[ ص: 691 ]
ذكر
هدم الكعبة وبنائها في أيام ابن الزبير
قال
أبو جعفر بن جرير : وفي هذه السنة هدم
ابن الزبير الكعبة ; وذلك لأنه مال جدارها مما رميت به من حجارة المنجنيق ، فهدم الجدران حتى وصل إلى أساس
إبراهيم ، وكان الناس يطوفون ويصلون من وراء ذلك ، وجعل
الحجر الأسود في تابوت في سرقة من حرير ، وادخر ما كان في
الكعبة من حلي وثياب وطيب عند الخزان ، حتى أعاد
ابن الزبير بناءها على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يبنيها عليه من الشكل .
وقال
الواقدي : لما أراد
ابن الزبير هدم البيت شاور الناس في هدمها ، فأشار عليه
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير بذلك ، وقال
ابن عباس : أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها ، فلا تزال تهدم حتى يتهاون الناس بحرمتها ، ولكن أرى أن تصلح ما وهى منها ، وتدع بيتا أسلم الناس عليه ، وأحجارا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها . فقال
ابن الزبير : لو احترق بيت أحدكم ما رضي حتى يجدده ، فكيف ببيت ربكم ؟ ! ثم إن
ابن الزبير استخار الله ثلاثة أيام ، ثم غدا في اليوم الرابع ، فبدأ ينقض الركن إلى الأساس ، فلما وصلوا إلى الأساس
[ ص: 692 ] وجدوا أصلا بالحجر مشبكا كأصابع اليدين ، فدعا
ابن الزبير خمسين رجلا وأشهدهم على ذلك ، ثم بنى البيت وأدخل الحجر فيه ، وجعل للكعبة بابين موضوعين بالأرض ; باب يدخل منه وباب يخرج منه ، ووضع
الحجر الأسود بيده ، وشده بفضة ; لأنه كان قد تصدع ، وجعل طول
الكعبة سبعة وعشرين ذراعا ، وكان طولها سبعة عشر ذراعا فاستقصره ، وزاد في وسع
الكعبة عشرة أذرع ، ولطخ جدرانها بالمسك ، وسترها بالديباج ، ثم اعتمر من مساجد
عائشة ، وطاف بالبيت ، وصلى وسعى ، وأزال ما كان حول البيت وفي المسجد من الحجارة والزبالة ، وما كان حولها من الدماء ، وكانت
الكعبة قد وهت من أعلاها إلى أسفلها من حجارة المنجنيق ، واسود الركن ، وانصدع
الحجر الأسود من النار التي كانت حول
الكعبة .
وكان سبب تجديد
ابن الزبير لها ما ثبت في " الصحيحين " وغيرهما من المسانيد والسنن ، من طرق ، عن
عائشة أم المؤمنين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512617 " لولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ولأدخلت فيها الحجر ، فإن قومك [ ص: 693 ] قصرت بهم النفقة ، ولجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا ، يدخل الناس من أحدهما ويخرجون من الآخر ، ولألصقت بابها بالأرض ، فإن قومك رفعوا بابها ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا " . فبناها
ابن الزبير على ذلك كما أخبرته به خالته
عائشة أم المؤمنين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجزاه الله خيرا . ثم لما غلبه
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج بن يوسف في سنة ثلاث وسبعين ، كما سيأتي ، وقتله وصلبه هدم الحائط الشمالي وأخرج
الحجر كما كان أولا ، وأدخل الحجارة التي هدمها إلى جوف
الكعبة فرضها فيها ، فارتفع الباب ، وسد الغربي ، وتلك آثاره إلى الآن ، وذلك بأمر
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان له في ذلك ، ولم يكن بلغه الحديث ، فلما بلغه الحديث بعد ذلك قال : وددنا أنا تركناه وما تولى من ذلك .
وقد هم
nindex.php?page=showalam&ids=15346المهدي بن المنصور العباسي أن يعيدها على ما بناها
ابن الزبير ، واستشار الإمام
مالك بن أنس في ذلك ، فقال : إني أكره أن يتخذها الملوك ملعبة . يعني يتلاعبون في بنائها بحسب آرائهم ، فهذا يرى رأي
ابن الزبير ، وهذا يرى رأي
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان . والله سبحانه وتعالى أعلم .
قال
ابن جرير : وحج بالناس في هذه السنة
عبد الله بن الزبير وكان
[ ص: 694 ] عامله على
المدينة أخوه
عبيدة ، وعلى
الكوفة nindex.php?page=showalam&ids=16474عبد الله بن يزيد الخطمي ، وعلى قضائها
سعيد بن نمران ، وامتنع
شريح أن يحكم في زمان الفتنة ، وعلى
البصرة nindex.php?page=showalam&ids=16679عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي وعلى قضائها
هشام بن هبيرة ، وعلى
خراسان عبد الله بن خازم . وكان في أواخر هذه السنة وقعة
مرج راهط ، كما قدمنا ، وقد استقر ملك
الشام لمروان بن الحكم بن أبي العاص ، وذلك بعد ظفره
nindex.php?page=showalam&ids=190بالضحاك بن قيس وقتله له في الوقعة ، كما ذكرنا . وقيل : إن فيها دخل
مروان مصر وأخذها من نائبها الذي من جهة
ابن الزبير ، وهو
عبد الرحمن بن جحدم . واستقرت يد
مروان على
الشام ومصر وأعمالها .