حامد بن العباس
الوزير الكبير أبو الفضل الخراساني ثم العراقي ، كان من رجال العالم ، ذا شجاعة وإقدام ، ونقض وإبرام .
قال الصولي : تقلد أعمالا جليلة من طساسيج السواد ، ثم ضمن خراج البصرة وكور دجلة مع إشراف كسكر مدة في دولة ابن الفرات ، فكان يعمر ، ويحسن إلى الأكارين ، ويرفع المؤن حتى صار لهم كالأب ، وكثرت صدقاته ، ثم وزر وقد شاخ .
قلت : وكان قبل على نظر فارس ، وكان كثير الأموال والحشم ; بحيث صار له أربعمائة مملوك في السلاح ، تأمر منهم جماعة ، فعزل المقتدر ابن الفرات بحامد في سنة ست وثلاثمائة ، فقدم في أبهة عظيمة ، ودبر الأمور ، فظهر منه نقص في قوانين الوزارة وحدة ، فضموا إليه علي بن عيسى الوزير ، فمشى الحال . ولحامد أثر صالح في إهلاك حسين الحلاج يدل على إسلام وخير .
يقال : مولده في سنة ثلاث وعشرين ، وسمع من nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة ، وما حدث .
[ ص: 357 ] وفي سنة ثمان ضمن حامد سائر السواد ، وعسف ، وغلت الأسعار ، فثارت الغوغاء ، وهموا به ، فشد عليهم مماليكه ، فثبتوا لهم ، وعظم الخطب وقتل جماعة فاستضرت الغوغاء ، وأحرقوا الجسر ، ورجموا حامدا في الطيار .
وكان مع جبروته جوادا معطاء .
قال هاشمي كان من أوسع من رأيناه نفسا ، وأحسنهم مروءة ، وأكثرهم نعمة ، ينصب في داره عدة موائد ، ويطعم حتى العامة والخدم ، يكون نحو أربعين مائدة . رأى في دهليزه قشر باقلى ، فقال لوكيله : ما هذا ؟ قال : فعل البوابين . فسئلوا ، فقالوا : لنا جراية ولحم نؤديه إلى بيوتنا ؟ فرتب لهم . ثم رأى بعد قشورا ؛ فشاط ، وكان يسفه ، ثم رتب لهم مائدة ، وقال : لئن رأيت بعدها قشرا لأضربنك بالمقارع .
وقيل : وجد في مرحاض له أكياس فيها أربعمائة ألف دينار . كان يدخل للحاجة في كمه كيس فيلقيه ، فأخذوا في نكبته . ولما عزل حامد وابن عيسى وأعيد ابن الفرات عذب حامدا .
قال المسعودي : كان في حامد طيش ؛ كلمه إنسان ، فقلب حامد ثيابه على كتفه ، وصاح : ويلكم ! علي به . قال : ودخلت عليه أم موسى القهرمانة ، وكانت عظيمة المحل ، فخاطبته في طلب المال ، فقال : اضرطي ، والتقطي ، واحسبي لا تغلطي .
[ ص: 358 ] فخجلها ، وسمع المقتدر فضحك ، وأمر قيانه فغنين بذلك .
ولقد تجلد حامد على العذاب ، ثم نفذ إلى واسط ، فسم في بيض ، فتلف بالإسهال .
وقيل : تكلم الملأ بما فيه من الحدة وقلة الخبرة ، فعاتب المقتدر أبا القاسم الحواري ، وكان أشار به .
وقيل : أقبل حامد على مصادرة ابن الفرات ، ووقع بينه وبين شريكه ابن عيسى مشاجرات في الأموال حتى قيل : أعجب مما تراه أن وزيرين في بلاد هذا سواد بلا وزير وذا وزير بلا سواد ثم عذب حامد المحسن -ولد ابن الفرات - ، وأخذ منه ألف ألف دينار ، ثم صار أعباء الوزارة إلى ابن عيسى ، وبقي حامد كالبطال إلا من الاسم وركوب الموكب ، وبان للمقتدر ذلك ، فأفرد ابن عيسى بالأمر ، واستأذن حامد في ضمان أصبهان وغيرها ، فأذن له ، وقيل : صار الوزير عاملا لكاتبه يأمل أن يرفق في مطالبه ليستدر النفع من مكاسبه قال التنوخي : حدثني أبو عبد الله الصيرفي ، حدثني أبو علي التاجر ، قال : ركب حامد بواسط إلى بستانه ، فرأى شيخا يولول وحوله عائلة ، قد احترق بيته ، فرق له ، وقال لوكيله : أريد منك أن لا أرجع العشية إلا وداره جديدة بآلاتها ، وقماشها ، فبادر وطلب الصناع وصب الدراهم ، ففرغت العصر ، فرد [ ص: 359 ] العتمة ، فوجدها مفروغة ، وضجوا له بالدعاء ، وزاد رأس مال صاحبها خمسة آلاف درهم .
وقيل : إن تاجرا أخذ خبزا بدرهم ليتصدق به بواسط ، فما رأى فقيرا يعطيه ، فقال له الخباز : لا تجد أحدا ; لأن جميع الضعفاء في جراية حامد .
قال الصولي : وكان كثير المزاح ، سخيا ، وكان لا يرغب في استماع الشعر ، وكان إذا خولف في أمر يصيح ويحرد ، فمن داراه انتفع به .
قال نفطويه : سمعته يقول : قيل لبعض المجانين : في كم يتجنن الرجل؟ فقال : ذاك إلى صبيان المحلة .
وكان ثالث يوم من وزارته قد ناظر ابن الفرات ، وجبهه ، وأفحش له ، وجذب بلحيته ، وعذب أصحابه ، فلما انعكس الدست ، وعزل بابن الفرات ، تنمر له ابن الفرات ، ووبخه على فعاله ، فقال : إن كان ما استعملته فيكم أثمر لي خيرا فزيدوا منه ، وإن كان قبيحا وصيرني إلى التحكم في ، فالسعيد من وعظ بغيره .
قال الصولي : فسلم حامد إلى المحسن ، فعذبه بألوان العذاب ، وكان إذا شرب أخرجه وألبسه جلد قرد ، ويرقص فيصفع ، وفعل به ما يستحيى من ذكره ، ثم أحدر إلى واسط ، فسقي ، وصلى الناس على قبره أياما .
قال أحمد بن كامل : توفي بواسط ، ثم بعد أيام ابن الفرات نقل فدفن ببغداد . وسمعته يقول : ولدت سنة ثلاث وعشرين ، وأبي من الشهاردة .
قلت : موته كان في رمضان سنة إحدى عشرة وثلاثمائة .
التالي
السابق