صفحة جزء
أبو حنيفة ( ت ، س )

الإمام ، فقيه الملة ، عالم العراق أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي ، الكوفي ، مولى بني تيم الله بن ثعلبة يقال : إنه من أبناء الفرس .

[ ص: 391 ] ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة ، ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة . ولم يثبت له حرف عن أحد منهم ، وروى عن عطاء بن أبي رباح ، وهو أكبر شيخ له وأفضلهم على ما قال . وعن الشعبي ، وعن طاوس ولم يصح ، وعن جبلة بن سحيم ، وعدي بن ثابت ، وعكرمة ، وفي لقيه له نظر ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وعمرو بن دينار ، وأبي سفيان طلحة بن نافع ، ونافع مولى ابن عمر ، وقتادة ، وقيس بن مسلم ، وعون بن عبد الله بن عتبة ، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، ومحارب بن دثار ، وعبد الله بن دينار ، والحكم بن عتيبة ، وعلقمة بن مرثد ، وعلي بن الأقمر ، وعبد العزيز بن رفيع ، وعطية العوفي ، وحماد بن أبي سليمان وبه تفقه ، وزياد [ ص: 392 ] بن علاقة ، وسلمة بن كهيل ، وعاصم بن كليب ، وسماك بن حرب ، وعاصم ابن بهدلة ، وسعيد بن مسروق ، وعبد الملك بن عمير ، وأبي جعفر الباقر ، وابن شهاب الزهري ، ومحمد بن المنكدر ، وأبي إسحاق السبيعي ، ومنصور بن المعتمر ، ومسلم البطين ، ويزيد بن صهيب الفقير ، وأبي الزبير ، وأبي حصين الأسدي ، وعطاء بن السائب ، وناصح المحلمي ، وهشام بن عروة ، وخلق سواهم . حتى إنه روى عن شيبان النحوي وهو أصغر منه ، وعن مالك بن أنس وهو كذلك .

وعني بطلب الآثار ، وارتحل في ذلك ، وأما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه ، فإليه المنتهى والناس عليه عيال في ذلك .

[ ص: 393 ] حدث عنه خلق كثير ، ذكر منهم شيخنا أبو الحجاج في تهذيبه هؤلاء على المعجم : إبراهيم بن طهمان عالم خراسان ، وأبيض بن الأغر بن الصباح المنقري ، وأسباط بن محمد ، وإسحاق الأزرق ، وأسد بن عمرو البجلي ، وإسماعيل بن يحيى الصيرفي ، وأيوب بن هانئ ، والجارود بن يزيد النيسابوري ، وجعفر بن عون ، والحارث بن نبهان ، وحيان بن علي العنزي ، والحسن بن زياد اللؤلؤي ، والحسن بن فرات القزاز ، والحسين بن الحسن بن عطية العوفي ، وحفص بن عبد الرحمن القاضي ، وحكام بن سلم ، وأبو مطيع الحكم بن عبد الله ، وابنه حماد بن أبي حنيفة ، وحمزة الزيات وهو من أقرانه ، وخارجة بن مصعب ، وداود الطائي ، وزفر بن الهذيل التميمي الفقيه ، وزيد بن الحباب ، وسابق الرقي ، وسعد بن الصلت القاضي ، وسعيد بن أبي الجهم القابوسي ، وسعيد بن سلام العطار ، وسلم بن سالم البلخي ، وسليمان بن عمرو النخعي ، وسهل بن مزاحم ، وشعيب بن إسحاق ، والصباح بن محارب ، والصلت بن الحجاج ، وأبو عاصم النبيل ، وعامر بن الفرات ، وعائذ بن حبيب ، وعباد بن العوام ، وعبد الله بن المبارك ، وعبد الله بن يزيد المقرئ ، وأبو يحيى عبد الحميد الحماني ، وعبد الرزاق ، وعبد العزيز بن خالد ترمذي ، وعبد الكريم بن محمد الجرجاني ، وعبد المجيد بن أبي رواد ، وعبد الوارث التنوري ، وعبيد الله بن الزبير القرشي ، وعبيد الله بن عمرو الرقي ، وعبيد الله بن موسى ، وعتاب بن محمد ، وعلي بن ظبيان القاضي ، وعلي بن عاصم ، وعلي بن مسهر القاضي ، وعمرو بن محمد العنقزي ، وأبو قطن عمرو بن الهيثم ، وعيسى بن يونس ، وأبو نعيم ، والفضل بن موسى ، والقاسم بن الحكم العرني ، والقاسم بن معن ، وقيس بن الربيع ، ومحمد بن أبان العنبري كوفي ، ومحمد بن بشر ، ومحمد بن الحسن بن أتش ، ومحمد [ ص: 394 ] بن الحسن الشيباني ، ومحمد بن خالد الوهبي ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، ومحمد بن الفضل بن عطية ، ومحمد بن القاسم الأسدي ، ومحمد بن مسروق الكوفي ، ومحمد بن يزيد الواسطي ، ومروان بن سالم ، ومصعب بن المقدام ، والمعافى بن عمران ، ومكي بن إبراهيم ، ونصر بن عبد الكريم البلخي الصيقل ، ونصر بن عبد الملك العتكي ، وأبو غالب النضر بن عبد الله الأزدي ، والنضر بن محمد المروزي ، والنعمان بن عبد السلام الأصبهاني ، ونوح بن دراج القاضي ، ونوح بن أبي مريم الجامع ، وهشيم ، وهوذة ، وهياج بن بسطام ، ووكيع ، ويحيى بن أيوب المصري ، ويحيى بن نصر بن حاجب ، ويحيى بن يمان ، ويزيد بن زريع ، ويزيد بن هارون ، ويونس بن بكير ، وأبو إسحاق الفزاري ، وأبو حمزة السكري ، وأبو سعد الصاغاني ، وأبو شهاب الحناط ، وأبو مقاتل السمرقندي ، والقاضي أبو يوسف .

قال أحمد العجلي : أبو حنيفة تيمي من رهط حمزة الزيات . كان خزازا يبيع الخز .

وقال عمر بن حماد بن أبي حنيفة : أما زوطى فإنه من أهل كابل ، وولد ثابت على الإسلام . وكان زوطى مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتق فولاؤه لهم ، ثم لبني قفل . قال : وكان أبو حنيفة خزازا ، ودكانه معروف في دار عمرو بن حريث .

وقال النضر بن محمد المروزي ، عن يحيى بن النضر قال : كان والد أبي حنيفة من نسا .

وروى سليمان بن الربيع ، عن الحارث بن إدريس قال : أبو حنيفة أصله من ترمذ .

وقال أبو عبد الرحمن المقري : أبو حنيفة من أهل بابل .

[ ص: 395 ] وروى أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول عن أبيه ، عن جده قال : ثابت والد أبي حنيفة من أهل الأنبار .

مكرم بن أحمد القاضي : حدثنا أحمد بن عبد الله بن شاذان المروزي ، عن أبيه ، عن جده ، سمعت إسماعيل يقول : أنبأنا إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن المرزبان من أبناء فارس الأحرار ، والله ما وقع علينا رق قط . ولد جدي في سنة ثمانين ، وذهب ثابت إلى علي وهو صغير ، فدعا له بالبركة فيه ، وفي ذريته ، ونحن نرجو من الله أن يكون استجاب ذلك لعلي -رضي الله عنه- فينا .

قال : والنعمان بن المرزبان والد ثابت هو الذي أهدى لعلي الفالوذج في يوم النيروز فقال علي : نورزونا كل يوم ، وقيل كان ذلك في المهرجان ، فقال : مهرجونا كل يوم .

قال محمد بن سعد العوفي : سمعت يحيى بن معين يقول : كان أبو حنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه ، ولا يحدث بما لا يحفظ .

وقال صالح بن محمد : سمعت يحيى بن معين يقول : كان أبو حنيفة ثقة في الحديث ، وروى أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز ، عن ابن معين : كان أبو حنيفة لا بأس به . وقال مرة : هو عندنا من أهل الصدق ، ولم يتهم بالكذب . ولقد ضربه ابن هبيرة على القضاء ، فأبى أن يكون قاضيا .

أخبرنا ابن علان كتابة ، أنبأنا الكندي ، أنبأنا القزاز ، أنبأنا الخطيب ، أنبأنا ، الخلال ، أنبأنا علي بن عمرو الحريري ، حدثنا علي بن محمد بن كاس النخعي ، حدثنا محمد بن محمود الصيدناني ، حدثنا محمد بن شجاع بن الثلجي ، حدثنا الحسن بن أبي مالك ، عن أبي يوسف قال : قال أبو حنيفة : لما أردت طلب العلم ، جعلت أتخير العلوم وأسأل عن عواقبها . فقيل : تعلم [ ص: 396 ] القرآن . فقلت : إذا حفظته فما يكون آخره ؟ قالوا : تجلس في المسجد فيقرأ عليك الصبيان والأحداث ، ثم لا يلبث أن يخرج فيهم من هو أحفظ منك أو مساويك ، فتذهب رئاستك .

قلت : من طلب العلم للرئاسة قد يفكر في هذا ، وإلا فقد ثبت قول المصطفى -صلوات الله عليه- أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه يا سبحان الله ! وهل محل أفضل من المسجد ؟ وهل نشر العلم يقارب تعليم القرآن ؟ كلا والله . وهل طلبه خير من الصبيان الذين لم يعملوا الذنوب ؟ وأحسب هذه الحكاية موضوعة . ففي إسنادها من ليس بثقة .

تتمة الحكاية : قال : قلت : فإن سمعت الحديث وكتبته حتى لم يكن في الدنيا أحفظ مني ؟ قالوا : إذا كبرت وضعفت ، حدثت واجتمع عليك هؤلاء الأحداث والصبيان . ثم لم تأمن أن تغلط فيرموك بالكذب ، فيصير عارا عليك في عقبك . فقلت : لا حاجة لي في هذا .

قلت : الآن كما جزمت بأنها حكاية مختلقة ، فإن الإمام أبا حنيفة طلب الحديث وأكثر منه في سنة مائة وبعدها ولم يكن إذ ذاك يسمع الحديث الصبيان ، هذا اصطلاح وجد بعد ثلاث مائة سنة ، بل كان يطلبه كبار العلماء ، بل لم يكن للفقهاء علم بعد القرآن سواه ولا كانت قد دونت كتب الفقه أصلا .

ثم قال : قلت : أتعلم النحو . فقلت : إذا حفظت النحو والعربية ، ما يكون [ ص: 397 ] آخر أمري ؟ قالوا : تقعد معلما فأكثر رزقك ديناران إلى ثلاثة . قلت : وهذا لا عاقبة له . قلت : فإن نظرت في الشعر فلم يكن أحد أشعر مني ؟ قالوا : تمدح هذا فيهب لك أو يخلع عليك ، وإن حرمك هجوته . قلت : لا حاجة فيه .

قلت : فإن نظرت في الكلام ، ما يكون آخر أمره ؟ قالوا : لا يسلم من نظر في الكلام من مشنعات الكلام ، فيرمى بالزندقة ، فيقتل ، أو يسلم مذموما .

قلت : قاتل الله من وضع هذه الخرافة ، وهل كان في ذلك الوقت وجد علم الكلام ؟ ! .

قال : قلت : فإن تعلمت الفقه ؟ قالوا : تسأل وتفتي الناس ، وتطلب للقضاء وإن كنت شابا . قلت : ليس في العلوم شيء أنفع من هذا ، فلزمت الفقه وتعلمته .

وبه إلى ابن كاس ، حدثني جعفر بن محمد بن حازم ، حدثنا الوليد بن حماد ، عن الحسن بن زياد ، عن زفر بن الهذيل ، سمعت أبا حنيفة يقول : كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغا يشار إلي فيه بالأصابع ، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان ، فجاءتني امرأة يوما فقالت لي : رجل له امرأة أمة ، أراد أن يطلقها للسنة ، كم يطلقها ؟ فلم أدر ما أقول . فأمرتها أن تسأل حمادا ، ثم ترجع تخبرني . فسألته فقال : يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة ، ثم يتركها حتى تحيض حيضتين ، فإذا اغتسلت فقد حلت للأزواج . فرجعت فأخبرتني ، فقلت : لا حاجة لي في الكلام . وأخذت نعلي فجلست إلى حماد ، فكنت أسمع مسائله ، فأحفظ قوله ، ثم يعيدها من الغد فأحفظها ، ويخطئ أصحابه . فقال : لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة . فصحبته عشر سنين . ثم نازعتني نفسي الطلب للرئاسة ، فأحببت أن أعتزله وأجلس في حلقة لنفسي . فخرجت يوما [ ص: 398 ] بالعشي وعزمي أن أفعل ، فلما رأيته لم تطب نفسي أن أعتزله . فجاءه تلك الليلة نعي قرابة له قد مات بالبصرة ، وترك مالا ، وليس له وارث غيره . فأمرني أن أجلس مكانه ، فما هو إلا أن خرج حتى وردت علي مسائل لم أسمعها منه ، فكنت أجيب وأكتب جوابي ، فغاب شهرين ثم قدم ، فعرضت عليه المسائل ، وكانت نحوا من ستين مسألة ، فوافقني في أربعين ، وخالفني في عشرين فآليت على نفسي ألا أفارقه حتى يموت .

وهذه أيضا الله أعلم بصحتها ، وما علمنا أن الكلام في ذلك الوقت كان له وجود ، والله أعلم .

قال أحمد بن عبد الله العجلي ، حدثني أبي قال : قال أبو حنيفة : قدمت البصرة فظننت أني لا أسأل عن شيء إلا أجبت فيه . فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب ، فجعلت على نفسي ألا أفارق حمادا حتى يموت ، فصحبته ثماني عشرة سنة .

شعيب بن أيوب الصريفيني ، حدثنا أبو يحيى الحماني ، سمعت أبا حنيفة يقول : رأيت رؤيا أفزعتني ، رأيت كأني أنبش قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتيت البصرة ، فأمرت رجلا يسأل محمد بن سيرين فسأله ، فقال : هذا رجل ينبش أخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم .

المحدث محمود بن محمد المروزي ، حدثنا حامد بن آدم ، حدثنا أبو وهب محمد بن مزاحم ، سمعت عبد الله بن المبارك يقول : لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسفيان ، كنت كسائر الناس .

أحمد بن زهير ، حدثنا سليمان بن أبي شيخ ، حدثني حجر بن عبد الجبار قال : قيل للقاسم بن معن : ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة ؟ قال : ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبي حنيفة . وقال له القاسم : تعال معي [ ص: 399 ] إليه ، فلما جاء إليه لزمه وقال : ما رأيت مثل هذا .

محمد بن أيوب بن الضريس ، حدثنا أحمد بن الصباح ، سمعت الشافعي قال : قيل لمالك : هل رأيت أبا حنيفة ؟ قال : نعم . رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته .

وعن أسد بن عمرو ، أن أبا حنيفة -رحمه الله- صلى العشاء والصبح بوضوء أربعين سنة .

وروى بشر بن الوليد ، عن القاضي أبي يوسف قال : بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة ، إذ سمعت رجلا يقول لآخر : هذا أبو حنيفة لا ينام الليل . فقال أبو حنيفة : والله لا يتحدث عني بما لم أفعل . فكان يحيي الليل صلاة وتضرعا ودعاء .

وقد روي من وجهين : أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله في ركعة .

قال عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة : رأيت أبا حنيفة شيخا يفتي الناس بمسجد الكوفة ، على رأسه قلنسوة سوداء طويلة .

وعن النضر بن محمد قال : كان أبو حنيفة جميل الوجه ، سري الثوب ، عطر الريح . أتيته في حاجة وعلي كساء قرمسي ، فأمر بإسراج بغله ، وقال : أعطني كساءك وخذ كسائي ، ففعلت . فلما رجع قال : يا نضر خجلتني بكسائك ، هو غليظ . قال : وكنت أخذته بخمسة دنانير . ثم إني رأيته وعليه كساء قومته ثلاثين دينارا .

وعن أبي يوسف قال : كان أبو حنيفة ربعة ، من أحسن الناس صورة ، وأبلغهم نطقا ، وأعذبهم نغمة ، وأبينهم عما في نفسه .

وعن حماد بن أبي حنيفة قال : كان أبي جميلا ، تعلوه سمرة ، حسن [ ص: 400 ] الهيئة ، كثير التعطر ، هيوبا ، لا يتكلم إلا جوابا ، ولا يخوض -رحمه الله- فيما لا يعنيه .

وعن ابن المبارك قال : ما رأيت رجلا أوقر في مجلسه ، ولا أحسن سمتا وحلما من أبي حنيفة .

إبراهيم بن سعيد الجوهري ، عن المثنى بن رجاء قال : جعل أبو حنيفة على نفسه ، إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار . وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها .

وروى جبارة بن المغلس ، عن قيس بن الربيع قال : كان أبو حنيفة ، ورعا تقيا ، مفضلا على إخوانه .

قال الخريبي : كنا عند أبي حنيفة ، فقال رجل : إني وضعت كتابا على خطك إلى فلان ، فوهب لي أربعة آلاف درهم . فقال أبو حنيفة : إن كنتم تنتفعون بهذا فافعلوه .

وعن شريك قال : كان أبو حنيفة طويل الصمت ، كثير العقل .

وقال أبو عاصم النبيل : كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته .

وروى ابن إسحاق السمرقندي ، عن القاضي أبي يوسف قال : كان أبو حنيفة يختم القرآن كل ليلة في ركعة .

يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن أبيه أنه صحب أبا حنيفة ستة أشهر ، قال : فما رأيته صلى الغداة إلا بوضوء عشاء الآخرة ، وكان يختم كل ليلة عند السحر .

وعن يزيد بن كميت ، سمع رجلا يقول لأبي حنيفة : اتق الله ، فانتفض ، واصفر ، وأطرق ، وقال : جزاك الله خيرا . ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا .

ويروى أن أبا حنيفة ختم القرآن سبعة آلاف مرة .

[ ص: 401 ] قال مسعر بن كدام : رأيت أبا حنيفة قرأ القرآن في ركعة .

ابن سماعة ، عن محمد بن الحسن ، عن القاسم بن معن ، أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله تعالى : بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ويبكي ويتضرع إلى الفجر .

وقد روي من غير وجه أن الإمام أبا حنيفة ضرب غير مرة ، على أن يلي القضاء فلم يجب .

قال يزيد بن هارون : ما رأيت أحدا أحلم من أبي حنيفة .

وعن الحسن بن زياد اللؤلؤي قال : قال أبو حنيفة : إذا ارتشى القاضي ، فهو معزول ، وإن لم يعزل .

وروى نوح الجامع ، عن أبي حنيفة أنه قال : ما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعلى الرأس والعين ، وما جاء عن الصحابة اخترنا ، وما كان من غير ذلك ، فهم رجال ونحن رجال .

قال وكيع : سمعت أبا حنيفة يقول : البول في المسجد أحسن من بعض القياس .

وقال أبو يوسف : قال أبو حنيفة : لا ينبغي للرجل أن يحدث إلا بما يحفظه من وقت ما سمعه .

وعن أبي معاوية الضرير قال : حب أبي حنيفة من السنة .

قال إسحاق بن إبراهيم الزهري ، عن بشر بن الوليد قال : طلب المنصور أبا حنيفة فأراده على القضاء ، وحلف ليلين فأبى ، وحلف : إني لا أفعل . فقال الربيع الحاجب : ترى أمير المؤمنين يحلف ، وأنت تحلف ؟ قال : أمير المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني ، فأمر به إلى السجن ، فمات فيه ببغداد .

وقيل : دفعه أبو جعفر إلى صاحب شرطته حميد الطوسي . فقال : يا شيخ ، [ ص: 402 ] إن أمير المؤمنين يدفع إلي الرجل فيقول لي : اقتله أو اقطعه ، أو اضربه ، ولا أعلم بقصته ، فماذا أفعل ؟ فقال : هل يأمرك أمير المؤمنين بأمر قد وجب ؟ أو بأمر لم يجب ؟ قال : بل بما قد وجب . قال : فبادر إلى الواجب .

وعن مغيث بن بديل قال : دعا المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فامتنع ، فقال : أترغب عما نحن فيه ؟ فقال : لا أصلح . قال : كذبت . قال : فقد حكم أمير المؤمنين علي أني لا أصلح ، فإن كنت كاذبا فلا أصلح ، وإن كنت صادقا فقد أخبرتكم أني لا أصلح ، فحبسه . وروى نحوها إسماعيل بن أبي أويس ، عن الربيع الحاجب ، وفيها قال أبو حنيفة : والله ما أنا بمأمون الرضا . فكيف أكون مأمون الغضب ؟ فلا أصلح لذلك . قال المنصور : كذبت . بل تصلح . فقال كيف يحل أن تولي من يكذب ؟ .

وقيل : إن أبا حنيفة ولي له ، فقضى قضية واحدة ، وبقي يومين ، ثم اشتكى ستة أيام وتوفي .

وقال الفقيه أبو عبد الله الصيمري : لم يقبل العهد بالقضاء ، فضرب وحبس ، ومات في السجن . وروى حيان بن موسى المروزي ، قال : سئل ابن المبارك : مالك أفقه ، أو أبو حنيفة ؟ قال : أبو حنيفة . وقال الخريبي : ما يقع في أبي حنيفة إلا حاسد أو جاهل .

وقال يحيى بن سعيد القطان : لا نكذب الله ، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة ، وقد أخذنا بأكثر أقواله .

[ ص: 403 ] وقال علي بن عاصم : لو وزن علم الإمام أبي حنيفة بعلم أهل زمانه ، لرجح عليهم .

وقال حفص بن غياث : كلام أبي حنيفة في الفقه أدق من الشعر ، لا يعيبه إلا جاهل .

وروي عن الأعمش أنه سئل عن مسألة ، فقال : إنما يحسن هذا النعمان بن ثابت الخزاز ، وأظنه بورك له في علمه .

وقال جرير : قال لي مغيرة : جالس أبا حنيفة تفقه ، فإن إبراهيم النخعي لو كان حيا لجالسه .

وقال ابن المبارك : أبو حنيفة أفقه الناس .

وقال الشافعي : الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة . قلت : الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام . وهذا أمر لا شك فيه .


وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

وسيرته تحتمل أن تفرد في مجلدين ، رضي الله عنه ورحمه .

توفي شهيدا مسقيا في سنة خمسين ومائة وله سبعون سنة ، وعليه قبة عظيمة ومشهد فاخر ببغداد ، والله أعلم .

وابنه الفقيه حماد بن أبي حنيفة : كان ذا علم ودين وصلاح وورع تام . لما توفي والده ، كان عنده ودائع كثيرة ، وأهلها غائبون ، فنقلها حماد إلى الحاكم ليتسلمها ، فقال : بل دعها عندك فإنك أهل . فقال : زنها واقبضها حتى تبرأ منها ذمة الوالد ، ثم افعل ما ترى . ففعل القاضي ذلك . وبقي في وزنها وحسابها أياما ، واستتر حماد فما ظهر حتى أودعها القاضي عند أمين .

توفي حماد سنة ست وسبعين ومائة كهلا . له رواية عن أبيه وغيره . حدث عنه ولده الإمام إسماعيل بن حماد قاضي البصرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية