ذكر
من توفي في هذه السنة من الأعيان nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج بن رافع الأنصاري
صحابي جليل ، شهد
أحدا وما بعدها ،
وصفين مع
علي ، وكان يتعانى المزارع والفلاحة ، توفي وهو ابن ست وثمانين سنة ، وأسند ثمانية وسبعين حديثا ، وأحاديثه جيدة ، وقد أصابه يوم
أحد سهم في ترقوته ، فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أن ينزعه منه وبين أن
[ ص: 232 ] يترك فيه القطبة ، ويشهد له يوم القيامة ، فاختار هذه ، وانتقض عليه في هذه السنة ، فمات منه ، رضي الله عنه .
أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان ، الأنصاري الخزرجي
صحابي جليل ، من فقهاء الصحابة ، استصغر يوم
أحد ، ثم كان أول مشاهده
الخندق ، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة ، وروى عنه أحاديث كثيرة ، وعن جماعة من الصحابة ، وحدث عنه خلق من التابعين ، وجماعة من الصحابة . كان من نجباء الصحابة وفضلائهم وعلمائهم ، رضي الله عنه .
قال
الواقدي وغيره : مات سنة أربع وسبعين . وقيل : قبلها بعشر سنين . فالله أعلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : حدثنا
المقدام بن داود ، ثنا
خالد بن نزار ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبى سعيد الخدري قال : قلت :
يا رسول الله ، أي الناس أشد بلاء ؟ فقال : النبيون . قلت : ثم أي ؟ [ ص: 233 ] قال : ثم الصالحون ، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا السترة - وفي رواية : إلا العباءة - أو نحوها ، وإن أحدهم ليبتلى فيقمل حتى ينبذ القمل ، وكان أحدهم بالبلاء أشد فرحا منه بالرخاء .
وقال
قتيبة بن سعيد : ثنا
الليث بن سعد ، عن
ابن عجلان ، عن
سعيد المقبري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، أن أهله شكوا إليه الحاجة ، فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل له شيئا ، فوافقه على المنبر ، وهو يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512644أيها الناس ، قد آن لكم أن تستغنوا عن المسألة ; فإنه من يستعف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ، والذي نفس محمد بيده ، ما رزق الله عبدا من رزق أوسع له من الصبر ، ولئن أبيتم إلا أن تسألوني لأعطينكم ما وجدت وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار ، عن
أبى سعيد نحوه .
عبد الله بن عمر بن الخطاب ، القرشي العدوي ، أبو عبد الرحمن ، المكي ثم المدني
أسلم قديما مع أبيه ، ولم يبلغ الحلم ، وهاجر وعمره عشر سنين ، وقد
استصغر يوم أحد وكان ابن أربع عشرة ، فلما كان يوم
الخندق أجازه ، وهو ابن خمس عشرة سنة ، فشهدها وما بعدها ، وهو شقيق
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة أم المؤمنين ، [ ص: 234 ] أمهما
زينب بنت مظعون ، أخت
عثمان بن مظعون .
وكان عبد الله بن عمر ربعة من الرجال ، آدم ، له جمة تضرب إلى منكبيه ، جسيما ، يخضب بالصفرة ، ويحفي شاربه ، وكان يتوضأ لكل صلاة ، ويدخل الماء في أصول عينيه ، وقد أراده
عثمان على القضاء فأبى ذلك ، وكذلك أبوه ، وشهد
اليرموك والقادسية وجلولاء ، وما بينهما من وقائع
الفرس ، وشهد فتح
مصر ، واختط بها دارا ، وقدم
البصرة وشهد غزو
فارس ، وورد
المدائن مرارا ، وكان عمره يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين وعشرين سنة ، وكان إذا أعجبه شيء من ماله تقرب به إلى الله عز وجل ، وكان عبيده قد عرفوا ذلك منه ، فربما لزم أحدهم المسجد ; فإذا رآه
ابن عمر على تلك الحال أعتقه ، فيقال له : إنهم يخدعونك . فيقول : من خدعنا بالله انخدعنا له . وكان له جارية يحبها كثيرا ، فأعتقها وزوجها لمولاه
نافع ، وقال : إن الله تعالى يقول :
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وكان له نجيب اشتراه بمال ، فأعجبه لما ركبه ، فقال : يا
نافع ، أدخله في إبل الصدقة . وأعطاه
ابن جعفر في
نافع عشرة آلاف دينار ، فقيل له : ما تنتظر ببيعه ؟ فقال : ما هو خير من ذلك ، هو حر لوجه الله . واشترى مرة غلاما بأربعين ألفا ، وأعتقه ، فقال الغلام : يا مولاي ، قد أعتقتني فهب لي شيئا أعيش به . فأعطاه أربعين ألفا ، واشترى مرة خمسة عبيد ، فقام يصلي فقاموا خلفه يصلون ، فقال : لمن صليتم هذه الصلاة ؟ فقالوا : لله ! فقال : أنتم أحرار لمن صليتم له . فأعتقهم . والمقصود أنه
ما مات حتى أعتق ألف رقبة ، وربما تصدق
[ ص: 235 ] في المجلس الواحد بثلاثين ألفا ، وكانت تمضي عليه الأيام الكثيرة والشهر لا يذوق فيه لحما ، وما كان يأكل طعامه إلا وعلى مائدته يتيم .
وبعث إليه
معاوية بمائة ألف لما أراد أن يبايع
ليزيد ، فما حال عليه الحول وعنده منها شيء ، وكان يقول : إني لا أسأل أحدا شيئا ، فما رزقني الله فلا أرده ، وكان في مدة الفتنة لا يأتي أمير إلا صلى خلفه ، وأدى إليه زكاة ماله ، وكان أعلم الناس بمناسك الحج ،
وكان يتتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مكان صلى فيه ، أو قعد فيه ، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة وكان
ابن عمر يتعاهدها ، ويصب في أصلها الماء حتى لا تيبس ، وكان إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا تلك الليلة ، وكان يقوم أكثر الليل ، وقيل : إنه مات وهو في الفضل مثل أبيه ، وكان يوم مات خير من بقي ، ومكث ستين سنة يفتي الناس من سائر البلاد .
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة ، وروى عن
الصديق ، وعن
عمر ،
وعثمان ،
وسعد ، و
ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة أمي المؤمنين ، وغيرهم ، وعنه خلق من التابعين : منهم بنوه
حمزة ، و
بلال ،
وزيد ،
وسالم ،
وعبد الله ،
وعبيد الله ،
وعمر - إن كان محفوظا -
وأسلم - مولى أبيه -
nindex.php?page=showalam&ids=12336وأنس بن سيرين ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
وعروة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
وعكرمة ،
ومجاهد ، و
ابن سيرين ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
ومولاه نافع .
[ ص: 236 ] وثبت في " الصحيح " عن
حفصة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إن عبد الله رجل صالح ; لو كان يقوم الليل فكان بعد يقوم الليل .
وقال
ابن مسعود : إن من أملك شباب
قريش لنفسه عن الدنيا
ابن عمر . وقال
جابر : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا مالت به ، ومال بها ، إلا
ابن عمر ، وما أصاب أحد من الدنيا شيئا إلا نقص من درجاته عند الله ، وإن كان عليه كريما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : مات
ابن عمر يوم مات وما من الدنيا أحد أحب أن ألقى الله بمثل عمله منه . وقال
الزهري : لا يعدل برأيه ، فإنه أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة ، فلم يخف عليه شيء من أمره ، ولا من أمر أصحابه ، رضي الله عنهم .
وقال
مالك : بلغ
ابن عمر ستا وثمانين سنة ، وأفتى في الإسلام ستين سنة ، يقدم عليه وفود الناس من أقطار الأرض . وقال
الواقدي وجماعة : توفي ابن عمر سنة أربع
[ ص: 237 ] وسبعين . وقال
الزبير بن بكار وآخرون : توفي سنة ثلاث وسبعين . والأول أثبت ، والله أعلم .
وقال
ابن سعد : لما قتل
عثمان واستخلف
علي ، أتاه
ابن عمر ، فقال له
علي : إنك محبوب إلى الناس ، فسر إلى
الشام فقد وليتكها . فقال : أذكرك الله وقرابتي وصحبتي لرسول الله والرحم إلا ما وليت غيري وأعفيتني . فأبى عليه ، فاستعان
بحفصة أخته فكلمته ، ثم سار من ليلته إلى
مكة هاربا منه .
وقيل : إن
مروان قال
nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر : ألا تخرج إلى
الشام فيبايعوك ؟ قال : فكيف أصنع
بأهل العراق ؟ قال : تقاتلهم
بأهل الشام . فقال : والله ما يسرني أن لي ملك الأرض ، وأن الناس كلهم بايعوني ، وقد قتل منهم رجل واحد ، وما أحب أنها أتتني ورجل يقول : لا ، وآخر يقول : نعم . وقيل : إنه دخل عليه
الحجاج وهو مريض فغمض عينيه ، فكلمه فلم يجبه .
توفي
بمكة بعد منصرف الناس من الحج في آخر السنة ، وعمره أربع وثمانون سنة ، ودفن
بالمحصب ، وهو
آخر من مات من الصحابة بمكة . [ ص: 238 ] وكان له من الولد :
أبو بكر ، و
أبو عبيدة ، و
واقد ، و
عبد الله ، و
عمر nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة nindex.php?page=showalam&ids=93وسودة ، أمهم
صفية بنت أبي عبيد أخت المختار ،
وعبد الرحمن ، و
سالم ، و
عبيد الله ، و
حمزة ، وأمهم
أم ولد ، وزيد nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة لأم ولد ، وأسند ألفين وستمائة وثلاثين حديثا .
عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر بن جندع بن ليث ، الليثي ثم الجندعي ، أبو عاصم المكي
قاص
أهل مكة .
قال
مسلم بن الحجاج : ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم . وقال غيره : ورآه أيضا . روى عن أبيه - وله صحبة - وعن
عمر ، و
علي ، و
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، و
ابن عباس ، و
ابن عمر ، و
عبد الله بن عمرو nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة ، وغيرهم .
وعنه جماعة من التابعين وغيرهم ، ووثقه
ابن معين ، و
أبو زرعة وغير واحد .
[ ص: 239 ] وكان
ابن عمر يجلس في حلقته ويبكي ، وكان يعجبه تذكيره ، وكان بليغا ، وكان يبكي حتى يبل الحصى بدموعه .
قال
مهدي بن ميمون ، عن
غيلان بن جرير ، قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير إذا آخى أحدا في الله استقبل به القبلة ، فقال : اللهم اجعلنا سعداء بما جاء به نبيك ، واجعل
محمدا شهيدا علينا بالإيمان ، وقد سبقت لنا منك الحسنى ، غير متطاول علينا الأمد ، ولا قاسية قلوبنا ولا قائلين ما ليس لنا بحق ، ولا سائلين ما ليس لنا به علم .
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير مات قبل
ابن عمر رضي الله عنه .
nindex.php?page=showalam&ids=9473أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي
صحابي رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان دون البلوغ عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن روى عنه عدة أحاديث ، وعن
علي ، و
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب ، وعنه جماعة من التابعين ; منهم
إسماعيل بن أبي خالد ،
والحكم ، و
سلمة بن كهيل ، و
الشعبي ، و
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبو إسحاق السبيعي ، وكان قد نزل
الكوفة وابتنى بها دارا ، وتوفي في هذه السنة ، وقيل : في سنة أربع وتسعين . فالله أعلم . وكان صاحب شرطة
علي ، وكان
علي إذا خطب يقوم
أبو جحيفة تحت منبره .
[ ص: 240 ] nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع بن عمرو بن سنان الأنصاري
وهو أحد من بايع تحت الشجرة ، وكان من فرسان الصحابة ، ومن علمائهم ، كان يفتي
بالمدينة ، وله مشاهد معروفة ، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ، توفي
بالمدينة ، وقد جاوز السبعين سنة .
مالك بن أبي عامر ، الأصبحي المدني
وهو جد الإمام
مالك بن أنس ، روى عن جماعة من الصحابة وغيرهم ، وكان فاضلا عالما ، توفي
بالمدينة .
أبو عبد الرحمن السلمي
مقرئ
أهل الكوفة بلا مدافعة ، واسمه :
عبد الله بن حبيب ، قرأ القرآن على
عثمان بن عفان ، و
ابن مسعود ، وسمع من جماعة من الصحابة وغيرهم ، وأقرأ الناس القرآن
بالكوفة من خلافة
عثمان إلى إمرة
الحجاج ، قرأ عليه
عاصم بن أبي النجود ، وخلق غيره ، توفي
بالكوفة .
أبو معرض الأسدي
اسمه مغيرة بن عبد الله الكوفي ، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ووفد على
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ، وامتدحه ، وله شعر جيد ويعرف
[ ص: 241 ] بالأقيشر ، وكان أحمر الوجه كثير الشعر ، توفي
بالكوفة في هذه السنة ، وقد قارب الثمانين سنة .
nindex.php?page=showalam&ids=15539بشر بن مروان الأموي
أخو
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ، ولي إمرة العراقين لأخيه
عبد الملك ، وله دار
بدمشق عند
عقبة الكتان ، وكان سمحا جوادا ، وإليه ينسب دير
مروان عند
حجيرا ، وهو الذي قتل
خالد بن حصين الكلابي يوم
مرج راهط ، وكان لا تغلق دونه الأبواب ، ويقول : إنما تحتجب النساء . وكان طليق الوجه ، وكان يجيز على الشعر بألوف ، وقد امتدحه
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق ، و
الأخطل .
والجهمية تستدل على
الاستواء على العرش بأنه الاستيلاء ببيت
الأخطل ، فيما مدح به
بشر بن مروان ، وهو قوله :
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
وليس فيه دليل ; فإن هذا استدلال باطل من وجوه كثيرة ، وقد كان
الأخطل نصرانيا .
وكان سبب موت
بشر أنه وقعت القرحة في يمينه . فقيل له : نقطعها
[ ص: 242 ] من المفصل . فجزع ، فما أمسى حتى خالطت الكتف ، ثم أصبح وقد خالطت الجوف ، ثم مات ، ولما احتضر جعل يبكي ويقول : والله لوددت أني كنت عبدا أرعى الغنم في البادية لبعض الأعراب ولم أل ما وليت . فذكر قوله
لأبي حازم - أو
nindex.php?page=showalam&ids=15990لسعيد بن المسيب - فقال : الحمد لله الذي جعلهم عند الموت يفرون إلينا ، ولم يجعلنا نفر إليهم ، إنا لنرى فيهم عبرا . وقال
الحسن : دخلت عليه ، فإذا هو يتململ على سريره ، ثم نزل عنه إلى صحن الدار ، والأطباء حوله .
مات
بالبصرة في هذه السنة ، وهو أول أمير مات بها ، ولما بلغ
عبد الملك موته حزن عليه ، وأمر الشعراء أن يرثوه ، والله سبحانه وتعالى أعلم .