[ ص: 163 ] ثم دخلت سنة ثنتين وسبعين
ففيها كانت
وقعة عظيمة بين nindex.php?page=showalam&ids=15350المهلب بن أبي صفرة وبين الأزارقة من الخوارج بمكان يقال له : سولاف ، مكثوا نحوا من ثمانية أشهر متواقفين ، وجرت بينهم حروب يطول بسطها ، وقد استقصاها
ابن جرير ، وقتل في أثناء ذلك من هذه المدة
مصعب بن الزبير ، وبايع الناس
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ، وأمر
عبد الملك nindex.php?page=showalam&ids=15350المهلب بن أبي صفرة على الأهواز وما معها ، وشكر سعيه ، وأثنى عليه ثناء كثيرا ، ثم تواقع الناس في دولة
عبد الملك بالأهواز ، فكسر الناس الخوارج كسرة عظيمة ، وهربوا في البلاد لا يلوون بل يولولون ، واتبعهم خالد بن عبد الله أمير الناس ، وداود بن قحذم ليطردوهم ، وأرسل عبد الملك إلى أخيه
بشر بن مروان أن يمدهم بأربعة آلاف ، فبعث إليه أربعة آلاف ، عليهم عتاب بن ورقاء ، فطردوا الخوارج كل مطرد ، ولكن لقي الجيش جهدا عظيما ، وماتت
[ ص: 164 ] خيولهم ، ولم يرجع أكثرهم إلا مشاة إلى أهليهم .
قال
ابن جرير : وفي هذه السنة كان خروج أبي فديك الحارثي ، وهو من بني قيس بن ثعلبة ، وغلب على
البحرين ، وقتل نجدة بن عامر الحارثي ، فبعث إليه خالد بن عبد الله أمير
البصرة أخاه أمية بن عبد الله في جيش كثيف ، فهزمهم
أبو فديك ، وأخذ جارية لأمية ، واصطفاها لنفسه ، وكتب خالد بن عبد الله أمير
البصرة إلى عبد الملك يعلمه بما وقع ، واجتمع على خالد حرب أبي فديك وحرب الأزارقة أصحاب
قطري بن الفجاءة بالأهواز .
قال
ابن جرير : وفيها
بعث nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي إلى عبد الله بن الزبير ; ليحاصره بمكة ، قال : وكان السبب في بعثه له دون غيره أن
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان لما أراد الرجوع إلى
الشام بعد قتله مصعبا وأخذه العراق ، ندب الناس إلى قتال
عبد الله بن الزبير بمكة ، فلم يجبه أحد إلى ذلك ، فقام الحجاج وقال : يا أمير المؤمنين ، أنا له . وقص الحجاج على عبد الملك مناما زعم أنه رآه ; قال : رأيت يا أمير المؤمنين كأني أخذت
عبد الله بن الزبير فسلخته ، فابعث بي إليه فإني قاتله . فبعثه في جيش كثيف من أهل
الشام ، وكتب معه أمانا لأهل
مكة إن هم أطاعوا .
[ ص: 165 ] قالوا : فخرج الحجاج في جمادى من هذه السنة ومعه ألفا فارس من أهل
الشام ، فسلك طريق العراق ، ولم يعرض للمدينة حتى نزل
الطائف ، وجعل يبعث البعوث إلى عرفة ، ويرسل ابن الزبير الخيول فيلتقيان ، فتهزم خيل ابن الزبير ، وتظفر خيل الحجاج ، ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في دخول الحرم ، ومحاصرة ابن الزبير ; فإنه قد كلت شوكته ، وتفرق عنه عامة أصحابه ، وسأله أن يمده برجال أيضا ، فكتب عبد الملك إلى طارق بن عمرو يأمره أن يلحق بمن معه بالحجاج ، وكان طارق يتولى
المدينة لعبد الملك ، وكان قد أمره عبد الملك أن يكون مقيما بوادي القرى بمن معه من جيش
المدينة وغيرها ، وكان في نحو خمسة آلاف ، من
الشام منهم ثلاثة آلاف ، وارتحل الحجاج من
الطائف ، فنزل بئر ميمون ، وحصر ابن الزبير بالمسجد ، فلما دخل ذو الحجة حج بالناس الحجاج في هذه السنة ، وعليه وعلى أصحابه السلاح ، وهم وقوف بعرفات ، وكذا فيما بعدها من المشاعر ، وابن الزبير محصور لم يتمكن من الحج هذه السنة ، بل نحر بدنا يوم النحر ، وهكذا لم يتمكن كثير ممن معه من الحج ، وكذا لم يتمكن كثير ممن مع الحجاج وطارق بن عمرو أن يطوفوا بالبيت ، فبقوا على إحرامهم لم يحصل لهم التحلل الثاني ، والحجاج وأصحابه نزول بين الحجون وبئر ميمون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
[ ص: 166 ] قال
ابن جرير : وفي هذه السنة
كتب عبد الملك إلى عبد الله بن خازم أمير خراسان يدعوه إلى بيعته ، ويقطعه خراسان سبع سنين ، فلما وصل إليه الكتاب قال للرسول : بعثك أبو الذبان ؟ والله لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك ، ولكن كل كتابه . فأكله ، وبعث عبد الملك إلى بكير بن وشاح نائب ابن خازم على
مرو يعده بإمرة
خراسان إن هو خلع
عبد الله بن خازم ، فخلعه ، فجاءه ابن خازم فقاتله فقتل في المعركة
عبد الله بن خازم ، قتله رجل يقال له : وكيع بن عميرة ، لكن كان قد ساعده غيره ، فجلس وكيع على صدره وفيه رمق ، فذهب لينوء فلم يتمكن من ذلك ، وجعل وكيع يقول : يا ثارات دويلة - يعني أخاه - وكان دويلة قد قتله ابن خازم ، ثم إن ابن خازم تنخم في وجه وكيع ، قال وكيع : لم أر أحدا أكثر ريقا منه في تلك الحال . وكان أبو هبيرة إذا ذكر هذا يقول : هذه والله البسالة . وقال له ابن خازم : ويحك ، أتقتلني بأخيك ؟ لعنك الله ، أتقتل كبش مضر بأخيك العلج وكان لا
[ ص: 167 ] يساوي كفا من تراب ؟ أو قال : من نوى . قالوا : فاحتز رأسه ، وأقبل بكير بن وشاح فأراد أخذ الرأس فمنعه منه بحير بن ورقاء ، فضربه بكير بن وشاح بعمود وقيده ، ثم أخذ الرأس ، ثم بعثه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ، وكتب إليه بالنصر والظفر ، ومقتل
عبد الله بن خازم ، فسر بذلك سرورا كثيرا ، وكتب إلى بكير بن وشاح فأقره على نيابة
خراسان .
وفي هذه السنة أخذت
المدينة من نواب ابن الزبير ، واستناب فيها
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان طارق بن عمرو الذي كان بعثه مددا للحجاج على ابن الزبير .
وهذه
ترجمة ابن خازم
هو
عبد الله بن خازم بن أسماء السلمي ، أبو صالح البصري ، أمير
خراسان ، أحد الشجعان المذكورين ، والفرسان المشكورين . قال شيخنا الحافظ أبو
[ ص: 168 ] الحجاج المزي في " تهذيبه " : يقال : له صحبة . روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في العمامة السوداء ، وهو عند أبي داود والترمذي والنسائي ، لكن لم يسموه .
روى عنه سعد بن عثمان الرازي ، وسعيد بن الأزرق . روى أبو بشر الدولابي أنه قتل في سنة إحدى وسبعين ، وقيل : في سنة سبع وثمانين . وليس هذا القول بشيء . انتهى ما ذكره شيخنا في التهذيب .
وقد ذكره الحافظ أبو الحسن ابن الأثير في " الغابة في أسماء الصحابة " ، فقال :
عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن سماك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور ، أبو صالح السلمي ، أمير
خراسان ، شجاع مشهور ، وبطل مذكور ، روى عنه سعيد بن الأزرق ، وسعد بن عثمان ، قيل : إن له صحبة ، وفتح
سرخس ، وكان أميرا على
خراسان أيام فتنة ابن الزبير ، وأول ما وليها سنة أربع وستين ، بعد موت
يزيد بن معاوية وابنه معاوية ، وجرى له فيها حروب كثيرة ، حتى تم أمره بها ، وقد استقصينا أخباره في كتاب " الكامل في التاريخ " ، وقتل سنة إحدى وسبعين بخراسان ، هكذا قال : إنه قتل سنة إحدى وسبعين . وهكذا حكى شيخنا عن الدولابي ،
[ ص: 169 ] وكذا رأيت في " التاريخ " لشيخنا أبي عبد الله الذهبي ، والذي ذكره
ابن جرير في سياق " تاريخه " أنه قتل سنة ثنتين وسبعين .
قال
ابن جرير : وزعم بعضهم أنه إنما قتل بعد مقتل
عبد الله بن الزبير ، وأن عبد الملك بعث برأس ابن الزبير إلى ابن خازم ، ويدعوه إلى طاعته وله
خراسان عشر سنين ، وأن ابن خازم لما رأى رأس ابن الزبير حلف لا يعطيه طاعة أبدا ، ودعا بطست فغسل رأس ابن الزبير - والله أعلم - وأطعم الكتاب للرسول الذي جاء به ، وقال : لولا أنك رسول لضربت عنقك . وقال بعضهم : بل قطع يديه ورجليه ، وضرب عنقه .