صفحة جزء
الدارمي

عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد : الإمام ، العلامة ، الحافظ ، الناقد شيخ تلك الديار ، أبو سعيد ، التميمي ، الدارمي ، السجستاني ، صاحب " المسند " الكبير والتصانيف .

ولد قبل المائتين بيسير وطوف الأقاليم في طلب الحديث .

وسمع : أبا اليمان ، ويحيى بن صالح الوحاظي ، وسعيد بن أبي [ ص: 320 ] مريم ، ومسلم بن إبراهيم ، وعبد الغفار بن داود الحراني ، وسليمان بن حرب ، وأبا سلمة التبوذكي ، ونعيم بن حماد ، وعبد الله بن صالح ، كاتب الليث .

ومحمد بن كثير ، ومسدد بن مسرهد ، وأبا توبة الحلبي ، وعبد الله بن رجاء الغداني ، وأبا جعفر النفيلي ، وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وإسحاق بن راهويه ، وفروة بن المغراء ، وأبا بكر بن أبي شيبة ، ويحيى الحماني ، وسهل بن بكار ، وأبا الربيع الزهراني ، ومحمد بن المنهال .

والهيثم بن خارجة ، وخلقا كثيرا ، بالحرمين والشام ، ومصر والعراق ، والجزيرة وبلاد العجم .

وصنف كتابا في " الرد على بشر المريسي " وكتابا في " الرد على الجهمية " ، رويناهما .

وأخذ علم الحديث وعلله عن علي ويحيى وأحمد ، وفاق أهل زمانه ، وكان لهجا بالسنة ، بصيرا بالمناظرة .

حدث عنه : أبو عمرو : أحمد بن محمد الحيري ، ومحمد بن إبراهيم الصرام ومؤمل بن الحسين ، وأحمد بن محمد بن الأزهر ، [ ص: 321 ] ومحمد بن يوسف الهروي ، وأبو إسحاق بن ياسين ، ومحمد بن إسحاق الهروي .

وأحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي وأبوالنضر محمد بن محمد الطوسي الفقيه ، وحامد الرفاء ، وأحمد بن محمد العنبري ، وأبو الفضل يعقوب القراب ، وخلق كثير من أهل هراة ، وأهل نيسابور .

قال الحاكم : سمعت محمد بن العباس الضبي ، سمعت أبا الفضل يعقوب بن إسحاق القراب يقول : ما رأينا مثل عثمان بن سعيد ، ولا رأى عثمان مثل نفسه ، أخذ الأدب عن ابن الأعرابي ، والفقه عن أبي يعقوب البويطي ، والحديث عن ابن معين وابن المديني ، وتقدم في هذه العلوم -رحمه الله .

وقال أبو حامد الأعمشي : ما رأيت في المحدثين مثل محمد بن يحيى وعثمان بن سعيد ، ويعقوب الفسوي .

وقال أبو عبد الله بن أبي ذهل : قلت لأبي الفضل القراب : هل رأيت أفضل من عثمان بن سعيد الدارمي ؟ فأطرق ساعة ، ثم قال : نعم ، إبراهيم الحربي ، وقد كنا في مجلس الدارمي غير مرة ، ومر به الأمير عمرو بن الليث ، فسلم عليه ، فقال : وعليكم ، حدثنا مسدد . . . . ولم يزد على رد السلام .

قال ابن عبدوس الطرائفي : لما أردت الخروج إلى عثمان بن سعيد [ ص: 322 ] -يعني إلى هراة - أتيت ابن خزيمة ، فسألته أن يكتب لي إليه ، فكتب إليه ، فدخلت هراة في ربيع الأول ، سنة ثمانين ومائتين ، فأوصلته الكتاب ، فقرأه ، ورحب بي ، وسأل عن ابن خزيمة ، ثم قال : يا فتى ! متى قدمت ؟ قلت : غدا . قال : يا بني ! فارجع اليوم ، فإنك لم تقدم بعد ، حتى تقدم غدا .

قال أحمد بن محمد بن الأزهر : سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول : أتاني محمد بن الحسين السجزي ، وكان قد كتب عن يزيد بن هارون ، وجعفر بن عون ، فقال : يا أبا سعيد ! إنهم يجيئوني ، فيسألوني أن أحدثهم ، وأنا أخشى أن لا يسعني ردهم . قلت : ولم ؟ قال : لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : من سئل عن علم ، فكتمه ، ألجم بلجام من نار فقال : إنما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن علم تعلمه وأنت لا تعلمه .

قال يعقوب القراب : سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول : قد نويت أن لا أحدث عن أحد أجاب إلى خلق القرآن . قال : فتوفي قبل ذلك .

قلت : من أجاب تقية ، فلا بأس عليه ، وترك حديثه لا ينبغي .

قلت : كان عثمان الدارمي جذعا في أعين المبتدعة ، وهو الذي قام [ ص: 323 ] على محمد بن كرام وطرده عن هراة ، فيما قيل .

قال عثمان بن سعيد : من لم يجمع حديث شعبة وسفيان ومالك ، وحماد بن زيد ، وسفيان ابن عيينة ، فهو مفلس في الحديث -يريد أنه ما بلغ درجة الحفاظ .

وبلا ريب ، أن من جمع علم هؤلاء الخمسة ، وأحاط بسائر حديثهم ، وكتبه عاليا ونازلا ، وفهم علله ، فقد أحاط بشطر السنة النبوية ، بل بأكثر من ذلك ، وقد عدم في زماننا من ينهض بهذا ، وببعضه ، فنسأل الله المغفرة .

وأيضا فلو أراد أحد أن يتتبع حديث الثوري وحده ، ويكتبه بأسانيد نفسه على طولها ، ويبين صحيحه من سقيمه ، لكان يجيء " مسنده " في عشر مجلدات ، وإنما شأن المحدث اليوم الاعتناء بالدواوين الستة ، و " مسند " أحمد بن حنبل ، و " سنن " البيهقي ، وضبط متونها وأسانيدها ، ثم لا ينتفع بذلك حتى يتقي ربه ، ويدين بالحديث .

فعلى علم الحديث وعلمائه ليبك من كان باكيا ، فقد عاد الإسلام المحض غريبا كما بدأ فليسع امرؤ في فكاك رقبته من النار ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .

ثم العلم ليس هو بكثرة الرواية ، ولكنه نور يقذفه الله في القلب ، وشرطه الاتباع ، والفرار من الهوى والابتداع . وفقنا الله وإياكم لطاعته .

قال المحدث يحيى بن أحمد بن زياد الهروي ، صاحب ابن معين : [ ص: 324 ] رأيت في النوم كأن قائلا يقول : إن عثمان -يعني الدارمي - لذو حظ عظيم .

وقال محمد بن المنذر شكر : سمعت أبا زرعة الرازي ، وسألته عن عثمان بن سعيد ، فقال : ذاك رزق حسن التصنيف .

وقال أبو الفضل الجارودي : كان عثمان بن سعيد إماما يقتدى به في حياته وبعد مماته .

قال محمد بن إبراهيم الصرام : سمعت عثمان بن سعيد يقول : لا نكيف هذه الصفات ، ولا نكذب بها ، ولا نفسرها .

وبلغنا عن عثمان الدارمي ، أنه قال له رجل كبير يحسده : ماذا أنت لولا العلم ؟ فقال له : أردت شينا فصار زينا .

أخبرنا الحسن بن علي أخبرنا عبد الله بن عمر ، أخبرنا أبو الوقت السجزي ، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري ، حدثنا محمد بن أحمد الجارودي ، ويحيى بن عمار ، ومحمد بن جبريل أملوه ، وأخبرنا محمد بن عبد الرحمن .

قالوا : أخبرنا أبو يعلى أحمد بن محمد الواشقي هروي ، أخبرنا عثمان بن سعيد الدارمي ، أخبرنا يحيى الحماني ، عن ابن نمير عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل ، ولو كان حيا ثم أدرك نبوتي لاتبعني

[ ص: 325 ] هذا حديث غريب ، ومجالد ضعيف الحديث .

ومن كلام عثمان -رحمه الله- في كتاب " النقض " له : اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله -تعالى- فوق عرشه ، فوق سماواته .

قلت : أوضح شيء في هذا الباب قوله -عز وجل- : الرحمن على العرش استوى فليمر كما جاء ، كما هو معلوم من مذهب السلف ، وينهى الشخص عن المراقبة والجدال ، وتأويلات المعتزلة ، ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول .

قال يعقوب بن إسحاق : سمعت عثمان بن سعيد يقول : ما خاض في هذا الباب أحد ممن يذكر إلا سقط ، فذكر الكرابيسي فسقط حتى لا يذكر ، وكان معنا رجل حافظ بصير ، وكان سليمان بن حرب والمشايخ بالبصرة يكرمونه ، وكان صاحبي ورفيقي -يعني فتكلم فيه- فسقط .

وقال الحسن بن صاحب الشاشي : سألت أبا داود السجستاني عن عثمان بن سعيد ، فقال : منه تعلمنا الحديث .

قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن يونس : توفي عثمان الدارمي في ذي الحجة سنة ثمانين ومائتين .

وهكذا أرخه إسحاق القراب وغيره ، وما رواه أبو عبد الله الضبي عن [ ص: 326 ] شيوخه ، أنه مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين فوهم ظاهر .

أخبرنا عمر بن عبد المنعم قراءة ، عن أبي القاسم بن الحرستاني ، عن أبي نصر أحمد بن عمر الحافظ ، أخبرنا عبد الرحمن بن الأحنف ، أخبرنا إسحاق بن يعقوب القراب ، أخبرنا محمد بن الفضل المزكي ، أخبرنا محمد بن إبراهيم الصرام . . .

حدثنا عثمان بن سعيد الحافظ ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن ليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد ، عن خالد بن أبي عمران ، عن أبي عياش بن أبي مهران ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إنما قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن -عز وجل .

هذا حديث غريب جدا ، والمتن قد روي من وجوه ، وهو في " صحيح " مسلم .

قال الحاكم أبو عبد الله : والدارمي سجزي ، سكن هراة ، سمع : ابن أبي مريم ، وأبا صالح بمصر ، وابن أبي أويس بالحجاز ، وسليمان بن حرب ، ومحمد بن كثير ، وأبا سلمة بالبصرة ، وأبا غسان ، وأحمد بن يونس بالكوفة ، ويحيى بن صالح ، والربيع بن روح ، ويزيد بن عبد ربه بالشام .

التالي السابق


الخدمات العلمية