صفحة جزء
أبو العباس السراج : حدثنا محمد بن مسلم بن وارة ، قال : رأيت أبا زرعة في المنام ، فقلت له : ما حالك ؟ قال : أحمد الله على الأحوال [ ص: 76 ] كلها ، إني حضرت ، فوقفت بين يدي الله -تعالى- ، فقال لي : يا عبيد الله ! لم تذرعت في القول في عبادي ؟ قلت : يا رب ! إنهم حاولوا دينك .

فقال : صدقت . ثم أتي بطاهر الخلقاني ، فاستعديت عليه إلى ربي ، فضرب الحد مائة ، ثم أمر به إلى الحبس ، ثم قال : ألحقوا عبيد الله بأصحابه ، وبأبي عبد الله ، وأبي عبد الله ، وأبي عبد الله : سفيان ، ومالك ، وأحمد بن حنبل .

رواها عن ابن وارة أيضا ابن أبي حاتم وأبو القاسم ابن أخي أبي زرعة .

قال أبو جعفر محمد بن علي ، وراق أبي زرعة : حضرنا أبا زرعة بماشهران ، وهو في السوق ، وعنده أبو حاتم ، وابن وارة ، والمنذر بن شاذان ، ، وغيرهم ، فذكروا حديث التلقين : لقنوا موتاكم : لا إله إلا الله واستحيوا من أبي زرعة أن يلقنوه ، فقالوا : تعالوا نذكر الحديث . فقال ابن وارة : حدثنا أبو عاصم ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح ، وجعل يقول : ابن أبي ، ولم يجاوزه . وقال أبو حاتم : حدثنا بندار ، حدثنا أبو عاصم ، عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح ، ولم يجاوز ، والباقون سكتوا ، فقال أبو زرعة وهو في السوق : حدثنا بندار ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا عبد الحميد ، عن صالح بن أبي عريب ، عن كثير بن مرة ، عن معاذ [ ص: 77 ] بن جبل ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله ، دخل الجنة وتوفي ، رحمه الله .

رواها أبو عبد الله الحاكم ، وغيره عن أبي بكر محمد بن عبد الله الوراق الرازي ، عن أبي جعفر بهذا .

قال أبو الحسين بن المنادي ، وأبو سعيد بن يونس : توفي أبو زرعة الرازي ، في آخر يوم من سنة أربع وستين ومائتين ومولده كان في سنة مائتين .

وأما الحاكم ، فقال في ترجمة أبي الحسين محمد بن علي بن محمد بن مهدي الرازي المعمر : هذا الشيخ عندي صدوق ، فإنه قال : رأيت أبا زرعة الرازي . فقلت له : كيف رأيته ؟ فقال : أسود اللحية ، نحيف ، أسمر ، وهذه صفة أبي زرعة ، وأنه توفي وهو ابن ست وخمسين سنة .

قلت : أحسب أبا عبد الله وهم في مقدار سن أبي زرعة ، فإنه قد ارتحل بنفسه ، وسمع من قبيصة ، وأبي نعيم ، والظاهر أنه ولد سنة مائتين ، -والله أعلم .

وقد ذكر الحاكم في كتاب : " الجامع لذكر أئمة الأعصار المزكين لرواة الأخبار " : سمعت عبد الله بن محمد بن موسى ، سمعت أحمد بن [ ص: 78 ] محمد بن سليمان الرازي الحافظ يقول : ولد أبو زرعة سنة أربع وتسعين ومائة ، وارتحل من الري ، وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وأقام بالكوفة عشرة أشهر ، ثم رجع إلى الري ، ثم خرج في رحلته الثانية ، وغاب عن وطنه أربع عشرة سنة ، وجلس للتحديث وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة .

قال : وتوفي سنة ستين ومائتين وهو ابن أربع وستين سنة .

قلت : وهذا القول خطأ في وفاته ، والصحيح ما مر .

وذكر إبراهيم بن حرب العسكري أنه رأى أبا زرعة الرازي ، وهو يؤم الملائكة في السماء الرابعة ، فقلت : بم نلت هذه المنزلة ؟ قال : برفع اليدين في الصلاة عند الركوع ، وعند الرفع منه .

وقال إسحاق بن إبراهيم بن عبد الحميد القرشي : سمعت عبد الله بن أحمد يقول : ذاكرت أبي ليلة الحفاظ ، فقال : يا بني ! قد كان الحفظ عندنا ، ثم تحول إلى خراسان ، إلى هؤلاء الشباب الأربعة . قلت : من هم ؟ قال : أبو زرعة ، ذاك الرازي ، ومحمد بن إسماعيل ، ذاك البخاري ، وعبد الله بن عبد الرحمن ، ذاك السمرقندي ، والحسن بن شجاع ذاك البلخي . قلت : يا أبه فمن أحفظ هؤلاء ؟ قال : أما أبو زرعة فأسردهم ، وأما البخاري فأعرفهم ، وأما عبد الله -يعني الدارمي- فأتقنهم ، وأما ابن شجاع : فأجمعهم للأبواب .

قال الحاكم : حدثنا أبو حاتم الرازي : سمعت أبا محمد بن أبي حاتم ، سمعت أبا زرعة يقول : بينا أنا قائم أصلي ، وأنا أقرأ : " وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب [ ص: 79 ] فوقفت متعجبا من هذا الوعيد ساعة ، ورجعت إلى أول الآية ثلاث مرات ، فلما كانت المرة الثالثة وقعت هدة من الزلزلة ، فبلغني أنهم عدوا بضعة عشر ألف جنازة ، حملت من الغد بالري .

قال أحمد بن محمد بن سليمان : سمعت أبا زرعة يقول : إذا مرضت شهرا أو شهرين ، تبين علي في حفظ القرآن ، وأما الحديث ، فإذا تركت أياما تبين عليك .

ثم قال أبو زرعة : نرى قوما من أصحابنا ، كتبوا الحديث ، تركوا المجالسة منذ عشرين سنة ، أو أقل ، إذا جلسوا اليوم مع الأحداث ، كأنهم لا يعرفون ، أو لا يحسنون الحديث . ثم قال : الحديث مثل الشمس ، إذا حبس عن الشرق خمسة أيام ، لا يعرف السفر ، فهذا الشأن يحتاج أن تتعاهده أبدا .

قال ابن أبي حاتم : سمعت أبا زرعة يقول : اختيار أحمد وإسحاق أحب إلي من قول الشافعي ، وما أعرف في أصحابنا أسود الرأس أفقه من أحمد .

وسمعت أبا زرعة -وسئل عن مرسلات الثوري ، ومرسلات شعبة - فقال : الثوري تساهل في الرجال ، وشعبة لا يدلس ولا يرسل . قيل له : فمالك مرسلاته أثبت أم الأوزاعي ؟ قال : مالك لا يكاد يرسل إلا عن قوم ثقات ، مالك متثبت في أهل بلده جدا ، فإن تساهل ، فإنما يتساهل في قوم غرباء لا يعرفهم .

قال الحاكم : سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن عبد الوهاب [ ص: 80 ] السياري ، سمعت محمد بن داود بن يزيد الرازي ، سمعت أبا زرعة يقول : ارتحلت إلى أحمد بن صالح المصري ، فدخلت عليه ، مع أصحاب الحديث ، فتذاكرنا إلى أن ضاق الوقت ، ، ثم أخرجت من كمي أطرافا ، فيها أحاديث سألته عنها ، فقال لي : تعود ، فعدت من الغد ، ومعي أصحاب الحديث ، فأخرجت الأطراف ، وسألته عنها ، فقال : تعود . فقلت : أليس قلت لي بالأمس : تعود ؟ ! ما عندك مما يكتب ، أورد علي مسندا أو مرسلا أو حرفا مما أستفيد ، فإن لم أروه لك عمن هو أوثق منك ، فلست بأبي زرعة ، ثم قلت من هاهنا ممن نكتب عنه ؟ قالوا : يحيى بن بكير .

ابن جوصا : سمعت أبا إسحاق الجوزجاني يقول : كان عند سليمان بن عبد الرحمن ، فلم يأذن لنا أياما ، ثم دخلنا عليه ، فقال : بلغني ورود هذا الغلام -يعني أبا زرعة - فدرست للالتقاء به ثلاثمائة ألف حديث .

وعن أبي حاتم ، قال : كان أبو زرعة لا يأكل الجبن ، ولا الخل .

وقال أحمد بن محمد بن سليمان : سمعت أبا زرعة يقول : لا تكتبوا عني بالمذاكرة ، فإني أخاف أن تحملوا خطأ ، هذا ابن المبارك كره أن يحمل عنه بالمذاكرة ، وقال لي إبراهيم بن موسى : لا تحملوا عني بالمذاكرة شيئا .

وسمعت أبا زرعة يقول : إذا انفرد ابن إسحاق بالحديث ، لا يكون حجة . ثم روى له حديث القراءة خلف الإمام وسمعته يقول : كان [ ص: 81 ] الحوضي ، وعلي بن الجعد ، وقبيصة ، يقدرون على الحفظ ، يجيئون بالحديث بتمام . وذكر عن قبيصة كأنه يقرأ من كتاب .

قلت : يعجبني كثيرا كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل ، يبين عليه الورع والمخبرة ، بخلاف رفيقه أبي حاتم ، فإنه جراح .

أخبرنا أبو علي الحسن بن علي ومحمد بن الحسن الفقيه وإبراهيم بن عبد الرحمن الشاهد وست القضاة بنت يحيى قراءة ، قالوا : أخبرتنا كريمة بنت عبد الوهاب القرشية أخبرنا أبو الخير محمد بن أحمد بن محمد الباغبان في كتابه ، أخبرنا أبو عمرو ، عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده ، أخبرنا أبي ، أخبرنا محمد بن الحسين النيسابوري ، حدثنا [ ص: 82 ] أبو زرعة الرازي ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن موسى بن عقبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- : اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك ، وفجأة نقمتك ، وجميع سخطك .

أخرجه مسلم عن أبي زرعة ، فوافقناه بعلو درجة ، ورواه الطبراني عن أبي الزنباع ، عن ابن بكير ، ورواه أبو داود عن محمد بن عون ، عن عبد الغفار بن داود ، عن يعقوب ، نحوه .

أخبرنا أبو زكريا بن أبي منصور في كتابه : أخبرنا عبد القادر بن عبد الله الحافظ ، أخبرنا مسعود بن الحسن بأصبهان ، حدثنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق العبدي ، أخبرنا أبي ، أخبرنا محمد بن الحسين القطان ، حدثنا أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم ، حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ، حدثنا أبو عبيدة عبد الواحد بن واصل ، حدثنا محمد بن ثابت البناني ، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : للأبناء منابر من ذهب ، يجلسون عليها ، ويبقى منبري ، لا أجلس عليه -أو قال- : لا أقعد عليه ، فيما بين يدي ربي -عز وجل- منتصبا ، مخافة أن يذهب بي إلى الجنة وتبقى أمتي ، فأقول : رب ، أمتي . أمتي . فيقول الله -تعالى- : وما تريد أن أصنع بأمتك ؟ فأقول : يا رب ! [ ص: 83 ] عجل حسابهم . فيدعى بهم ، فيحاسبون ، فمنهم من يدخل الجنة برحمة الله ، ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي ، فما أزال أشفع ، حتى أعطى صكا برجال قد بعث بهم إلى النار ، حتى إن مالكا خازن النار يقول : يا محمد ! ما تركت للنار ولغضب ربك في أمتك من نقمة .

هذا حديث غريب منكر ، تفرد به محمد بن ثابت أحد الضعفاء ، قال البخاري : فيه نظر . وقال : يحيى بن معين : ليس بشيء أخبرنا أبو الفضل أحمد بن أبي الحسين : أنبأنا عبد الرحيم بن أبي سعد ، أخبرنا عبد الله بن محمد الصاعدي ، أخبرنا عثمان بن محمد ( ح ) ، وأخبرنا أبو الفضل ، عن القاسم بن أبي سعد ، أخبرنا هبة الرحمن بن عبد الواحد ، أخبرنا عبد الحميد بن عبد الرحمن ، قالا : أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن ، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحافظ ، حدثنا أبو زرعة الرازي ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، وبالإسناد إلى يعقوب ، قال : وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عمر بن يونس ، قالا : أخبرنا عكرمة بن عمار ، أخبرنا شداد ; قال : سمعت أبا أمامة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يا ابن آدم ! إنك إن تبذل الفضل خير لك ، وإن تمسكه شر لك ، ولا تلام على كفاف ، وابدأ بمن تعول ، واليد العليا خير من اليد السفلى .

[ ص: 84 ] أنبأنا أحمد بن سلامة عن يحيى بن نوش ، أخبرنا أبو طالب بن يوسف ، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا عبد الرحمن ابن أبي حاتم ، قال : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين ، فقالا : أدركنا العلماء في جميع الأمصار ، فكان من مذهبهم أن الله على عرشه بائن من خلقه ، كما وصف نفسه ، بلا كيف ، أحاط بكل شيء علما .

قال أبو الحسن البناني حدثنا محمد بن على بن الهيثم الفسوي ، قال : لما قدم حمدون البرذعي على أبي زرعة ، لكتابة الحديث ، دخل ، فرأى في داره أواني وفرشا كثيرة ، وكان ذلك لأخيه ، قال : فهم أن يرجع ولا يكتب ، فلما كان من الليل ، رأى كأنه على شط بركة ، ورأى ظل شخص في الماء ، فقال : أنت الذي زهدت في أبي زرعة ؟ أما علمت أن أحمد بن حنبل كان من الأبدال ، فلما مات أبدل الله مكانه أبا زرعة .

أخبرنا المسلم بن علان ومؤمل بن محمد إجازة ، أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا أبو نعيم ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله المعدل ، حدثنا محمد بن إسحاق السراج ، سمعت محمد بن مسلم بن وارة يقول : رأيت أبا زرعة في المنام ، فقلت له : [ ص: 85 ] ما حالك يا أبا زرعة ؟ قال : أحمد الله على أحواله كلها ، إني حضرت ، فوقفت بين يدي الله -تعالى- ، فقال : يا عبيد الله ! لم تذرعت القول في عبادي ؟ قلت : يا رب ! إنهم حاولوا دينك . قال : صدقت ثم أتي بطاهر الخلقاني ، فاستعديت عليه إلى ربي -تعالى- فضرب الحد مائة ، ثم أمر به إلى الحبس ، ثم قال : ألحقوا عبيد الله بأصحابه : أبي عبد الله ، وأبي عبد الله ، وأبي عبد الله : سفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، وأحمد بن حنبل .

قلت : إسنادها كالشمس .

أخبرنا ابن الخلال أخبرنا الهمداني ، أخبرنا السلفي ، أخبرنا ابن مالك ، أخبرنا أبو يعلى ، الحافظ ، سمعت محمد بن علي الفرضي ، سمعت القاسم بن محمد بن ميمون ، سمعت عمر بن محمد بن إسحاق الحافظ ، سمعت ابن وارة يقول : حضرت أنا وأبو حاتم عند وفاة أبي زرعة ، فقلنا : كيف تلقن مثل أبي زرعة ؟ فقلت : حدثنا أبو عاصم ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر . وقال أبو حاتم : حدثنا بندار في آخرين ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا عبد الحميد ، ففتح عينيه ، وقال : حدثنا بندار ، حدثنا أبو عاصم ، أخبرنا عبد الحميد ، حدثنا صالح بن أبي عريب ، عن كثير بن مرة ، عن معاذ ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله وخرج روحه معه .

التالي السابق


الخدمات العلمية