أبو زرعة القاضي
الإمام الكبير القاضي أبو زرعة ، محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة الثقفي مولاهم الدمشقي ، وكانت داره بناحية باب البريد وكان جده يهوديا فأسلم .
قل ما روى ، أخذ عنه أبو علي الحصائري وغيره .
ذكره ابن عساكر .
وكان حسن المذهب ، عفيفا ، متثبتا .
ولي قضاء الديار المصرية سنة أربع وثمانين ومائتين ، وكان شافعيا ، وولي قضاء دمشق . وقد كان قام مع الملك أحمد بن طولون ، وخلع من العهد أبا أحمد الموفق لكونه نافس المعتمد أخاه ، فقام أبو زرعة عند المنبر بدمشق قبل الجمعة ، وقال : أيها الناس ، أشهدكم أني قد خلعت أبا أحمق [ ص: 232 ] كما يخلع الخاتم من الأصبع ، فالعنوه .
ثم تمت ملحمة بالرملة بين الملك nindex.php?page=showalam&ids=15836خمارويه بن أحمد بن طولون ، وبين ابن الموفق ، فانتصر فيها أحمد بن الموفق الذي ولي الخلافة ، ولقب بالمعتضد ، فلما انتصر دخل دمشق ، وأخذ هذا ، ويزيد بن عبد الصمد ، وأبا زرعة النصري الحافظ في القيود ، ثم استحضرهم في الطريق وقال : أيكم القائل : قد نزعت أبا أحمق ؟ قال : فربت ألسنتنا ، وأيسنا من الحياة .
قال الحافظ : فأبلست ، وأما يزيد فخرس وكان تمتاما . وكان ابن عثمان أصغرنا ، فقال : أصلح الله الأمير . فقال كاتبه : قف حتى يتكلم أكبر منك . فقلت : أصلحك الله هو يتكلم عنا . قال : قل . فقال : والله ما فينا هاشمي صريح . ولا قرشي صحيح ، ولا عربي فصيح ، ولكنا قوم ملكنا - أي : قهرنا .
وروى أحاديث في السمع والطاعة ، وأحاديث في العفو والإحسان . وهو كان المتكلم بتيك اللفظة . وقال : وإني أشهد الأمير أن نسائي طوالق ، وعبيدي أحرار ، ومالي حرام إن كان في هؤلاء القوم أحد قال هذه الكلمة ، فوراءنا حرم وعيال ، وقد تسامع الخلق بهلاكنا ، وقد قدرت ، وإنما العفو بعد المقدرة . فقال لكاتبه : أطلقهم ، لا كثر الله منهم . قال : فاشتغلت أنا ويزيد في نزه أنطاكية عند nindex.php?page=showalam&ids=16547عثمان بن خرزاذ ، وسبق هو إلى حمص .
قال ابن زولاق في " تاريخ قضاة مصر " : ولي أبو زرعة ، وكان يوالي على مذهب الشافعي ويصانع عليه ، وكان عفيفا ، شديد التوقف في إنفاذ الأحكام ، وله مال كثير ، وضياع كبار بالشام ، واختلف في أمره ، فقيل : إنه كان في عهد الملك هارون بن خمارويه -متولي مصر - : أن القضاء إلى أبي [ ص: 233 ] زرعة ، فولاه القضاء . وقيل : إن المعتضد نفذ له عهدا .
قال : وكان أبو زرعة يرقي من وجع الضرس ، ويعطي الموجوع حشيشة توضع عليه فيسكن .
وكان يوفي عن الغرماء الضعفى .
وسمعت الفقيه محمد بن أحمد بن الحداد يقول : سمعت منصورا الفقيه يقول : كنت عند القاضي أبي زرعة ، فذكر الخلفاء ، فقلت : أيجوز أن يكون السفيه وكيلا ؟ قال : لا . قلت : فوليا لامرأة ؟ قال : لا . قلت : فخليفة ؟ قال : يا أبا الحسن ، هذه من مسائل الخوارج .
وكان أبو زرعة شرط لمن حفظ مختصر المزني مائة دينار . وهو الذي أدخل مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي دمشق ، وكان الغالب عليه قول الأوزاعي
وكان من الأكلة : يأكل سل مشمش وسل تين .
بقي على قضاء مصر ثمان سنين . فصرف ، ورد إلى القضاء محمد بن عبدة .
قلت : مات بدمشق سنة اثنتين وثلاثمائة .
التالي
السابق