صفحة جزء
هشام الدستوائي

هو الحافظ ، الحجة ، الإمام ، الصادق أبو بكر ، هشام بن أبي عبد الله سنبر البصري الربعي ، مولاهم . صاحب الثياب الدستوائية ، كان يتجر في القماش الذي يجلب من دستوا . ولذا قيل له : صاحب الدستوائي ودستوا بليدة من أعمال الأهواز .

حدث عن : يحيى بن أبي كثير ، وقتادة ، والقاسم بن أبي بزة ، وحماد الفقيه ، وشعيب بن الحبحاب ، والقاسم بن عوف ، ومطر الوراق ، وعاصم بن بهدلة ، وعامر الأحول ، وعبد الله بن أبي نجيح ، ويونس الإسكاف ، وأبي

الزبير
، [ ص: 150 ] وأبي عصام البصري ، وعلي بن الحكم ، وأيوب ، وبديل بن ميسرة ، وينزل إلى أن يروي عن معمر بن راشد .

حدث عنه : ابناه معاذ وعبد الله ، وشعبة ، وابن المبارك ، ويزيد بن زريع ، وعبد الوارث ، وابن علية ، ويحيى القطان ، ووكيع ، وغندر ، ومحمد بن أبي عدي ، وبشر بن المفضل ، وإسحاق الأزرق ، وخالد بن الحارث ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ويزيد بن هارون ، وأبو داود ، وأبو عامر العقدي ، وعبد الصمد بن عبد الوارث ، ومكي بن إبراهيم ، وأبو عمر الحوضي ، وشاذ بن فياض ، وعفان ، وأبو نعيم ، ومعاذ بن فضالة ، وأبو سلمة التبوذكي ، ومسلم بن إبراهيم ، وأبو الوليد ، وخلق كثير .

قال يزيد بن زريع : سمعت أيوب يأمرنا بهشام بن أبي عبد الله ، ويحث على الأخذ عنه .

أمية بن خالد : سمعت شعبة يقول : ما من الناس أحد أقول : إنه طلب الحديث يريد به الله إلا هشام صاحب الدستوائي ، وكان يقول : ليتنا ننجو من هذا الحديث كفافا لا لنا ولا علينا . ثم قال شعبة : إذا كان هشام يقول هذا ، فكيف نحن ؟ !

محمد بن عمار بن الحارث الرازي : عن علي بن الجعد ، سمع شعبة يقول : كان هشام الدستوائي أحفظ مني عن قتادة .

وقال ابن معين : قال شعبة : هشام أعلم بحديث قتادة مني ، وأكثر مجالسة له مني . معلى بن منصور : سألت ابن علية عن حفاظ البصرة ، فذكر هشاما الدستوائي . [ ص: 151 ]

أبو هشام الرفاعي : عن وكيع ، قال : حدثنا هشام الدستوائي وكان ثبتا .

وقال ابن معين : كان يحيى القطان إذا سمع الحديث من هشام الدستوائي ، لا يبالي أن لا يسمعه من غيره .

أبو حاتم : عن أبي غسان التستري : سمعت أبا داود الطيالسي يقول : كان هشام الدستوائي أمير المؤمنين .

وقال أبو حاتم : ما رأيت أبا نعيم يحث على أحد إلا على هشام الدستوائي .

قال أبو حاتم : وسألت أحمد بن حنبل عن الأوزاعي والدستوائي : أيهما أثبت في يحيى بن أبي كثير ؟ فقال : الدستوائي لا تسأل عنه أحدا ، ما أرى الناس يروون عن أحد أثبت منه ، مثله عسى ، أما أثبت منه فلا . صالح بن أحمد : قال أبي : أكثر من في يحيى بن أبي كثير بالبصرة هشام الدستوائي . وقال علي بن المديني : هو ثبت . وقال أبو حاتم : سألت عليا : من أثبت أصحاب يحيى بن أبي كثير ؟ قال : هشام الدستوائي ، ثم حسين المعلم ، والأوزاعي ، وحجاج الصواف وأراه ذكر علي بن المبارك . فإذا سمعت عن هشام ، عن يحيى ، فلا ترد بدلا .

قال العجلي : هشام بصري ثقة ، ثبت في الحديث ، كان أروى الناس عن ثلاثة : قتادة ، وحماد بن أبي سليم ، ويحيى بن أبي كثير ، كان يقول بالقدر ، ولم يكن يدعو إليه .

وقال ابن سعد : هشام الدستوائي مولى بني سدوس ، كان ثقة ، ثبتا في الحديث ، حجة ، إلا أنه يرى القدر .

وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي وأبا زرعة : من أحب إليكما من [ ص: 152 ] أصحاب يحيى بن أبي كثير ؟ قالا : هشام . قلت لهما : والأوزاعي ؟ قالا : بعده . وزادني أبو زرعة : لأن الأوزاعي ذهبت كتبه ، وأثبت أصحاب قتادة هشام وسعيد .

وروى محمد بن سعد ، عن عبيد الله العيشي قال : كان هشام الدستوائي إذا فقد السراج من بيته ، يتململ على فراشه ، فكانت امرأته تأتيه بالسراج . فقالت له في ذلك ، فقال : إني إذا فقدت السراج ، ذكرت ظلمة القبر .

وقال شاذ بن فياض : بكى هشام الدستوائي حتى فسدت عينه ، فكانت مفتوحة ، وهو لا يكاد يبصر بها . وعن هشام قال : عجبت للعالم كيف يضحك . وكان يقول : ليتنا ننجو لا علينا ولا لنا .

قال عون بن عمارة : سمعت هشاما الدستوائي يقول : والله ما أستطيع أن أقول : إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله - عز وجل .

قلت : والله ولا أنا . فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنبلوا ، وصاروا أئمة يقتدى بهم ، وطلبه قوم منهم أولا لا لله ، وحصلوه ، ثم استفاقوا ، وحاسبوا أنفسهم ، فجرهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق ، كما قال مجاهد وغيره : طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية ، ثم رزق الله النية بعد ، وبعضهم يقول : طلبنا هذا العلم لغير الله ، فأبى أن يكون إلا لله . فهذا أيضا حسن . ثم نشروه بنية صالحة .

وقوم طلبوه بنية فاسدة لأجل الدنيا ، وليثنى عليهم ، فلهم ما نووا : قال [ ص: 153 ] - عليه السلام - : " من غزا ينوي عقالا فله ما نوى " وترى هذا الضرب لم يستضيئوا بنور العلم ، ولا لهم وقع في النفوس ، ولا لعلمهم كبير نتيجة من العمل ، وإنما العالم من يخشى الله تعالى . وقوم نالوا العلم ، وولوا به المناصب ، فظلموا ، وتركوا التقيد بالعلم ، وركبوا الكبائر والفواحش ، فتبا لهم ، فما هؤلاء بعلماء !

وبعضهم لم يتق الله في علمه ، بل ركب الحيل ، وأفتى بالرخص ، وروى الشاذ من الأخبار . وبعضهم اجترأ على الله ، ووضع الأحاديث ، فهتكه الله ، وذهب علمه ، وصار زاده إلى النار . وهؤلاء الأقسام كلهم رووا من العلم شيئا كبيرا ، وتضلعوا منه في الجملة ، فخلف من بعدهم خلف بان نقصهم في العلم والعمل ، وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر ، ولم يتقنوا منه سوى نزر يسير ، أوهموا به أنهم علماء فضلاء ، ولم يدر في أذهانهم قط أنهم يتقربون به إلى الله ; لأنهم ما رأوا شيخا يقتدى به في العلم ، فصاروا همجا رعاعا ، غاية المدرس منهم أن يحصل كتبا مثمنة يخزنها وينظر فيها يوما ما ، فيصحف ما يورده ولا يقرره . فنسأل الله النجاة والعفو ، كما قال بعضهم : ما أنا عالم ولا رأيت عالما .

وقد كان هشام بن أبي عبد الله من الأئمة ، لولا ما شاب علمه بالقدر .

قال الحافظ محمد بن البرقي قلت ليحيى بن معين : أرأيت من يرمى [ ص: 154 ] بالقدر يكتب حديثه ؟ قال : نعم ، قد كان قتادة ، وهشام الدستوائي ، وسعيد بن أبي عروبة ، وعبد الوارث - وذكر جماعة - يقولون بالقدر ، وهم ثقات ، يكتب حديثهم ما لم يدعوا إلى شيء .

قلت : هذه مسألة كبيرة ، وهي : القدري والمعتزلي والجهمي والرافضي ، إذا علم صدقه في الحديث وتقواه ، ولم يكن داعيا إلى بدعته ، فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته ، والعمل بحديثه ، وترددوا في الداعية ، هل يؤخذ عنه ؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه ، وهجرانه ، وقال بعضهم : إذا علمنا صدقه ، وكان داعية ، ووجدنا عنده سنة تفرد بها ، فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة ؟ فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام ، ولم تبح دمه ، فإن قبول ما رواه سائغ .

وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي ، والذي اتضح لي منها أن من دخل في بدعة ، ولم يعد من رءوسها ، ولا أمعن فيها ، يقبل حديثه كما مثل الحافظ أبو زكريا بأولئك المذكورين ، وحديثهم في كتب الإسلام لصدقهم وحفظهم . [ ص: 155 ]

قال معاذ بن هشام : مكث أبي - يعني عاش - ثماني وسبعين سنة .

قلت : فهذا يدل على أنه أسن من أبي حنيفة وشعبة ، وأنه ولد في حياة جابر بن عبد الله وطائفة من الصحابة .

قال أبو الحسن الميموني : حدثنا أحمد بن حنبل ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : مات هشام بن أبي عبد الله سنة اثنتين وخمسين ومائة كان بينه وبين قتادة سبع سنين - يعني في المولد - . وقال زيد بن الحباب : دخلت عليه سنة ثلاث وخمسين ومائة ومات بعد ذلك بأيام . وقال أبو الوليد وعمرو الفلاس : مات سنة أربع وخمسين .

قلت : حديثه في الدواوين كلها إلا " الموطأ " .

أخبرنا الأئمة : يحيى بن أبي منصور ، وعبد الرحمن بن محمد ، والمسلم بن محمد ، وعلي بن أحمد ، وأحمد بن عبد السلام إجازة ، أنبأنا عمر بن محمد ، أنبأنا هبة الله بن الحصين ، أنبأنا محمد بن غيلان ، أنبأنا محمد بن عبد الله ، حدثنا محمد بن شداد المسمعي ، حدثنا أبو عامر العقدي ، [ ص: 156 ] حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن أنس قال : لأحدثنكم حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعته يقول : " إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويكثر الجهل ، ويظهر الزنا ، ويشرب الخمر ، وتقل الرجال ، وتكثر النساء ، حتى تكون في الخمسين امرأة القيم الواحد " .

أخرجه البخاري . عن مسلم بن إبراهيم ، وحفص بن عمر ، عن هشام الدستوائي نحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية