الرشيد
الخليفة أبو جعفر هارون بن المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي .
استخلف بعهد معقود له بعد
الهادي من أبيهما
المهدي في سنة سبعين ومائة بعد
الهادي .
[ ص: 287 ]
روى عن أبيه وجده ،
nindex.php?page=showalam&ids=16874ومبارك بن فضالة .
روى عنه : ابنه
المأمون وغيره .
وكان من أنبل الخلفاء ، وأحشم الملوك ، ذا حج وجهاد ، وغزو وشجاعة ، ورأي .
وأمه أم ولد ، اسمها
خيزران .
وكان أبيض طويلا ، جميلا ، وسيما ، إلى السمن ، ذا فصاحة وعلم وبصر بأعباء الخلافة ، وله نظر جيد في الأدب والفقه ، قد وخطه الشيب .
أغزاه أبوه بلاد
الروم ، وهو حدث في خلافته .
وكان مولده بالري في سنة ثمان وأربعين ومائة .
قيل : إنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات ، ويتصدق بألف ، وكان يحب العلماء ، ويعظم حرمات الدين ، ويبغض الجدال والكلام ، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه ، لا سيما إذا وعظ .
وكان يحب المديح ، ويجيز الشعراء ، ويقول الشعر .
وقد دخل عليه مرة
ابن السماك الواعظ ، فبالغ في إجلاله ، فقال : تواضعك في شرفك أشرف من شرفك ، ثم وعظه ، فأبكاه .
ووعظه
الفضيل مرة حتى شهق في بكائه .
[ ص: 288 ]
ولما بلغه موت
ابن المبارك ، حزن عليه ، وجلس للعزاء ، فعزاه الأكابر .
وكان يقتفي آثار جده إلا في الحرص .
قال
أبو معاوية الضرير : ما ذكرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بين يدي
الرشيد إلا قال : صلى الله على سيدي ، ورويت له حديثه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880648وددت أني أقاتل في سبيل الله ، فأقتل ، ثم أحيا ثم أقتل فبكى حتى انتحب .
وعن
خرزاذ العابد قال : حدث
أبو معاوية الرشيد بحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880649احتج آدم وموسى فقال رجل شريف : فأين لقيه ؟ فغضب
الرشيد ، وقال : النطع والسيف ، زنديق يطعن في الحديث ، فما زال
أبو معاوية يسكنه ويقول : بادرة منه يا أمير المؤمنين ، حتى سكن .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12156أبي معاوية الضرير قال : صب على يدي بعد الأكل شخص لا أعرفه ، فقال
الرشيد : تدري من يصب عليك ؟ قلت : لا ، قال : أنا ؛ إجلالا للعلم .
وعن
الأصمعي : قال لي
الرشيد وأمر لي بخمسة آلاف دينار :
[ ص: 289 ] وقرنا في الملأ ، وعلمنا في الخلاء ، سمعها
أبو حاتم من
الأصمعي .
قال
الثعالبي في " اللطائف " : قال
الصولي : خلف
الرشيد مائة ألف ألف دينار .
وقال
المسعودي في " مروجه " : رام
الرشيد أن يوصل ما بين
بحر الروم وبحر القلزم مما يلي
الفرما فقال له
يحيى البرمكي : كان يختطف
الروم الناس من
الحرم ، وتدخل مراكبهم إلى
الحجاز .
وعن
إسحاق الموصلي أن
الرشيد أجازه مرة بمائتي ألف درهم .
قال
عبد الرزاق : كنت مع
الفضيل بمكة ، فمر
هارون ، فقال
الفضيل : الناس يكرهون هذا ، وما في الأرض أعز علي منه ، لو مات لرأيت أمورا عظاما .
يحيى بن أبي طالب : حدثنا
عمار بن ليث الواسطي ، سمعت
الفضيل بن عياض يقول : ما من نفس تموت أشد علي موتا من أمير المؤمنين
هارون ، ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره . قال : فكبر ذلك علينا ، فلما مات
هارون ، وظهرت الفتن ، وكان من
المأمون ما حمل الناس على خلق القرآن ، قلنا : الشيخ كان أعلم بما تكلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ : اجتمع
للرشيد ما لم يجتمع لغيره ، وزراؤه
[ ص: 290 ] البرامكة ، وقاضيه
القاضي أبو يوسف ، وشاعره
مروان بن أبي حفصة ، ونديمه
العباس بن محمد عم والده ، وحاجبه
الفضل بن الربيع أتيه الناس ، ومغنيه
إبراهيم الموصلي ، وزوجته
زبيدة .
قيل : إن
هارون أعطى
ابن عيينة مائة ألف درهم ، وأعطى مرة
أبا بكر بن عياش ستة آلاف دينار .
ومحاسنه كثيرة ، وله أخبار شائعة في اللهو واللذات والغناء ، الله يسمح له .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : أراه كان يشرب النبيذ المختلف فيه لا الخمر المتفق على حرمتها ، قال : ثم جاهر جهارا قبيحا .
قلت : حج غير مرة ، وله فتوحات ومواقف مشهودة ، ومنها فتح مدينة
هرقلة ومات غازيا
بخراسان ، وقبره بمدينة
طوس ، عاش خمسا وأربعين سنة ، وصلى عليه ولده صالح ، توفي في ثالث جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة .
وزر له
يحيى بن خالد مدة ، وأحسن إلى
العلوية ، وحج سنة ( 173 ) ، وعزل عن
خراسان جعفر بن أشعث بولده
العباس بن جعفر ، وحج أيضا في العام الآتي ، وعقد بولاية العهد لولده
الأمين صغيرا ، فكان أقبح وهن تم في الإسلام ، وأرضى الأمراء بأموال عظيمة ، وتحرك
[ ص: 291 ] عليه بأرض
الديلم يحيى بن عبد الله بن حسن الحسني وعظم أمره ، وبادر إليه
الرافضة ، فتنكد عيش
الرشيد واغتم ، وجهز له
الفضل بن وزيره في خمسين ألفا ، فخارت قوى
يحيى ، وطلب الأمان ، فأجابه ولاطفه ، ثم ظفر به ، وحبسه ، ثم تعلل ومات ، ويقال : ناله من
الرشيد أربعمائة ألف دينار . وثار
بالشام أبو الهندام المري .
واصطدمت
قيس ويمن ، وقتل خلق ، فولى
موسى بن يحيى البرمكي ، فجاء ، وأصلح بينهم .
وفي سنة ( 175 ) ولى
خراسان الغطريف بن عطاء وولى
مصر nindex.php?page=showalam&ids=14244جعفرا البرمكي ، واشتد الحرب بين
القيسية واليمانية بالشام ، ونشأ بينهم أحقاد وإحن إلى اليوم . وافتتح العسكر مدينة
دبسة .
وفي سنة ( 77 ) عزل
جعفر عن
مصر ، وولي أخوه الفضل
خراسان مع
سجستان والري ، وحج
الرشيد .
وفي سنة ثمان هاجت الحوف
بمصر ، فحاربهم نائب
مصر إسحاق ، وأمده
الرشيد بهرثمة بن أعين ، ثم وليها
هرثمة ، ثم عزل
بعبد الملك بن صالح العباسي .
وهاجت المغاربة فقتلوا أميرهم
الفضل بن روح المهلبي ، فسار
[ ص: 292 ] إليهم
هرثمة ، فهذبهم .
وثار بالجزيرة
الوليد بن طريف الخارجي ، وعظم ، وكثرت جيوشه ، وقتل
إبراهيم بن خازم الأمير ، وأخذ
إرمينية . وعدل عن الخبر .
وغزا
الفضل بجيش عظيم
ما وراء النهر ، ومهد الممالك ، وكان بطلا شجاعا جوادا ، ربما وصل الواحد بألف ألف ، وولي بعده
خراسان منصور الحميري ، وعظم الخطب
بابن طريف ، ثم سار لحربه
nindex.php?page=showalam&ids=17373يزيد بن مزيد الشيباني ، وتحيل عليه حتى بيته ، وقتله ، ومزق جموعه . وفي سنة ( 79 ) اعتمر
الرشيد في رمضان ، واستمر على إحرامه إلى أن حج ماشيا من بطن
مكة .
وتفاقم الأمر بين
قيس ويمن بالشام ، وسالت الدماء .
واستوطن
الرشيد في سنة ثمانين
الرقة ، وعمر بها دار الخلافة .
وجاءت الزلزلة التي رمت رأس منارة
الإسكندرية .
وخرجت المحمرة
بجرجان .
وغزا
الرشيد ، ووغل في أرض
الروم ، فافتتح
الصفصاف ، وبلغ جيشه
أنقرة .
واستعفى
يحيى وزيره ، وجاور سنة . ووثبت
الروم ، فسملوا
[ ص: 293 ] ملكهم
قسطنطين ، وملكوا أمه .
وفي ( 183 ) خرجت
الخزر ، وكانت بنت ملكهم قد تزوج بها
الفضل البرمكي ، فماتت
ببرذعة ، فقيل : قتلت غيلة فخرج الخاقان من باب الأبواب ، وأوقع بالأمة ، وسبوا أزيد من مائة ألف ، وتم على الإسلام أمر لم يسمع بمثله ، ثم سارت جيوش هارون ، فدفعوا
الخزر ، وأغلقوا باب
إرمينية الذي في
الدربند .
وفي سنة ( 185 ) ظهر
بعبادان أحمد بن عيسى بن زيد بن علي العلوي ، وبناحية
البصرة ، وبويع ثم عجز وهرب ، وطال اختفاؤه أزيد من ستين عاما .
وثار
بخراسان أبو الخصيب ، وتمكن ، فسار لحربه
علي بن عيسى بن ماهان ، فالتقوا
بنسا ، فقتل
أبو الخصيب ، وتمزقت عساكره .
وحج سنة ست وثمانين
الرشيد بولديه :
الأمين والمأمون ، وأغنى أهل الحرمين .
وفي سنة سبع قتل
الرشيد جعفر بن يحيى البرمكي ، وسجن أباه وأقاربه ، بعد أن كانوا قد بلغوا رتبة لا مزيد عليها وفيها انتقض الصلح مع
الروم ، وملكوا عليهم نقفور ، فيقال : إنه من ذرية
جفنة [ ص: 294 ] الغساني ، وبعث يتهدد
الرشيد ، فاستشاط غضبا ، وسار في جيوشه حتى نازله
هرقلة ، وذلت
الروم ، وكانت غزوة مشهودة .
وفي سنة ثمان كانت الملحمة العظمى ، وقتل من
الروم عدد كثير ، وجرح
النقفور ثلاث جراحات ، وتم الفداء حتى لم يبق في أيدي
الروم أسير .
وفي سنة تسعين خلع الطاعة
رافع بن الليث ، وغلب على
سمرقند ، وهزم عسكر
الرشيد وفيها غزا
الروم في مائة ألف فارس ، وافتتح
هرقلة ، وبعث إليه
نقفور بالجزية ثلاثمائة ألف دينار .
وفي سنة ( 191 ) عزل والي
خراسان ابن ماهان بهرثمة بن أعين ، وصادر
الرشيد ابن ماهان ، فأدى ثمانين ألف ألف درهم ، وكان عاتيا متمردا عسوفا . وفيها أول ظهور الخرمية
بأذربيجان .
وسار
الرشيد في سنة اثنتين إلى
جرجان ليهذب
خراسان ، فنزل به الموت في سنة ثلاث .
[ ص: 295 ]
وخلف عدة أولاد ، فمنهم تسعة بنين اسمهم
محمد ، أجلهم
الأمين ،
والمعتصم ،
وأبو عيسى الذي كان مليح زمانه
ببغداد ، وله نظم حسن ، مات سنة تسع ومائتين .
وأبو أيوب ، وله نظم رائق ،
وأبو أحمد كان ظريفا نديما شاعرا ، طال عمره إلى أن مات في رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين .
وأبو علي توفي سنة 231
وأبو العباس ، وكان بليدا مغفلا ، دمنوه مدة في قول : أعظم الله أجركم ، فذهب ليعزي فأرتج عليه ، وقال : ما فعل فلان ؟ قالوا : مات ، قال : جيد ، وأيش فعلتم به ؟ قالوا : دفناه ، قال : جيد .
وأبو يعقوب وتوفي سنة 223 ، وتاسعهم
أبو سليمان . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري .