[ ص: 152 ] القائم
صاحب المغرب أبو القاسم محمد بن المهدي عبيد الله .
مولده
بسلمية في سنة ثمان وسبعين ومائتين .
ودخل
المغرب مع أبيه ، فبويع هذا عند موت أبيه في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة .
وكان مهيبا شجاعا ، قليل الخير ، فاسد العقيدة .
خرج عليه في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة
أبو يزيد مخلد بن كيداد البربري ، وجرت بينهما ملاحم ، وحصره
مخلد بالمهدية ، وضيق عليه ، واستولى على بلاده ثم وسوس
القائم ، واختلط وزال عقله ، وكان شيطانا مريدا يتزندق .
ذكر
القاضي عبد الجبار المتكلم أن
القائم أظهر سب الأنبياء ، وكان مناديه يصيح : العنوا الغار وما حوى . وأباد عدة من العلماء ، وكان يراسل
قرامطة البحرين ، ويأمرهم بإحراق المساجد والمصاحف ، فتجمعت
[ ص: 153 ] الإباضية والبربر على
مخلد ، وأقبل -وكان ناسكا قصير الدلق - يركب حمارا لكنهم خوارج ، وقام معه خلق من السنة والصلحاء ، وكاد أن يتملك العالم ، وركزت بنودهم عند جامع
القيروان فيها : لا إله إلا الله ، لا حكم إلا لله . وبندان أصفران فيهما : نصر من الله وفتح قريب . وبند
لمخلد فيه : اللهم انصر وليك على من سب نبيك . وخطبهم
أحمد بن أبي الوليد فحض على الجهاد ، ثم ساروا ، ونازلوا
المهدية .
ولما التقوا ، وأيقن
مخلد بالنصر ، تحركت نفسه الخارجية ، وقال لأصحابه : انكشفوا عن
أهل القيروان حتى ينال منهم عدوهم . ففعلوا ذلك ، فاستشهد خمسة وثمانون نفسا من العلماء والزهاد .
وخوارج المغرب إباضية منسوبون إلى
عبد الله بن يحيى بن إباض الذي خرج في أيام
مروان الحمار وانتشر أتباعه
بالمغرب ، يقول : أفعالنا مخلوقة لنا . ويكفر بالكبائر ، ويقول : ليس في القرآن خصوص ، ومن خالفه حل دمه .
[ ص: 154 ] نعم ، وكان
القائم يسمى -أيضا-
نزارا ولما أخذ أكثر بلاد
مصر في سنة سبع وثلاثمائة انتدب لحربه جيش
المقتدر ، عليهم
مؤنس ، فالتقى الجمعان ، فكانت وقعة مشهورة ، ثم تقهقر
القائم إلى
المغرب ، ووقع في جيشه الغلاء والوباء ، وفي خيلهم ، وتبعه أياما جيش
المقتدر .
وكان موت
القائم في شوال سنة أربع وثلاثين محصورا
بالمهدية . لكن قام بعده ابنه
المنصور .
وقد أجمع علماء
المغرب على محاربة
آل عبيد لما شهروه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه ، وقد رأيت في ذلك تواريخ عدة يصدق بعضها بعضا .
وعوتب بعض العلماء في الخروج مع
أبي يزيد الخارجي ، فقال : وكيف لا أخرج وقد سمعت الكفر بأذني ؟ حضرت عقدا فيه جمع من سنة ومشارقة ، وفيهم
أبو قضاعة الداعي . فجاء رئيس ، فقال كبير منهم : إلى هنا يا سيدي ارتفع إلى جانب رسول الله -يعني :
أبا قضاعة - ، فما نطق أحد .
ووجد بخط فقيه قال : في رجب سنة 331 قام
المكوكب يقذف الصحابة ، ويطعن على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلقت رءوس حمير وكباش على الحوانيت ، كتب عليها أنها رءوس صحابة .
[ ص: 155 ] وخرج
أبو إسحاق الفقيه مع
أبي يزيد ، وقال : هم أهل القبلة ، وأولئك ليسوا أهل قبلة . وهم بنو عدو الله ، فإن ظفرنا بهم لم ندخل تحت طاعة
أبي يزيد ; لأنه خارجي .
قال
أبو ميسرة الضرير أدخلني الله في شفاعة أسود رمى هؤلاء القوم بحجر .
وقال
السبائي : إي والله ، نجد في قتل المبدل للدين .
وتسارع الفقهاء والعباد في أهبة كاملة بالطبول والبنود ، وخطبهم في الجمعة
أحمد بن أبي الوليد ، وحرضهم . وقال : جاهدوا من كفر بالله وزعم أنه رب من دون الله ، وغير أحكام الله ، وسب نبيه وأصحاب نبيه . فبكى الناس بكاء شديدا .
وقال : اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف
بابن عبيد الله المدعي الربوبية ، جاحد لنعمتك ، كافر بربوبيتك ، طاعن على رسلك ، مكذب
بمحمد نبيك ، سافك للدماء ، فالعنه لعنا وبيلا ، واخزه خزيا طويلا ، واغضب عليه بكرة وأصيلا . ثم نزل فصلى بهم الجمعة .
وركب
ربيع القطان فرسه ملبسا ، وفي عنقه المصحف ، وحوله
[ ص: 156 ] جمع كبير ، وهو يتلو آيات جهاد الكفرة ، فاستشهد
ربيع في خلق من الناس يوم المصاف في صفر سنة أربع وثلاثين ، وكان غرض هؤلاء
المجوس بني عبيد أخذه حيا ليعذبوه .
قال
أبو الحسن القابسي : استشهد معه فضلاء ، وأئمة وعباد .
وقال بعض الشعراء في
بني عبيد :
الماكر الغادر الغاوي لشيعته شر الزنادق من صحب وتباع
العابدين إذا عجلا يخاطبهم بسحر هاروت من كفر وإبداع
لو قيل للروم : أنتم مثلهم ، لبكوا أو لليهود لسدوا صمخ أسماع
.