أهل
العراق ، نقم على
ابن الزبير في بعض الأمر ، وخرج من
الحجاز ، فقصد
الكوفة فدخلها في يوم جمعة ، والناس يتهيئون للصلاة ، فجعل لا يمر بملأ من الناس إلا سلم ، وقال : أبشروا بالنصر والظفر بالأعداء . ودخل المسجد فصلى إلى سارية هنالك ، حتى أقيمت الصلاة ، ثم صلى من بعد الصلاة حتى صليت العصر ، ثم انصرف فسلم عليه الناس ، وأقبلوا إليه وعليه وعظموه ، وجعل يدعو إلى إمامه المهدي
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية ، ويظهر الانتصار لأهل البيت ، وأنه بصدد أن يقيم شعارهم ، ويظهر منارهم ، ويستوفي ثأرهم ، ويقول للناس الذين قد اجتمعوا على
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد من
الشيعة ، وقد خشي أن يبادروا إلى الخروج مع
سليمان ، فجعل يخذلهم ويستميلهم إليه ، ويقول لهم : إني
[ ص: 689 ] قد جئتكم من قبل ولي الأمر ، ومعدن الفضل ، ووصي الوصي ، والإمام المهدي ، بأمر فيه الشفاء ، وكشف الغطاء ، وقتل الأعداء ، وتمام النعماء ، وأن
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد يرحمنا الله وإياه ، إنما هو عشمة من العشم ، وشن بال ، ليس بذي تجربة للأمور ، ولا له علم بالحروب ، إنما يريد أن يخرجكم فيقتل نفسه ويقتلكم ، وإني إنما أعمل على مثل قد مثل لي ، وأمر قد بين لي ، فيه عز وليكم ، وقتل عدوكم ، وشفاء صدوركم ، فاسمعوا مني وأطيعوا أمري ، ثم أبشروا وتباشروا ، فإني لكم بكل ما تأملون وتحبون كفيل . فالتف عليه خلق كثير من
الشيعة ، ولكن الجمهور منهم مع
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد ، فلما خرجوا مع
سليمان إلى
النخيلة قال
عمر بن سعد بن أبي وقاص nindex.php?page=showalam&ids=16088وشبث بن ربعي وغيرهما
لعبد الله بن يزيد نائب
الكوفة : إن
المختار بن أبي عبيد أشد عليكم من
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد . فبعث إليه الشرط فأحاطوا بداره ، فأخذه فذهب به إلى السجن مقيدا . وقيل : بغير قيد . فأقام به مدة ومرض فيه .
قال
أبو مخنف : فحدثني
يحيى بن أبي عيسى أنه قال : دخلت إليه مع
حميد بن مسلم الأزدي نعوده ونتعاهده ، فسمعته يقول : أما ورب البحار ، والنخيل والأشجار ، والمهامه والقفار ، والملائكة الأبرار ، والمصطفين الأخيار ،
[ ص: 690 ] لأقتلن كل جبار ، بكل لدن خطار ، ومهند بتار ، وجموع من الأنصار ، ليسوا بميل أغمار ، ولا بعزل أشرار ، حتى إذا أقمت عمود الدين ، وجبرت صدع المسلمين ، وشفيت غليل صدور المؤمنين ، وأدركت ثأر أولاد النبيين ، لم أبك على زوال الدنيا ، ولم أحفل بالموت إذا دنا . قال : وكان كلما أتيناه وهو في السجن يردد علينا هذا القول حتى خرج .