فصل (
تتبع المختار لقتلة الحسين )
ثم شرع
المختار يتتبع قتلة
الحسين من شريف ووضيع فيقتله ، وكان سبب ذلك أن
عبيد الله بن زياد كان قد جهزه
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم من
دمشق ليدخل
الكوفة ، فإن هو ظفر بها فليبحها ثلاثة أيام ، وجعل له ما غلب عليه من البلاد ، فسار
ابن زياد قاصدا
الكوفة فلقي جيش التوابين
بعين الوردة - كما ذكرنا - ثم سار حتى انتهى إلى
الجزيرة فوجد بها
قيس عيلان ، وهو من أنصار
ابن الزبير ، وقد كان
مروان أصاب منهم قتلى كثيرة يوم
مرج راهط ، وهم ألب عليه ، وعلى ابنه
عبد الملك من بعده ، فتعوق عن المسير سنة وهو محاصر
قيس عيلان بالجزيرة ، ثم وصل إلى
الموصل ، فانحاز نائبها عنه إلى
تكريت ، وكتب
[ ص: 16 ] إلى
المختار يعلمه بذلك ، فندب
المختار يزيد بن أنس في ثلاثة آلاف اختارها ، وقال له : إني سأمدك بالرجال بعد الرجال . فقال له لا تمدني إلا بالدعاء ، وخرج معه
المختار إلى ظاهر
الكوفة فودعه ودعا له ، وقال له : ليكن خبرك في كل يوم عندي ، وإذا لقيت عدوك فناجزهم ، ولا تؤخر فرصة .
ولما بلغ خبر مخرجهم من
الكوفة عبيد الله بن زياد جهز بين يديه سريتين إحداهما مع
ربيعة بن مخارق ثلاثة آلاف ، والأخرى مع
عبد الله بن حملة ثلاثة آلاف ، وقال : أيكم سبق فهو الأمير ، وإن سبقتما معا فالأمير على الناس أسنكما ، فسبق
ربيعة بن مخارق إلى
يزيد بن أنس فالتقيا في طرف أرض
الموصل مما يلي
الكوفة ، فتواقفا هنالك
، ويزيد بن أنس مريض مدنف ، وهو مع ذلك يحرض قومه على الجهاد ويدور على الأرباع وهو محمول مضنى راكب على حمار ، وهو يقول لقومه : يا شرطة الله ، اصبروا تؤجروا ، وقاتلوا عدوكم تظفروا ، ثم نزل فوضع له سريره بين الصفين ، وقال لقومه : قاتلوا عن أميركم إن شئتم أو فروا عنه ، وقال للناس : إن هلكت فالأمير على الناس
عبد الله بن ضمرة العذري رأس الميمنة ، فإن هلك
فسعر بن أبي سعر رأس الميسرة . وكان
ورقاء بن عازب الأسدي على الخيل ، وهو وهؤلاء ، الثلاثة أمراء
[ ص: 17 ] الأرباع ، وكان ذلك في يوم
عرفة من سنة ست وستين عند إضاءة الصبح ، فاقتتلوا هم والشاميون قتالا شديدا ، واضطربت كل من الميمنتين والميسرتين ، ثم حمل
ورقاء على الخيل فهزمها ، وفر الشاميون ، وقتل أميرهم
ربيعة بن مخارق ، واحتاز جيش
المختار ما في عسكرهم ، ورجع فرارهم فلقوا الأمير الآخر
عبد الله بن حملة فقال : ما خبركم ؟ فأخبروه فرجع بهم وسار بهم نحو
يزيد بن أنس فانتهى إليهم عشاء ، فبات الناس متحاجزين ، فلما أصبحوا تواقفوا على تعبئتهم وذلك يوم الأضحى من سنة ست وستين ، فاقتتلوا قتالا شديدا فهزم جيش
المختار جيش الشاميين أيضا ، وقتلوا أميرهم
عبد الله بن حملة ، واحتووا على ما في معسكرهم ، وأسروا منهم ثلاثمائة أسير ، فجاءوا بهم إلى
يزيد بن أنس وهو على آخر رمق ، فأمر بضرب أعناقهم .
ومات
يزيد بن أنس من يومه ذلك ، وصلى عليه خليفته
ورقاء بن عامر ودفنه ، وسقط في أيدي أصحابه وجعلوا يتسللون راجعين إلى
الكوفة ، فقال لهم
ورقاء : يا قوم ماذا ترون ؟ إنه قد بلغني أن
ابن زياد قد أقبل في ثمانين ألفا من
الشام ، ولا أرى لكم بهم طاقة ، وقد هلك أميرنا وتفرق عنا طائفة من الجيش من أصحابنا ، فلو انصرفنا راجعين إلى بلادنا ونظهر أنا إنما انصرفنا حزنا منا على أميرنا لكان خيرا لنا من أن نلقاهم فيهزمونا ، ونرجع مغلوبين . فاتفق رأي الأمراء على ذلك ، فرجعوا إلى
الكوفة .
فلما بلغ خبرهم
أهل الكوفة وأنهم قد كروا راجعين ، وبلغهم أن
يزيد بن أنس قد هلك ، أرجف
أهل الكوفة بالمختار ، وقالوا : قتل
يزيد بن أنس في المعركة
[ ص: 18 ] وانهزم جيشه وعما قليل يقدم عليكم
ابن زياد فيستأصلكم ويشتف خضراءكم ، ثم تمالئوا على الخروج على
المختار وقالوا : هو كذاب ، واتفقوا على حربه وقتاله وإخراجه من بين أظهرهم ، وقالوا : هو كذاب قد قدم موالينا على أشرافنا ، وزعم أن
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية قد أمره بالأخذ بثأر
الحسين ، وهو لم يأمره بشيء ، وإنما هو متقول عليه . وانتظروا بخروجهم عليه أن يخرج من
الكوفة nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر فإنه قد عينه
المختار أن يخرج في سبعة آلاف للقاء
ابن زياد فلما خرج
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر اجتمع أشراف الناس ممن كان في جيش قتلة
الحسين وغيرهم في دار
شبث بن ربعي وأجمعوا أمرهم على قتال
المختار ، ثم وثبوا فركبت كل قبيلة مع أميرها في ناحية من نواحي
الكوفة وقصدوا قصر الإمارة ، وبعث
المختار عمرو بن توبة بريدا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر ليرجع إليه سريعا ، وبعث
المختار إلى أولئك يقول لهم : ماذا تنقمون ؟ فإني أجيبكم إلى جميع ما تطلبون ، وإنما يريد أن يثبطهم عن مناهضته حتى يقدم
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر وقال : إن كنتم لا تصدقوني في أمر
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية فابعثوا من جهتكم وأبعث من جهتي من يسأله عن ذلك . ولم يزل يطاولهم حتى قدم
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر بعد ثلاث ، فانقسم هو والناس فرقتين فتكفل
المختار بأهل اليمن ، وتكفل
إبراهيم بن الأشتر [ ص: 19 ] بمضر ، وعليهم
شبث بن ربعي ، وكان ذلك بإشارة
المختار ، حتى لا يتولى
ابن الأشتر النخعي قتال قومه من
أهل اليمن فيحنو عليهم ، وكان
المختار شديدا عليهم .
ثم اقتتل الناس في نواحي
الكوفة قتالا عظيما ، وكثرت القتلى بينهم من الفريقين وجرت فصول وأحوال حربية يطول استقصاؤها ، وقتل جماعة من الأشراف ؛ منهم
عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الكندي ، وسبعمائة وثمانون رجلا من قومه ، وقتل من
مضر بضعة عشر رجلا ، ويعرف هذا اليوم بجبانة السبيع . وكان ذلك يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة ست وستين ثم كانت النصرة
للمختار عليهم ، وأسر منهم خمسمائة أسير ، فعرضوا على
المختار فقال : انظروا من كان منهم شهد مقتل
الحسين فاقتلوه ، فقتل منهم مائتان وأربعون رجلا ، وقتل أصحابه منهم من كان يؤذيهم ويسيء إليهم بغير أمر
المختار ، ثم أطلق الباقين ، وهرب
عمرو بن الحجاج الزبيدي ، وكان ممن شهد قتل
الحسين فلا يدرى أين ذهب من الأرض .