أخبرنا
إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو المعدل في سنة اثنتين وتسعين وبعدها ، أخبرنا
الحسن بن علي بن الحسين الأسدي ، أخبرنا جدي
أبو القاسم الحسين بن الحسن ، أخبرنا
أبو القاسم علي بن محمد الفقيه ، أخبرنا
محمد بن الفضل بن نظيف الفراء بمصر سنة تسع عشرة وأربعمائة ، حدثنا
أحمد بن محمد بن الحسين الصابوني سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة ، حدثنا
المزني ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، عن
مالك ، عن
نافع ، عن
عبد الله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880735أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوصال ، فقيل : إنك تواصل . فقال : لست مثلكم إني أطعم وأسقى .
قلت : كلام الأقران إذا تبرهن لنا أنه بهوى وعصبية ، لا يلتفت إليه ، بل يطوى ولا يروى ، كما تقرر عن الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين ، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء ، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف ، وبعضه كذب ، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا ، فينبغي طيه وإخفاؤه ، بل إعدامه لتصفو القلوب ، وتتوفر على حب الصحابة ، والترضي عنهم ، وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء .
وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى ، بشرط أن يستغفر لهم ، كما علمنا الله تعالى
[ ص: 93 ] حيث يقول :
والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا .
فالقوم لهم سوابق ، وأعمال مكفرة لما وقع منهم ، وجهاد محاء ، وعبادة ممحصة ، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم ، ولا ندعي فيهم العصمة ، نقطع بأن بعضهم أفضل من بعض ، ونقطع بأن
أبا بكر وعمر أفضل الأئمة ، ثم تتمة العشرة المشهود لهم بالجنة ،
وحمزة وجعفر ومعاذ وزيد ، وأمهات المؤمنين ، وبنات نبينا -صلى الله عليه وسلم- ،
وأهل بدر مع كونهم على مراتب ، ثم الأفضل بعدهم مثل
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء nindex.php?page=showalam&ids=23وسلمان الفارسي nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر وسائر
أهل بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم بنص آية سورة الفتح ثم عموم
المهاجرين والأنصار nindex.php?page=showalam&ids=22كخالد بن الوليد والعباس nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمرو ، وهذه الحلبة ، ثم سائر من صحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجاهد معه ، أو حج معه ، أو سمع منه ، رضي الله عنهم أجمعين وعن جميع صواحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المهاجرات والمدنيات
nindex.php?page=showalam&ids=11696وأم الفضل وأم هانئ الهاشمية وسائر الصحابيات .
فأما ما تنقله
الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك ، فلا نعرج عليه ، ولا كرامة ، فأكثره باطل وكذب وافتراء ، فدأب الروافض رواية الأباطيل ، أو رد ما في الصحاح والمسانيد ، ومتى إفاقة من به سكران ؟ ! ثم قد تكلم خلق من التابعين بعضهم في بعض ، وتحاربوا ، وجرت أمور لا يمكن شرحها ، فلا فائدة في بثها .
ووقع في كتب التواريخ وكتب الجرح والتعديل أمور عجيبة ، والعاقل خصم نفسه ، ومن حسن إسلام
[ ص: 94 ] المرء تركه ما لا يعنيه ، ولحوم العلماء مسمومة ، وما نقل من ذلك لتبيين غلط العالم ، وكثرة وهمه ، أو نقص حفظه ، فليس من هذا النمط ، بل لتوضيح الحديث الصحيح من الحسن ، والحسن من الضعيف . وإمامنا - فبحمد الله - ثبت في الحديث ، حافظ لما وعى ، عديم الغلط ، موصوف بالإتقان ، متين الديانة ، فمن نال منه بجهل وهوى ممن علم أنه منافس له ، فقد ظلم نفسه ، ومقتته العلماء ، ولاح لكل حافظ تحامله ، وجر الناس برجله ، ومن أثنى عليه ، واعترف بإمامته وإتقانه ، وهم أهل العقد والحل قديما وحديثا ، فقد أصابوا ، وأجملوا ، وهدوا ، ووفقوا .
وأما أئمتنا اليوم وحكامنا ، فإذا أعدموا ما وجد من قدح بهوى ، فقد يقال : أحسنوا ووفقوا ، وطاعتهم في ذلك مفترضة لما قد رأوه من حسم مادة الباطل والشر .
وبكل حال فالجهال والضلال قد تكلموا في خيار الصحابة . وفي الحديث الثابت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880736لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله ، إنهم ليدعون له ولدا ، وإنه ليرزقهم ويعافيهم .
وقد كنت وقفت على بعض كلام المغاربة في الإمام -رحمه الله - فكانت فائدتي من ذلك تضعيف حال من تعرض إلى الإمام ، ولله الحمد .
[ ص: 95 ]
ولا ريب أن الإمام لما سكن
مصر ، وخالف أقرانه من المالكية ، ووهى بعض فروعهم بدلائل السنة ، وخالف شيخه في مسائل ، تألموا منه ، ونالوا منه ، وجرت بينهم وحشة ، غفر الله للكل ، وقد اعترف الإمام
سحنون ، وقال : لم يكن في
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بدعة . فصدق والله ، فرحم الله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وأين مثل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والله ! في صدقه ، وشرفه ، ونبله ، وسعة علمه ، وفرط ذكائه ، ونصره للحق ، وكثرة مناقبه -رحمه الله تعالى .
قال
الحافظ أبو بكر الخطيب في مسألة الاحتجاج
بالإمام الشافعي ، فيما قرأت على
أبي الفضل بن عساكر ، عن
عبد المعز بن محمد ، أخبرنا
يوسف بن أيوب الزاهد ، أخبرنا
الخطيب ، قال : سألني بعض إخواننا بيان علة ترك
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الجامع " ؟
وذكر أن بعض من يذهب إلى رأي
أبي حنيفة ضعف أحاديث
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، واعترض بإعراض
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن روايته ، ولولا ما أخذ الله على العلماء فيما يعلمونه ليبيننه للناس ; لكان أولى الأشياء الإعراض عن اعتراض الجهال ، وتركهم يعمهون ، وذكر لي من يشار إليه خلو كتاب
مسلم وغيره من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فأجبته بما فتح الله لي .
ومثل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من حسد ، وإلى ستر معالمه قصد ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، ويظهر من كل حق مستوره ، وكيف لا يغبط من حاز الكمال ، بما جمع الله له من الخلال اللواتي لا ينكرها إلا ظاهر الجهل ، أو ذاهب العقل . . ثم أخذ
الخطيب يعدد علوم الإمام ومناقبه ، وتعظيم الأئمة له ، وقال :
أبى الله إلا رفعه وعلوه وليس لمن يعليه ذو العرش واضع
إلى أن قال :
nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري هذب ما في " جامعه " ، غير أنه عدل عن كثير من الأصول إيثارا للإيجاز ، قال
إبراهيم بن معقل : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري يقول :
[ ص: 96 ] ما أدخلت في كتابي " الجامع " إلا ما صح ، وتركت من الصحاح لحال الطول . فترك
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري الاحتجاج
nindex.php?page=showalam&ids=13790بالشافعي ، إنما هو لا لمعنى يوجب ضعفه ، لكن غني عنه بما هو أعلى منه ، إذ أقدم شيوخ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16379والدراوردي ،
وداود العطار ،
وابن عيينة .
nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري لم يدرك
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، بل لقي من هو أسن منه ،
كعبيد الله بن موسى ،
وأبي عاصم ممن رووا عن التابعين ، وحدثه عن شيوخ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عدة ، فلم ير أن يروي عن رجل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، عن
مالك .
فإن قيل : فقد روى عن
المسندي ، عن
معاوية بن عمرو ، عن
الفزاري ، عن
مالك ، فلا شك أن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري سمع هذا الخبر من أصحاب
مالك ، وهو في " الموطأ " فهذا ينقض عليك ؟ !
قلنا : إنه لم يرو حديثا نازلا وهو عنده عال ، إلا لمعنى ما يجده في العالي ، فأما أن يورد النازل ، وهو عنده عال ، لا لمعنى يختص به ، ولا على وجه المتابعة لبعض ما اختلف فيه ; فهذا غير موجود في الكتاب . وحديث
الفزاري فيه بيان الخبر ، وهو معدوم في غيره ، وجوده
الفزاري بتصريح السماع .
ثم سرد
الخطيب ذلك من طرق عدة ، قال :
nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري يتبع الألفاظ بالخبر في بعض الأحاديث ويراعيها ، وإنا اعتبرنا روايات
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي التي ضمنها كتبه ، فلم نجد فيها حديثا واحدا على شرط
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أغرب به ، ولا تفرد بمعنى فيه يشبه ما بيناه ، ومثل ذلك القول في ترك
مسلم إياه ، لإدراكه ما أدرك
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من ذلك ، وأما
أبو داود فأخرج في " سننه "
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي غير حديث ، وأخرج له
الترمذي ،
وابن خزيمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم . .
[ ص: 97 ]
ثم سرد
الخطيب فصلا في ثناء مشايخه وأقرانه عليه ، ثم سرد أشياء في غمز بعض الأئمة ، فأساء ما شاء -أعني غامزه- وبلغنا عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ألفاظ قد لا تثبت ، ولكنها حكم ، فمنها : ما أفلح من طلب العلم إلا بالقلة .
وعنه قال : ما كذبت قط ، ولا حلفت بالله ، ولا تركت غسل الجمعة ، وما شبعت منذ ست عشرة سنة ، إلا شبعة طرحتها من ساعتي .
وعنه قال : من لم تعزه التقوى ، فلا عز له .
وعنه : ما فزعت من الفقر قط . طلب فضول الدنيا عقوبة عاقب بها الله أهل التوحيد .
وقيل له : ما لك تكثر من إمساك العصا ، ولست بضعيف ؟ قال : لأذكر أني مسافر .
وقال : من لزم الشهوات ، لزمته عبودية أبناء الدنيا .
وقال : الخير في خمسة : غنى النفس ، وكف الأذى ، وكسب الحلال ، والتقوى ، والثقة بالله .
[ ص: 98 ]
وعنه : أنفع الذخائر التقوى ، وأضرها العدوان .
وعنه : اجتناب المعاصي ، وترك ما لا يعنيك ، ينور القلب . عليك بالخلوة ، وقلة الأكل ، إياك ومخالطة السفهاء ومن لا ينصفك ، إذا تكلمت فيما لا يعنيك ملكتك الكلمة ، ولم تملكها .
وعنه : لو أوصى رجل بشيء لأعقل الناس ، صرف إلى الزهاد .
وعنه : سياسة الناس أشد من سياسة الدواب .
وعنه : العاقل من عقله عقله عن كل مذموم .
وعنه : للمروءة أركان أربعة : حسن الخلق ، والسخاء ، والتواضع ، والنسك .
وعنه : لا يكمل الرجل إلا بأربع : بالديانة ، والأمانة ، والصيانة ، والرزانة .
وعنه : ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته .
[ ص: 99 ]
وعنه : علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقا .
وعنه : من نم لك نم عليك .
وعنه قال : التواضع من أخلاق الكرام ، والتكبر من شيم اللئام ، التواضع يورث المحبة ، والقناعة تورث الراحة .
وقال : أرفع الناس قدرا من لا يرى قدره ، وأكثرهم فضلا من لا يرى فضله .
وقال : ما ضحك من خطأ رجل إلا ثبت صوابه في قلبه .
لا نلام والله على حب هذا الإمام ، لأنه من رجال الكمال في زمانه -رحمه الله - وإن كنا نحب غيره أكثر .