إبراهيم بن المهدي
الأمير الكبير أبو إسحاق ، الملقب بالمبارك ; إبراهيم ابن أمير المؤمنين محمد بن أبي جعفر ، الهاشمي العباسي الأسود .
ويعرف بالتنين للونه ، وضخامته .
كان فصيحا ، بليغا ، عالما ، أديبا ، شاعرا ، رأسا في فن الموسيقى . ويقال له : ابن شكلة ، وهي أمه .
حدث عن :
المبارك بن فضالة ،
وحماد الأبح .
روى عنه : ولده
هبة الله ،
وحميد بن فروة ،
وأحمد بن الهيثم ، وغيرهم .
قال
علي بن المغيرة الأثرم : حدثنا
إبراهيم : أنه ولي إمرة
دمشق أعواما لم يقطع فيها على أحد طريق ، وحدثت أن الآفة في قطع الطريق من
دعامة [ ص: 558 ] ونعمان ويحيى بن أرميا اليهودي البلقاوي ، وأنهم لم يضعوا يدهم في يد عامل ، فكاتبتهم . فتاب
دعامة ، وحلف
النعمان بالأيمان أنه لا يؤذي مهما وليت ، وطلب
ابن أرميا أمانا ليأتي ، ويناظر ، فأجبته .
فقدم شاب أشعر أمعر في أقبية ديباج ، ومنطقة ، وسيف محلى ، فدخل على
الخضراء ، فسلم دون البساط ، فقلت : اصعد . قال : إن للبساط ذماما ، أخاف أن يلزمني جلوسي عليه ، وما أدري ما تسومني ، قلت : أسلم ، وأطع . قال : أما الطاعة فأرجو ، ولا سبيل إلى الإسلام ، فما عندك إن لم أسلم ؟ قلت : لا بد من جزية . قال : أعفني . قلت : كلا . قال : فأنا منصرف على أماني . فأذنت له ، وأمرتهم أن يسقوا فرسه ، فلما رأى ذلك ، دعا بدابة غلامه ، وترك فرسه ، وقال : لن آخذ شيئا ارتفق منكم ، فأحاربكم عليه . فاستحييت وطلبته ، فلما دخل ، قلت : الحمد لله ، ظفرت بك بلا عهد . قال : وكيف ؟ قلت : لأنك انصرفت من عندي ، وقد عدت ، قال : شرطك أن تصرفني إلى مأمني ، فإن كان دارك مأمني ، فلست بخائف ، وإن كان مأمني أرضي ، فردني . فجهدت به أن يؤدي جزية على أن أهبه في السنة ألفي دينار ، فأبى ، وذهب ، فأسعر الدنيا شرا ، وحمل مالا من
مصر ، فتعرض له ، فكتب
النعمان إلي ، فأمرته بمحاربته ، فسار
النعمان ، ووافاه اليهودي في جماعته ، فسأله
النعمان الانصراف ، فأبى ، وقال : بارزني ، وإن شئت برزت وحدي إليك وإلى جندك .
فقال
النعمان : يا
يحيى ، ويحك أنت حدث قد بليت بالعجب ، ولو كنت من أنفس
قريش لما أمكنك معارة السلطان ، وهذا الأمير هو أخو الخليفة ، وأنا - وإن افترقنا في الدين - أحب أن لا يقتل على يدي فارس ، فإن كنت تحب السلامة ، فابرز إلي ، ولا يبتلى
[ ص: 559 ] بنا غيرنا ، فبرز له العصر ، فما زالا في مبارزة إلى الليل ، فوقف كل منهما على فرسه متكئا على رمحه ، فنعس
النعمان ، فطعنه اليهودي ، فيقع سنان رمحه في المنطقة ، فدارت ، وصار السنان يدور معها ، فاعتنقه
النعمان ، وقال : أغدرا يا ابن اليهودية ؟ ! فقال : أومحارب ينام يا ابن الأمة ؟ ! فاتكأ عليه
النعمان ، فسقط فوقه ، وكان
النعمان ضخما ، فصار فوقه ، فذبح اليهودي ، وبعث إلي برأسه ، فاطمأنت البلاد ، ثم ولي بعدي عمي
سليمان ، فانتهبه
أهل دمشق ، وسبوا حرمه .
قال
الخطيب : بويع
إبراهيم بالخلافة زمن
المأمون ، فحارب
الحسن بن سهل ، فهزمه
إبراهيم ، ثم أقبل لحربه
حميد الطوسي ، فهزم جمع
إبراهيم ، واختفى
إبراهيم زمانا إلى أن ظفر به
المأمون ، فعفا عنه .
وفيه يقول
دعبل :
نفر ابن شكلة بالعراق وأهلها وهفا إليه كل أطلس مائق إن كان إبراهيم مضطلعا بها
فلتصلحن من بعده لمخارق
وكان
مخارق مغني وقته .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13484ابن ماكولا : ولد
إبراهيم سنة 162 .
قلت : فعلى هذا لم يدرك
nindex.php?page=showalam&ids=16874مبارك بن فضالة .
قال
الخطبي : بايعوه
ببغداد ، ولقب
بالمبارك - وقيل :
المرضي - في
[ ص: 560 ] أول سنة اثنتين ومائتين ، فغلب على
الكوفة وبغداد والسواد ، فلما أشرف
المأمون على
العراق ، ضعف
إبراهيم . قال : وركب
إبراهيم بأبهة الخلافة إلى المصلى يوم النحر ، فصلى بالناس ، هو ينظر إلى عسكر
المأمون ، وأطعم الناس بالقصر ، ثم استتر . قال : وظفر
المأمون به سنة عشر ومائتين ، فعفا عنه ، وبقي عزيزا .
قال
أبو محلم : قال
إبراهيم بن المهدي حين أدخل على
المأمون : ذنبي أعظم من عذر ، وعفوك أعظم من أن يتعاظمه ذنب .
وقيل : إنه لما اعتذر ، وكان ذلك بعد توثبه بثماني سنين ، عفا عنه ، وقال : هاهنا يا عم ، هاهنا يا عم .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في ترجمته حديثا
لأحمد بن الهيثم ، حدثنا
إبراهيم بن المهدي ، حدثنا
حماد الأبح . والظاهر أن هذا
المصيصي .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي : نودي في سنة ثمان ومائتين أن أمير المؤمنين قد عفا عن عمه
إبراهيم ، وكان
إبراهيم حسن الوجه ، حسن الغناء ، حسن المجلس ، رأيته على حمار ، فقبل
القواريري فخذه .
وعن
منصور بن المهدي قال : كان أخي
إبراهيم إذا تنحنح ، طرب من يسمعه ، فإذا غنى ، أصغت الوحوش حتى تضع رءوسها في حجره ، فإذا سكت ، هربت . وكان إذا غنى ، لم يبق أحد إلا ذهل .
[ ص: 561 ] وقال
ابن الفضل بن الربيع : ما اجتمع أخ وأخت أحسن غناء من
إبراهيم بن المهدي وأخته
علية .
قال
ثمامة بن أشرس : قال لي
المأمون : قد عزمت على تقريع عمي ، فحضرت ، فجيء
بإبراهيم مغلولا قد تهدل شعره على عينيه ، فسلم ، فقال
المأمون : لا سلم الله عليك ، أكفرا بالنعمة ، وخروجا علي ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إن القدرة تذهب الحفيظة ، ومن مد له في الاغترار ، هجمت به الأناة على التلف ، وقد رفعك الله فوق كل ذنب ، كما وضع كل ذي ذنب دونك ، فإن تعاقب ، فبحقك ، وإن تعف فبفضلك . قال : إن هذين - يعني ابنيه
العباس والمعتصم - يشيران بقتلك . قال : أشارا عليك بما يشار به على مثلك في مثلي ، والملك عقيم ، ولكن تأبى لك أن تستجلب نصرا إلا من حيث عودك الله ، وأنا عمك ، والعم صنو الأب ، وبكى . فتغرغرت عينا
المأمون ، وقال : خلوا عن عمي ، ثم أحضره ونادمه ، وما زال به حتى ضرب له بالعود .
وقيل : إن
أحمد بن خالد الوزير ، قال : يا أمير المؤمنين ، إن قتلته ، فلك نظراء ، وإن عفوت ، لم يكن لك نظير .
توفي
إبراهيم في رمضان سنة أربع وعشرين ومائتين .