المحنة :
قال
عمرو بن حكام : حدثنا
شعبة ، عن
قتادة ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880895لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بحق علمه تفرد به
عمرو ، وليس بحجة .
وقال
سليمان بن بنت شرحبيل ، حدثنا
عيسى بن يونس ، عن
سليمان [ ص: 233 ] التيمي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة ، عن
أبي سعيد : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880896لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول بالحق إذا رآه أو سمعه غريب فرد .
وقال
حماد بن سلمة ،
ومعلى بن زياد - وهذا لفظه - عن
أبي غالب ، عن
أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880897أحب الجهاد إلى الله كلمة حق تقال لإمام جائر .
إسحاق بن موسى الخطمي : حدثنا
أبو بكر بن عبد الرحمن ، حدثنا
يعقوب بن محمد بن عبد الرحمن القاري ، عن أبيه ، عن جده ، أن
عمر كتب إلى
معاوية : أما بعد ، فالزم الحق ، ينزلك الحق منازل أهل الحق ، يوم لا يقضى إلا بالحق .
وبإسناد واه عن
أبي ذر : أبى الحق أن يترك له صديقا .
[ ص: 234 ]
الصدع بالحق عظيم ، يحتاج إلى قوة وإخلاص ، فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام به ، والقوي بلا إخلاص يخذل ، فمن قام بهما كاملا ، فهو صديق . ومن ضعف ، فلا أقل من التألم والإنكار بالقلب . ليس وراء ذلك إيمان ، فلا قوة إلا بالله .
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
الحسن بن عمرو ، عن
محمد بن مسلم مولى حكيم بن حزام ، عن
عبد الله بن عمرو قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880898إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له : إنك ظالم ، فقد تودع منهم هكذا رواه جماعة عن
سفيان .
ورواه
النضر بن إسماعيل ، عن
الحسن ، فقال : عن
مجاهد ، عن
عبد الله بن عمرو مرفوعا . ورواه
سيف بن هارون عن
الحسن ، فقال : عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير : سمعت
عبد الله بن عمرو مرفوعا .
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
زبيد ، عن
عمرو بن مرة ، عن
أبي البختري ،
[ ص: 235 ] عن
أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880899لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله فيه مقال ، فلا يقول فيه ، فيقال له : ما منعك ؟ فيقول : مخافة الناس . فيقول : فإياي كنت أحق أن تخاف رواه
الفريابي وأبو نعيم وخلاد عنه .
حماد بن زيد ، عن
أيوب ، عن
أبي قلابة ، عن
أبي أسماء ، عن
ثوبان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880900إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون ، وإذا وضع السيف عليهم ، لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة ، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله .
الحسين بن موسى : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14127الحسين بن الفضل البجلي ، حدثنا
عبد العزيز بن يحيى المكي ، حدثنا
سليم بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
[ ص: 236 ] عطاء ، عن
ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
لله عند إحداث كل بدعة تكيد الإسلام ولي يذب عن دينه " . الحديث . هذا موضوع ، ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج .
كان الناس أمة واحدة ، ودينهم قائما في خلافة
أبي بكر وعمر . فلما استشهد قفل باب الفتنة
عمر - رضي الله عنه - وانكسر الباب ، قام رءوس الشر على الشهيد
عثمان حتى ذبح صبرا . وتفرقت الكلمة وتمت وقعة الجمل ، ثم وقعة
صفين . فظهرت
الخوارج ، وكفرت سادة الصحابة ، ثم ظهرت
الروافض والنواصب .
وفي آخر زمن الصحابة ظهرت
القدرية ، ثم ظهرت
المعتزلة بالبصرة ،
والجهمية والمجسمة بخراسان في أثناء عصر التابعين مع ظهور السنة وأهلها .
إلى بعد المائتين ، فظهر
المأمون الخليفة - وكان ذكيا متكلما ، له نظر في المعقول - فاستجلب كتب الأوائل ، وعرب حكمة اليونان ، وقام في ذلك وقعد ، وخب ووضع ، ورفعت
الجهمية والمعتزلة رءوسها ، بل
والشيعة ، فإنه كان كذلك . وآل به الحال إلى أن حمل الأمة على القول بخلق القرآن ، وامتحن العلماء ، فلم يمهل . وهلك لعامه ، وخلى بعده شرا وبلاء في الدين . فإن الأمة ما زالت على أن القرآن العظيم كلام الله - تعالى - ووحيه وتنزيله ، لا يعرفون غير ذلك ، حتى نبغ لهم القول بأنه كلام الله مخلوق مجعول ، وأنه إنما يضاف إلى الله - تعالى - إضافة تشريف ، كبيت الله ، وناقة الله . فأنكر ذلك العلماء . ولم تكن
الجهمية يظهرون في دولة
المهدي والرشيد والأمين فلما ولي
المأمون ، كان منهم ، وأظهر المقالة .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=12218أحمد بن إبراهيم الدورقي ، عن
محمد بن نوح : أن
الرشيد قال : بلغني أن
nindex.php?page=showalam&ids=15211بشر بن غياث المريسي يقول : القرآن مخلوق ، فلله علي
[ ص: 237 ] إن أظفرني به ، لأقتلنه . قال
الدورقي : وكان متواريا أيام
الرشيد فلما مات
الرشيد ، ظهر ، ودعا إلى الضلالة .
قلت : ثم إن
المأمون نظر في الكلام ، وناظر ، وبقي متوقفا في الدعاء إلى بدعته .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج بن الجوزي : خالطه قوم من
المعتزلة ، فحسنوا له القول بخلق القرآن ، وكان يتردد ويراقب بقايا الشيوخ ، ثم قوي عزمه ، وامتحن الناس .
أخبرنا
المسلم بن محمد في كتابه : أخبرنا
أبو اليمن الكندي ، أخبرنا أبو
منصور الشيباني ، أخبرنا
أبو بكر الخطيب ، أخبرنا أبو
بكر الحيري ، أخبرنا
أبو العباس الأصم ، أخبرنا
يحيى بن أبي طالب ، أخبرني
الحسن بن شاذان الواسطي ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12404ابن عرعرة ، حدثني
ابن أكثم قال : قال لنا
المأمون : لولا مكان
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، لأظهرت أن القرآن مخلوق . فقال بعض جلسائه : يا أمير المؤمنين ، ومن
يزيد حتى يتقى ؟ فقال : ويحك ! إني أخاف إن أظهرته فيرد علي يختلف الناس ، وتكون فتنة ، وأنا أكره الفتنة . فقال الرجل : فأنا أخبر ذلك منه ، قال له : نعم . فخرج إلى
واسط ، فجاء إلى
يزيد ، وقال : يا
أبا خالد ، إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ، ويقول لك : إني أريد أن أظهر خلق القرآن ، فقال : كذبت على أمير المؤمنين . أمير المؤمنين لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه . فإن كنت صادقا ، فاقعد . فإذا اجتمع الناس في المجلس ، فقل . قال : فلما أن كان الغد ، اجتمعوا . فقام ، فقال كمقالته ، فقال
يزيد : كذبت على أمير المؤمنين ، إنه لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه ، وما لم يقل به أحد . قال : فقدم ، وقال : يا أمير المؤمنين ، كنت أعلم ، وقص عليه ، قال : ويحك يلعب بك !!
[ ص: 238 ]
قال
صالح بن أحمد : سمعت أبي ، يقول : لما دخلنا على
إسحاق بن إبراهيم للمحنة ، قرأ علينا كتاب الذي صار إلى
طرسوس ، يعني :
المأمون ، فكان فيما قرئ علينا :
ليس كمثله شيء و
هو خالق كل شيء فقلت
وهو السميع البصير قال
صالح : ثم امتحن القوم ، ووجه بمن امتنع إلى الحبس ، فأجاب القوم جميعا غير أربعة : أبي ،
ومحمد بن نوح ،
والقواريري ،
والحسن بن حماد سجادة . ثم أجاب هذان ، وبقي أبي
ومحمد في الحبس أياما ، ثم جاء كتاب من
طرسوس بحملهما مقيدين زميلين .
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : حدثنا
عبد الله بن أحمد ، حدثني
أبو معمر القطيعي قال : لما أحضرنا إلى دار السلطان أيام المحنة ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل قد أحضر فلما رأى الناس يجيبون ، وكان رجلا لينا ، فانتفخت أوداجه ، واحمرت عيناه ، وذهب ذلك اللين . فقلت : إنه قد غضب لله ، فقلت أبشر : حدثنا
ابن فضيل ، عن
الوليد بن عبد الله بن جميع ، عن
أبي سلمة قال : كان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إذا أريد على شيء من أمر دينه ، رأيت حماليق عينيه في رأسه تدور كأنه مجنون .
أخبرنا
عمر بن القواس ، عن
الكندي ، أخبرنا
الكروخي ، أخبرنا شيخ الإسلام ، أخبرنا
أبو يعقوب ، حدثنا
الحسين بن محمد الخفاف : سمعت
ابن أبي أسامة يقول : حكي لنا أن
أحمد قيل له أيام المحنة : يا
أبا عبد الله ، أو لا ترى الحق كيف ظهر عليه الباطل ؟ قال : كلا ، إن ظهور الباطل على الحق أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة ، وقلوبنا بعد لازمة للحق .
الأصم : حدثنا
عباس الدوري : سمعت أبا
جعفر الأنباري يقول :
[ ص: 239 ] لما حمل
أحمد إلى
المأمون ، أخبرت ، فعبرت
الفرات ، فإذا هو جالس في الخان ، فسلمت عليه ، فقال : يا
أبا جعفر ، تعنيت . فقلت : يا هذا أنت اليوم رأس ، والناس يقتدون بك ، فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ، ليجيبن خلق ، وإن أنت لم تجب ، ليمتنعن خلق من الناس كثير . ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت ، لا بد من الموت ، فاتق الله ولا تجب . فجعل
أحمد يبكي ، ويقول : ما شاء الله . ثم قال : يا
أبا جعفر ، أعد علي فأعدت عليه ، وهو يقول : ما شاء الله .
قال
أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي : حدثنا
الفضل بن زياد ، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يقول : أول يوم امتحنه
إسحاق ، لما خرج من عنده ، وذلك في جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة ومائتين ، فقعد في مسجده ، فقال له جماعة : أخبرنا بمن أجاب . فكأنه ثقل عليه ، فكلموه أيضا . قال : فلم يجب أحد من أصحابنا ، والحمد لله . ثم ذكر من أجاب ومن واتاهم على أكثر ما أرادوا . فقال : هو مجعول محدث . وامتحنهم مرة مرة ، وامتحنني مرتين مرتين . فقال لي : ما تقول في القرآن ؟ قلت : كلام الله غير مخلوق .
فأقامني وأجلسني في ناحية ، ثم سألهم ، ثم ردني ثانية ، فسألني وأخذني في التشبيه . فقلت :
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فقال لي : وما السميع البصير ؟ فقلت : هكذا قال تعالى .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13918محمد بن إبراهيم البوشنجي : جعلوا يذاكرون
أبا عبد الله بالرقة في التقية وما روي فيها . فقال : كيف تصنعون بحديث
خباب :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880902إن من كان قبلكم كان ينشر أحدهم بالمنشار ، لا يصده ذلك عن دينه فأيسنا منه .
[ ص: 240 ]
وقال : لست أبالي بالحبس ، ما هو ومنزلي إلا واحد ، ولا قتلا بالسيف ، إنما أخاف فتنة السوط . فسمعه بعض أهل الحبس ، فقال : لا عليك يا
أبا عبد الله ، فما هو إلا سوطان ، ثم لا تدري أين يقع الباقي ، فكأنه سري عنه .
قال : وحدثني من أثق به ، عن
محمد بن إبراهيم بن مصعب ، وهو يومئذ صاحب شرطة
المعتصم خلافة لأخيه
إسحاق بن إبراهيم قال : ما رأيت أحدا لم يداخل السلطان ، ولا خالط الملوك ، كان أثبت قلبا من
أحمد يومئذ ، ما نحن في عينه إلا كأمثال الذباب .
وحدثني بعض أصحابنا عن
أبي عبد الرحمن الشافعي أو هو حدثني أنهم أنفذوه إلى
أحمد في محبسه ليكلمه في معنى التقية ، فلعله يجيب . قال : فصرت إليه أكلمه ، حتى إذا أكثرت وهو لا يجيبني . ثم قال لي : ما قولك اليوم في سجدتي السهو ؟ وإنما أرسلوه إلى
أحمد للإلف الذي كان بينه وبين
أحمد أيام لزومهم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . فإن
أبا عبد الرحمن كان يومئذ ممن يتقشف ويلبس الصوف ، وكان أحفظ أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي للحديث من قبل أن يتبطن بمذاهبه المذمومة . ثم لم يحدث
أبو عبد الله بعدما أنبأتك أنه حدثني في أول خلافة
الواثق ، ثم قطعه إلى أن مات ، إلا ما كان في زمن
المتوكل .
[ ص: 241 ]
قال
صالح بن أحمد : حمل أبي
ومحمد بن نوح من
بغداد مقيدين ، فصرنا معهما إلى
الأنبار . فسأل
أبو بكر الأحول أبي : يا
أبا عبد الله ، إن عرضت على السيف ، تجيب ؟ قال : لا . ثم سيرا ، فسمعت أبي يقول : صرنا إلى الرحبة ورحلنا منها في جوف الليل ، فعرض لنا رجل ، فقال : أيكم
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ؟ فقيل له : هذا ، فقال للجمال : على رسلك ، ثم قال : يا هذا ، ما عليك أن تقتل هاهنا ، وتدخل الجنة ؟ ثم قال : أستودعك الله ، ومضى . فسألت عنه ، فقيل لي : هذا رجل من العرب من
ربيعة يعمل الشعر في البادية ، يقال له :
جابر بن عامر ، يذكر بخير .
أحمد بن أبي الحواري : حدثنا
إبراهيم بن عبد الله قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في رحبة طوق . قال : يا
أحمد ، إن يقتلك الحق ، مت شهيدا ، وإن عشت ، عشت حميدا . فقوى قلبي .
قال
صالح بن أحمد : قال أبي : فلما صرنا إلى أذنة ورحلنا منها في جوف الليل ، وفتح لنا بابها ، إذا رجل قد دخل . فقال : البشرى ! قد مات الرجل; يعني :
المأمون . قال أبي : وكنت أدعو الله أن لا أراه .
nindex.php?page=showalam&ids=13918محمد بن إبراهيم البوشنجي : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يقول : تبينت الإجابة في دعوتين : دعوت الله أن لا يجمع بيني وبين
المأمون ،
[ ص: 242 ] ودعوته أن لا أرى
المتوكل . فلم أر
المأمون ، مات
بالبذندون قلت وهو
نهر الروم . وبقي
أحمد محبوسا
بالرقة حتى بويع
المعتصم إثر موت أخيه ، فرد
أحمد إلى
بغداد . وأما
المتوكل فإنه نوه بذكر الإمام
أحمد ، والتمس الاجتماع به ، فلما أن حضر
أحمد دار الخلافة
بسامراء ليحدث ولد
المتوكل ويبرك عليه ، جلس له
المتوكل في طاقة ، حتى نظر هو وأمه منها إلى
أحمد ، ولم يره
أحمد .
قال
صالح : لما صدر أبي
ومحمد بن نوح إلى
طرسوس ، ردا في أقيادهما . فلما صار إلى
الرقة ، حملا في سفينة ، فلما وصلا إلى
عانة توفي
محمد ، وفك قيده ، وصلى عليه أبي .
وقال
حنبل : قال
أبو عبد الله : ما رأيت أحدا على حداثة سنه ، وقدر علمه أقوم بأمر الله من
محمد بن نوح ، إني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير . قال لي ذات يوم : يا
أبا عبد الله ، الله الله ، إنك لست مثلي . أنت رجل يقتدى بك . قد مد الخلق أعناقهم إليك ، لما يكون منك ، فاتق الله واثبت لأمر الله ، أو نحو هذا . فمات ، وصليت عليه ، ودفنته . أظن قال :
بعانة .
قال
صالح : وصار أبي إلى
بغداد مقيدا . فمكث
بالياسرية أياما ،
[ ص: 243 ] ثم حبس في دار اكتريت عند دار عمارة ، ثم حول إلى حبس العامة في ،
درب الموصلية . فقال : كنت أصلي بأهل السجن ، وأنا مقيد . فلما كان ، في رمضان سنة تسع عشر - قلت : وذلك بعد موت
المأمون بأربعة عشر شهرا - حولت إلى دار
إسحاق بن إبراهيم ، يعني : نائب
بغداد . وأما
حنبل ، فقال : حبس
أبو عبد الله في دار عمارة
ببغداد في إصطبل الأمير
محمد بن إبراهيم أخي
إسحاق بن إبراهيم ، وكان في حبس ضيق ، ومرض في رمضان . ثم حول بعد قليل إلى سجن العامة ، فمكث في ، السجن نحوا من ثلاثين شهرا . وكنا نأتيه ، فقرأ علي كتاب " الإرجاء " وغيره في الحبس ، ورأيته يصلي بهم في القيد ، فكان يخرج رجله من حلقة القيد وقت الصلاة والنوم .
قال
صالح بن أحمد : قال أبي : كان يوجه إلي كل يوم برجلين ، أحدهما يقال له :
أحمد بن أحمد بن رباح ، والآخر
أبو شعيب الحجام ، فلا يزالان يناظراني ، حتى إذا قاما دعي بقيد ، فزيد في قيودي ، فصار - في رجلي أربعة أقياد . فلما كان في اليوم الثالث ، دخل علي فناظرني ، فقلت له : ما تقول في علم الله ؟ قال : مخلوق . قلت : كفرت بالله فقال الرسول الذي كان يحضر من قبل
إسحاق بن إبراهيم : إن هذا رسول أمير المؤمنين . فقلت : إن هذا قد كفر . فلما كان في الليلة الرابعة ، وجه ، يعني :
المعتصم ،
ببغا الكبير إلى
إسحاق ، فأمره بحملي إليه ، فأدخلت على
إسحاق ، فقال : يا
أحمد ، إنها والله نفسك ، إنه لا يقتلك بالسيف ، إنه قد آلى ، إن لم تجبه ، أن يضربك ضربا بعد ضرب ، وأن يقتلك في موضع لا يرى فيه شمس ولا قمر . أليس قد قال الله تعالى :
[ ص: 244 ] إنا جعلناه قرآنا عربيا أفيكون مجعولا إلا مخلوقا ؟ فقلت : فقد قال تعالى :
فجعلهم كعصف مأكول أفخلقهم ؟
قال : فسكت . فلما صرنا إلى الموضع المعروف
بباب البستان ، أخرجت ، وجيء بدابة فأركبت وعلي الأقياد ، ما معي من يمسكني ، فكدت غير مرة أن أخر على وجهي لثقل القيود . فجيء بي إلى دار
المعتصم ، فأدخلت حجرة ، ثم أدخلت بيتا ، وأقفل الباب علي في جوف الليل ولا سراج . فأردت الوضوء ، فمددت يدي ، فإذا أنا بإناء فيه ماء ، وطست موضوع ، فتوضأت وصليت .
فلما كان من الغد ، أخرجت تكتي ، وشددت بها الأقياد أحملها ، وعطفت سراويلي . فجاء رسول
المعتصم ، فقال : أجب فأخذ بيدي ، وأدخلني عليه ، والتكة في يدي ، أحمل بها الأقياد ، وإذا هو جالس ،
وأحمد بن أبي دواد حاضر ، وقد جمع خلقا كثيرا من أصحابه . فقال لي
المعتصم : ادنه ادنه . فلم يزل يدنيني حتى قربت منه . ثم قال : اجلس ، فجلست ، وقد أثقلتني الأقياد ، فمكثت قليلا ، ثم قلت : أتأذن في الكلام ؟ قال تكلم ، فقلت : إلى ما دعا الله ورسوله ؟ فسكت هنية ثم قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، فقلت : فأنا أشهد أن لا إله إلا الله . ثم قلت : إن جدك
ابن عباس يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880903لما قدم وفد عبد القيس على رسول الله ، سألوه عن الإيمان ، فقال : أتدرون ما الإيمان ؟ قالوا : الله [ ص: 245 ] ورسوله أعلم ، قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأن تعطوا الخمس من المغنم قال أبي : فقال ، يعني :
المعتصم : لولا أني وجدتك في يد من كان قبلي ، ما عرضت لك .
ثم قال : يا
عبد الرحمن بن إسحاق ، ألم آمرك برفع المحنة ؟ فقلت : الله أكبر ! إن في هذا لفرجا للمسلمين . ثم قال لهم : ناظروه ، وكلموه ، يا
عبد الرحمن كلمه . فقال : ما تقول في القرآن ؟ قلت : ما تقول أنت في علم الله ؟ فسكت ، فقال لي بعضهم : أليس قال الله تعالى
الله خالق كل شيء ؟ والقرآن أليس شيئا ؟ فقلت :
قال الله
تدمر كل شيء فدمرت إلا ما أراد الله . . فقال بعضهم :
ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث أفيكون محدث إلا مخلوقا ؟ فقلت : قال الله :
ص والقرآن ذي الذكر فالذكر هو القرآن ، وتلك ليس فيها ألف ولام . وذكر بعضهم حديث
عمران بن حصين "
إن الله خلق الذكر " ، فقلت : هذا خطأ ، حدثنا غير واحد : "
إن الله كتب الذكر " واحتجوا بحديث
[ ص: 246 ] ابن مسعود :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880906ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي فقلت : إنما وقع الخلق على الجنة والنار والسماء والأرض ، ولم يقع على القرآن . فقال بعضهم : حديث
خباب :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880907يا هنتاه ، تقرب إلى الله بما استطعت ، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه فقلت : هكذا هو .
قال
صالح : وجعل
ابن أبي دواد ينظر إلى أبي كالمغضب . قال أبي : وكان يتكلم هذا ، فأرد عليه . ويتكلم هذا ، فأرد عليه ، فإذا انقطع الرجل منهم ، اعترض
ابن أبي دواد ، فيقول : يا أمير المؤمنين ، هو ، والله ، ضال مضل مبتدع ! فيقول : كلموه ، ناظروه ، فيكلمني هذا ، فأرد عليه ، ويكلمني هذا ، فأرد عليه ، فإذا انقطعوا ، يقول
المعتصم : ويحك يا
أحمد ، ما تقول ؟ فأقول : يا أمير المؤمنين ، أعطوني شيئا من كتاب الله
[ ص: 247 ] أو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقول به . فيقول
أحمد بن أبي دواد : أنت لا تقول إلا ما في الكتاب أو السنة ؟ فقلت له : تأولت تأويلا ، فأنت أعلم وما تأولت ما يحبس عليه ، ولا يقيد عليه .
قال
حنبل : قال
أبو عبد الله : لقد احتجوا علي بشيء ما يقوى قلبي ، ولا ينطلق لساني أن أحكيه . أنكروا الآثار ، وما ظننتهم على هذا حتى سمعته ، وجعلوا يرغون ، يقول الخصم كذا وكذا فاحتججت عليهم بالقرآن بقوله :
يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر أفهذا منكر عندكم ؟ فقالوا : شبه ، يا أمير المؤمنين ، شبه .