صفحة جزء
[ ص: 442 ] ابن كلس

وزير المعز والعزيز أبو الفرج ، يعقوب بن يوسف بن إبراهيم بن هارون بن داود بن كلس البغدادي الذي كان يهوديا فأسلم .

كان داهية ، ماكرا ، فطنا ، سائسا ، من رجال العالم .

سافر إلى الرملة ، وتوكل للتجار ، فانكسر عليه جملة ، وتعثر ، فهرب إلى مصر ، وجرت له أمور طويلة ، فرأى منه صاحب مصر كافور الخادم فطنة وخبرة بالأمور ، وطمع هو في الترقي فأسلم يوم جمعة ، ثم فهم مقاصده الوزير ابن حنزابة فعمل عليه ، ففر منه إلى المغرب ، وتوصل بيهود كانوا في باب المعز العبيدي ، فنفق على المعز ، وكشف له أمورا ، وحسن له تملك البلاد ، ثم جاء في صحبته إلى مصر ، وقد عظم أمره . ولما ولي العزيز سنة خمس وستين استوزره ، فاستمر في رفعة وتمكن ، إلى أن مات .

وكان عالي الهمة ، عظيم الهيبة . حسن المداراة .

مرض فنزل إليه العزيز يعوده ، وقال : يا يعقوب وددت أنك تباع فأشتريك من الموت بملكي ، فهل من حاجة ؟ فبكى وقبل يده ، وقال : أما لنفسي فلا ، ولكن فيما يتعلق بك ، سالم الروم ما سالموك ، واقنع من بني حمدان بالدعوة والسكة ، ولا تبق على المفرج بن دغفل متى قدرت . ثم مات ، فدفنه العزيز في القصر في قبة أنشأها العزيز لنفسه ، وألحده بيده ، [ ص: 443 ] وجزع لفقده .

ويقال : إنه كان حسن إسلامه مع دخوله في الرفض ، وقرأ القرآن والنحو ، وكان يحضر عنده العلماء ، وتقرأ عليه تواليفه ليلة الجمعة ، وله حب زائد في العلوم ، على اختلافها .

وقد مدحه عدة من الشعراء ، وكان جوادا ممدحا .

وصنف كتابا في فقه الشيعة مما سمعه من المعز ، ومن العزيز ، ثم سمعه من لفظه خلق في مجلس عام ، وجلس جماعة من العلماء يفتون في جامع مصر بما في ذلك التصنيف الذميم .

وقد كان العزيز تنمر عليه في سنة ثلاث وسبعين ، وسجنه شهورا ، ثم رضي عنه ، واحتاج إليه فرده إلى المنصب .

وكان معلومه في السنة مائتي ألف دينار . ولما مات وجد له من المماليك ، والجند والخدم ، أربعة آلاف مملوك ، وبعضهم أمراء .

ويقال : إنه كفن وحنط بما يساوي عشرة آلاف مثقال .

وقال العزيز وهو يبكي : واطول أسفي عليك يا وزير .

مات في ذي القعدة سنة ثمانين وثلاثمائة وله اثنتان وستون سنة ، وخلف من الذهب والجوهر والمتاع ما لا يوصف كثرة ، ولا ريب أن ملك مصر في ذاك العصر ، كان أعظم بكثير من خلفاء بني العباس ، كما الآن صاحب مصر أعلى ملوك الطوائف رتبة ومملكة .

[ ص: 444 ] وقيل : ما برح يعقوب في صحبة كافور حتى مات .

أسلم يعقوب في سنة ست وخمسين ، ولزم الخير والصلاة ، ثم قبض عليه ابن حنزابة فبذل له مالا ، فأطلقه .

تولى الوزارة سنة ثمان وستين ، فكان من أنبل الوزراء ، وأحشمهم ، وأكرمهم ، وأحلمهم .

قال العلوي : رأيت يعقوب عند كافور ، فلما راح ، قال لي : أي وزير بين جنبيه ؟ ! .

التالي السابق


الخدمات العلمية