[ ص: 715 ] خلافة nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان
بويع له بالخلافة في حياة أبيه ، فلما مات أبوه في ثالث رمضان من هذه السنة ، أعني سنة خمس وستين ، جددت له البيعة
بدمشق ومصر وأعمالها ، فاستقرت يده على ما كانت يد أبيه عليه ، وقد كان أبوه قبل وفاته بعث بعثين ; أحدهما مع
عبيد الله بن زياد إلى
العراق لينتزعها من نواب
ابن الزبير ، فلقي في طريقه جيش التوابين مع
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد عند
عين الوردة ، فكان من أمرهم ما تقدم ، من ظفره بهم ، وقتله أميرهم وأكثرهم . والبعث الآخر مع
حبيش بن دلجة إلى
المدينة ليرتجعها من نائب
ابن الزبير ، فسار نحوها ، فلما انتهى إليها هرب نائبها
جابر بن الأسود بن عوف ، وهو ابن أخي
عبد الرحمن بن عوف ، فجهز نائب
البصرة من قبل
ابن الزبير ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=14966الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، جيشا من
البصرة إلى
ابن دلجة ليخرجوه من
المدينة فلما سمع بذلك
حبيش بن دلجة سار إليهم ، وبعث
ابن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=16295عباس بن سهل بن سعد نائبا على
المدينة ، وأمره أن يسير في طلب حبيش ، فسار في طلبهم حتى لحقهم
بالربذة ، فرمى
يزيد بن سياه حبيشا بسهم فقتله ، وقتل بعض أصحابه ، وهزم الباقون ، وتحصن منهم خمسمائة في
المدينة ، ثم نزلوا على حكم
عباس بن سهل ، فقتلهم صبرا ، ورجع فلهم إلى
الشام .
قال
ابن جرير : ولما دخل
يزيد بن سياه الأسواري قاتل
حبيش بن دلجة إلى
[ ص: 716 ] المدينة مع
عباس بن سهل كان عليه ثياب بياض وهو راكب برذونا أشهب ، فما لبث أن اسودت ثيابه ودابته مما يتمسح الناس به ومن كثرة ما صبوا عليه من الطيب .
وقال
ابن جرير : وفي هذه السنة اشتدت شوكة
الخوارج بالبصرة .
وفيها قتل
نافع بن الأزرق ، وهو رأس
الخوارج ورأس أهل
البصرة ،
مسلم بن عبيس فارس أهل
البصرة ، ثم قتله
ربيعة السليطي ، وقتل بينهما نحو خمسة أمراء ، وقتل في وقعة
الخوارج قرة بن إياس المزني أبو معاوية ، وهو من الصحابة . ولما قتل
نافع بن الأزرق رأست
الخوارج عليهم
عبيد الله بن ماحوز ، فسار بهم إلى
المدائن فقتلوا أهلها ، ثم غلبوا على الأهواز وغيرها ، وجبوا الأموال وأتتهم الأمداد من
اليمامة والبحرين ، ثم ساروا إلى
أصفهان ، وعليها
عتاب بن ورقاء الرياحي ، فالتقاهم فهزمهم ، ولما قتل أمير
الخوارج ابن ماحوز ، كما سنذكر ، أقاموا عليهم
قطري بن الفجاءة أميرا .
ثم أورد
ابن جرير قصة قتالهم مع أهل
البصرة بمكان يقال له :
دولاب . وكانت الدولة
للخوارج على أهل
البصرة ، وخاف أهل
البصرة من
الخوارج أن
[ ص: 717 ] يدخلوا
البصرة ، فبعث
ابن الزبير فعزل نائبها
عبد الله بن الحارث ، المعروف بببة ،
بالحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المعروف بالقباع ، وأرسل
ابن الزبير المهلب بن أبي صفرة الأزدي على عمل
خراسان ، فلما وصل إلى
البصرة قالوا له : إن قتال
الخوارج لا يصلح إلا لك . فقال : إن أمير المؤمنين قد بعثني على
خراسان ، ولست أعصي أمره . فاتفق أهل
البصرة مع أميرهم
nindex.php?page=showalam&ids=14966الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة على أن كتبوا كتابا على لسان
ابن الزبير إلى المهلب يأمره فيه بالمسير
للخوارج ليكفهم عن الدخول إلى
البصرة ، فلما قرئ عليه الكتاب اشترط على أهل
البصرة أن يقوي جيشه من بيت مالهم ، وأن يكون له ما غلب عليه من أموال
الخوارج ، فأجابوه إلى ذلك ، ويقال : إنهم كتبوا بذلك إلى
ابن الزبير ، فأمضى لهم ذلك وسوغه . فسار إليهم
المهلب ، وكان شجاعا بطلا صنديدا ، فلما التقى هو
والخوارج أقبلوا إليه يزفون في عدة لم ير مثلها من الدروع والزرود والخيول والسلاح ، وذلك أن لهم مدة يأكلون تلك النواحي ، وقد صار لهم تحمل عظيم مع شجاعة لا تدانى ، وإقدام لا يسامى ، وقوة لا تبارى ، وسبق إلى حومة الوغى لا يجارى ، فلما تواقف الناس بمكان يقال له : سلى وسلبرى . اقتتلوا قتالا شديدا ، وصبر كل من الفريقين صبرا باهرا ، وكان
المهلب في نحو من ثلاثين ألفا ، ثم إن
الخوارج حملوا حملة منكرة ، فانهزم أصحاب
المهلب لا يلوي والد على ولد ، ولا يلتفت أحد إلى أحد ، ووصل إلى
البصرة فلهم ، وأما
المهلب فإنه سبق المنهزمين ، فوقف لهم بمكان مرتفع من الأرض ، وجعل ينادي : إلي عباد الله . فاجتمع إليه من جيشه ثلاثة آلاف من الفرسان الشجعان ، فقام فيهم خطيبا ، فقال في خطبته : أما بعد ، أيها الناس ، فإن الله تعالى ربما يكل الجمع الكثير إلى أنفسهم فيهزمون ، وينزل النصر على الجمع اليسير فيظهرون ،
[ ص: 718 ] ولعمري ما بكم الآن من قلة ، وأنتم فرسان أهل المصر وأهل النصر ، وما أحب أن أحدا ممن انهزم معكم الآن ، ولو كانوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا . ثم قال : عزمت على كل رجل منكم إلا أخذ عشرة أحجار معه ، ثم امشوا بنا إلى عسكرهم ; فإنهم الآن آمنون ، وقد خرجت خيولهم في طلب إخوانكم ، فوالله إني لأرجو أن لا ترجع إليهم خيلهم حتى تستبيحوا عسكرهم ، وتقتلوا أميرهم . ففعل الناس ذلك ، فزحف بهم
nindex.php?page=showalam&ids=15350المهلب بن أبي صفرة على عسكر الخوارج ، فقتل منهم خلقا كثيرا نحوا من سبعة آلاف ، وقتل
عبيد الله بن الماحوز في جماعة كثيرة من
الأزارقة ، واحتاز من أموالهم شيئا كثيرا ، وقد أرصد
المهلب خيولا بينه وبين الذين يرجعون من طلب أهل
البصرة ، فجعلوا يقتطعون دون قومهم ، وانهزم فلهم إلى
كرمان وأرض
أصبهان ، وأقام
المهلب بالأهواز حتى قدم
مصعب بن الزبير إلى
البصرة ، وعزل عنها
nindex.php?page=showalam&ids=14966الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، كما سيأتي قريبا .
قال
ابن جرير : وفي هذه السنة وجه
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم قبل مهلكه ابنه محمدا إلى
الجزيرة ، وذلك قبل مسيره إلى مصر . قلت :
محمد بن مروان هذا هو والد
مروان الحمار ، وهو
مروان بن محمد بن
مروان ، وهو آخر خلفاء
بني أمية ، ومن يده استلب الخلافة
العباسيون كما سيأتي .
قال
ابن جرير : وفي هذه السنة
عزل ابن الزبير أخاه عبيدة عن إمرة المدينة ، وولاها أخاه
مصعبا ، وذلك أن
عبيدة خطب الناس ، فقال في خطبته :
[ ص: 719 ] وقد رأيتم ما صنع الله بقوم
صالح في ناقة قيمتها خمسمائة درهم . فلما بلغت أخاه قال : إن هذا لهو التكلف وعزله ، فسمي مقوم الناقة .
قال
ابن جرير : وفي آخرها عزل
ابن الزبير عن
الكوفة nindex.php?page=showalam&ids=16474عبد الله بن يزيد الخطمي ، وولى عليها
عبد الله بن مطيع الذي كان أمير المهاجرين يوم الحرة ، لما خلعوا
يزيد .
قال
ابن جرير : في هذه السنة كان الطاعون الجارف
بالبصرة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في " المنتظم " : كان في سنة أربع وستين ، وقد قيل : إنما كان في سنة تسع وستين . وهذا هو المشهور الذي ذكره شيخنا
الذهبي وغيره ، وكان معظم ذلك
بالبصرة ، وكان ذلك في ثلاثة أيام ، فمات في أول يوم منه من أهل
البصرة سبعون ألفا ، وفي اليوم الثاني منه أحد وسبعون ألفا ، وفي اليوم الثالث منه ثلاثة وسبعون ألفا ، وأصبح الناس في اليوم الرابع موتى إلا قليلا من آحاد الناس ، حتى ذكر أن أم الأمير بها ماتت ، فلم يوجد لها من يحملها ، حتى استأجروا لها أربعة أنفس .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12181الحافظ أبو نعيم الأصبهاني : حدثنا
عبيد الله ، ثنا
أحمد بن عصام ،
[ ص: 720 ] حدثني
معدي ، عن رجل يكنى
أبا النفيل ، وكان قد أدرك زمن الطاعون ، قال : كنا نطوف في القبائل وندفن الموتى ، فلما كثروا لم نقو على الدفن ، فكنا ندخل الدار ، وقد مات أهلها ، فنسد بابها . قال : فدخلنا دارا ففتشناها ، فلم نجد فيها أحدا حيا فسددنا بابها ، فلما مضت الطواعين كنا نطوف ننزع تلك السدد عن الأبواب ، ففتحنا سدة الباب الذي كنا فتشناه ، فإذا نحن بغلام في وسط الدار طري دهين ، كأنما أخذ ساعتئذ من حجر أمه . قال : ونحن وقوف على الغلام نتعجب منه فدخلت كلبة من شق في الحائط ، فجعلت تلوذ بالغلام ، والغلام يحبو إليها حتى مص من لبنها . قال
معدي : وأنا رأيت ذلك الغلام في مسجد
البصرة ، وقد قبض على لحيته .
قال
ابن جرير : وفي هذه السنة
بني عبد الله بن الزبير الكعبة البيت الحرام - يعني أكمل بناءها - وأدخل فيها الحجر ، وجعل لها بابين ، يدخل من أحدهما ، ويخرج من الآخر .
قال
ابن جرير : حدثنا
إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثني
عبد العزيز بن خالد بن رستم الصنعاني أبو محمد ، حدثني
زياد بن جيل ، أنه كان
بمكة يوم كان عليها
ابن الزبير ، فسمعه يقول : حدثتني أمي
أسماء بنت أبي بكر ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512624أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : " لولا قرب عهد قومك بالكفر لرددت الكعبة على [ ص: 721 ] أساس إبراهيم ، فأزيد في الكعبة من الحجر " . قال : فأمر ابن الزبير فحفروا فوجدوا قلاعا أمثال الإبل ، فحركوا منها صخرة ، فبرقت برقة فقال : أقروها على أساسها . فبناها ابن الزبير ، وجعل لها بابين ، يدخل من أحدهما ، ويخرج من الآخر .
قلت : هذا الحديث له طرق متعددة عن
عائشة في الصحاح والحسان والمسانيد ، وموضوع سياق طرق ذلك في كتاب " الأحكام " إن شاء الله تعالى .
وذكر
ابن جرير في هذه السنة حروبا جرت بين
عبد الله بن خازم بخراسان ، وبين
الحريش بن هلال القريعي ، يطول تفصيلها .
قال : وحج بالناس في هذه السنة
عبد الله بن الزبير ، وكان على
المدينة مصعب بن الزبير ، وعلى
الكوفة عبد الله بن مطيع ، وعلى
البصرة nindex.php?page=showalam&ids=14966الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي .