[ ص: 42 ] المنتصر بالله
الخليفة أبو جعفر ، وأبو عبد الله ، محمد بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم محمد بن هارون الرشيد الهاشمي العباسي ، وأمه أم ولد رومية ، اسمها حبشية . وكان أعين أسمر أقنى ، مليح الوجه ، مضبرا ربعة ، كبير البطن ، مليحا مهيبا . ولما قتل أبوه دخل إليه
قاضي القضاة جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، فقالوا له : بايع . قال : وأين أمير المؤمنين -يعني :
المتوكل - ؟ قال : قتله
الفتح بن خاقان . قال : وأين
الفتح ؟ قال : قتله :
بغا . قال : فأنت ولي الدم ، وصاحب الثأر . فبايعه وبايعه الوزير والكبار ، ثم صالح
المنتصر إخوته عن ميراثهم على أربعة عشر ألف ألف درهم ، ونفى عمه
عليا إلى
بغداد ، ورسم عليه . وكان
المنتصر وافر العقل ، راغبا في الخير ، قليل الظلم ، بارا بالعلويين .
قيل : إنه كان يقول : يا
بغا ، أين أبي ؟ من قتل أبي ؟ !! ويسب
الأتراك ، ويقول : هؤلاء قتلة الخلفاء . فقال
بغا الصغير للذين قتلوا
[ ص: 43 ] المتوكل : ما لكم عند هذا رزق . فعملوا عليه ، وهموا ، فعجزوا عنه ، لأنه كان شجاعا مهيبا يقظا متحرزا لا كأبيه ، فتحيلوا إلى أن دسوا إلى طبيبه
ابن طيفور ثلاثين ألف دينار عند مرضه ، فأشار بفصده ، ثم فصده بريشة مسمومة ، فمات منها .
ويقال : إن
طيفور نسي ومرض ، وافتصد بتلك الريشة ، فهلك .
وقال بعض الناس : بل حصل
للمنتصر مرض في أنثييه ، فمات منه في ثلاث ليال ، ويقال : مات بالخوانيق . ويقال : سم في كمثراة بإبرة . وورد عنه أنه قال في مرضه : ذهبت يا أماه مني الدنيا والآخرة ، عاجلت أبي فعوجلت . وكان يتهم بأنه واطأ على قتل أبيه ، فما أمهل ، ووزر له
أحمد بن الخصيب ، أحد الظلمة .
وذكر
المسعودي أنه أزال عن الطالبيين ما كانوا فيه من الخوف والمحنة من منعهم من زيارة تربة
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين الشهيد ، ورد
فدك إلى آل
علي ، وفي ذلك يقول
البحتري :
وإن عليا لأولى بكم وأزكى يدا عندكم من عمر [ ص: 44 ] وكل له فضله والحجو
ل يوم التراهن دون الغرر
وقال
يزيد المهلبي :
ولقد بررت الطالبية بعدما دفوا زمانا بعدها وزمانا
ورددت ألفة هاشم فرأيتهم بعد العداوة بينهم إخوانا
ثم إن
المنتصر تمكن ، وخلع من العهد إخوته :
المعتز وإبراهيم . ومن كلام
المنتصر إذ عفا عن
أبي العمرد الشاري : لذة العفو أعذب من لذة التشفي ، وأقبح فعال المقتدر الانتقام .
قال
المسعودي : كان
المنتصر أظهر الإنصاف في الرعية ، فمالوا إليه مع شدة هيبته .
وقال
علي بن يحيى المنجم : ما رأيت مثل
المنتصر ، ولا أكرم فعالا بغير تبجح ، لقد رآني مغموما ، فسألني ، فوريت ، فاستحلفني ، فذكرت
[ ص: 45 ] إضاقة في ثمن ضيعة ، فوصلني بعشرين ألفا . وجلس مرة للهو ، فرأى في بعض البسط دائرة فيها فارس عليه تاج ، وحوله كتابة [ فارسية ] ، فطلب من يقرأ ، فأحضر رجل ، فنظر ، فإذا فيها : . . . فقطب وسكت ، وقال : لا معنى له ، فألح
المنتصر عليه ، قال فيها : أنا
شيرويه بن كسرى بن هرمز ، قتلت أبي ، فلم أمتع بالملك سوى ستة أشهر .
قال : فتغير وجه
المنتصر ، وقام .
قال
جعفر بن عبد الواحد : قال لي
المنتصر : يا
جعفر ، لقد عوجلت . فما أذني بأذني ، ولا أبصر بعيني .
قلت : قل ما وقع في دولته من الحوادث لقصر المدة ، وعاش ستا وعشرين سنة ، سامحه الله .
ومات في خامس ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين . فكانت خلافته ستة أشهر وأياما .
وكان قد أبعد
وصيفا في عسكر إلى ثغر
الروم ، وكان قد ألح عليه هو
وبغا وابن الخصيب في خلع إخوته خوفا من أن يلي
المعتز ، فيستأصلهم ، فاعتقلا ، وتمنع أولا
المعتز ، ثم خاف ، وأشهدا على أنفسهما أنهما يعجزان عن الإمامة ، فقال
المنتصر : أترياني خلعتكما طمعا في أن أعيش بعدكما حتى يكبرا بني
عبد الوهاب ، وأعهد إليه ؟ ! والله ما طمعت في ذلك ، ولكن هؤلاء ألحوا علي ، وخفت عليكما من القتل . فقبلا يده ، وضمهما إليه .
[ ص: 46 ] وللمنتصر من الولد :
أحمد ،
وعلي ،
وعبد الله ،
وعمر .