صفحة جزء
ابن الداعي

الكبير الرئيس المعظم الشريف أبو عبد الله ، محمد بن الحسن [ ص: 115 ] ابن القاسم بن الحسن العلوي الديلمي المولد .

ولد سنة أربع وثلاثمائة وحج في سنة بضع وثلاثين .

برع في الرأي على الإمام أبي الحسن الكرخي ، وأخذ علم الكلام عن حسين بن علي البصري ، وأفتى ودرس ، وولي نقابة الطالبيين في دولة بني بويه ، فعدل وحمد ، وكان معز الدولة يبالغ في تعظيمه ، وتقبيل يده ، لعبادته وهيبته ، وكان فيه تشيع بلا غلو .

قال أبو علي التنوخي : حدثنا أبو الحسن بن الأزرق قال : كنت بحضرة الإمام أبي عبد الله بن الداعي ، فسأله أبو الحسن المعتزلي عما يقوله في طلحة والزبير ، فقال : أعتقد أنهما من أهل الجنة ، قال : ما الحجة ؟ قال : قد رويت توبتهما ، والذي هو عمدتي أن الله بشرهما بالجنة ، قال : فما تنكر على من زعم أنه - عليه السلام - قال : إنهما من أهل الجنة ومقالته : فلو ماتا لكانا في الجنة ، فلما أحدثا زال ذلك ، قال : هذا لا يلزم ، وذلك أن نقل المسلمين أن بشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - سبقت لهما ، فوجب أن تكون موافاتهما القيامة على عمل يوجب لهما الجنة وإلا لم يكن ذلك بشارة ، فدعا له المعتزلي واستحسن ذلك ، ثم قال : ومحال أن يعتقد هذا فيهما ، ولا يعتقد مثله في أبي بكر وعمر ، إذ البشارة للعشرة .

قال أبو علي التنوخي : رأيت في مجلس أبي عبد الله ، وقد جاءه رجل بفتوى فيمن حلف فطلق امرأته ثلاثا معا ، فقال له : تريد أن أفتيك بما [ ص: 116 ] عندي وعند أهل البيت أو بما يحكيه غيرنا عن أهل البيت ؟ فقال : أريد الجميع ، قال : أما عندي وعندهم فقد بانت ، ولا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك .

قال التنوخي : ولم يزل أبو عبد الله ببغداد ، وبايعه جماعة على الإمامة ، فلم يقدر على الخروج ، فلما كان في سنة 353 سار معز الدولة إلى الموصل لحرب ابن حمدان ، فوجد أبو عبد الله فرصة ، فركب يوما إلى عز الدولة ، فخوطب في مجلسه - بسبب خلاف بين شريفين - خطابا ظاهرا استقصاء لفعله ، فتألم وخرج مغضبا ، ثم أصلح أمره ، ورتب قوما بخيل خارج بغداد ، وأظهر أنه عليل ، وحجب عنه الناس ، ثم تسحب خفية بابنه الكبير وعليه جبة صوف ، وفي صدره مصحف وسيف ، فلحق بهوسم من بلاد الديلم ، فأطاعته الديلم ، وكان أعجمي اللسان ، وأمه منهم وتلقب بالمهدي ، وكانت أعلامه من حرير أبيض ، فيها : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وأذنابها خضر ، فأقام العدل وتقشف ، وقنع بالقوت ، وقيل : إنه قال لقواده : أنا على ما ترون ، فمتى غيرت أو ادخرت درهما ، فأنتم في حل من بيعتي ، وكان يعظ ويعلمهم ، ويحث على الجهاد ، ويكتب إلى الأطراف ليبايعوه ، وكاتب ركن الدولة ، ومعز الدولة في ذلك ، فأجابه ركن الدولة بالإمامة ، واعتذر من ترك نصرته ، ولم يتلقب بإمرة المؤمنين ، بل بالإمام المهدي .

قلت : كان يمتنع من الترحم على معاوية رضي الله عنه ، ولا يشتم الصحابة .

التالي السابق


الخدمات العلمية