[ ص: 190 ] ابن الباقلاني
الإمام العلامة ، أوحد المتكلمين ، مقدم الأصوليين ، القاضي
أبو بكر ، محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم ، البصري ، ثم البغدادي ، ابن الباقلاني ، صاحب التصانيف ، وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه .
سمع
أبا بكر أحمد بن جعفر القطيعي ،
وأبا محمد بن ماسي ، وطائفة .
وخرج له
أبو الفتح بن أبي الفوارس .
وكان ثقة إماما بارعا ، صنف في الرد على
الرافضة والمعتزلة ،
والخوارج والجهمية والكرامية ، وانتصر لطريقة
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبي الحسن الأشعري ، وقد يخالفه في مضائق ، فإنه من نظرائه ، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه .
وقد ذكره
القاضي عياض في " طبقات المالكية " فقال : هو الملقب بسيف السنة ، ولسان الأمة ، المتكلم على لسان أهل الحديث ،
[ ص: 191 ] وطريق
أبي الحسن ، وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته ، وكان له بجامع
البصرة حلقة عظيمة .
حدث عنه : الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=12002أبو ذر الهروي ،
وأبو جعفر محمد بن أحمد السمناني ، وقاضي
الموصل ،
والحسين بن حاتم الأصولي .
قال
أبو بكر الخطيب كان ورده في كل ليلة عشرين ترويحة في الحضر والسفر ، فإذا فرغ منها ، كتب خمسا وثلاثين ورقة من تصنيفه . سمعت
أبا الفرج محمد بن عمران يقول ذلك . وسمعت
علي بن محمد الحربي يقول : جميع ما كان يذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12604أبو بكر بن الباقلاني من الخلاف بين الناس صنفه من حفظه ، وما صنف أحد خلافا إلا احتاج أن يطالع كتب المخالفين ، سوى
ابن الباقلاني .
قلت : أخذ
القاضي أبو بكر المعقول عن
أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد الطائي صاحب
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبي الحسن الأشعري .
وقد سار القاضي رسولا عن أمير المؤمنين إلى طاغية
الروم ، وجرت له أمور ، منها أن الملك أدخله عليه من باب خوخة ليدخل راكعا للملك ، ففطن لها القاضي ، ودخل بظهره .
ومنها أنه قال لراهبهم : كيف الأهل والأولاد ؟ فقال الملك : مه ! أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا ؟ فقال : تنزهونه عن هذا ، ولا تنزهون رب
[ ص: 192 ] العالمين عن الصاحبة والولد !
وقيل : إن الطاغية سأله : كيف جرى لزوجة نبيكم ؟ -يقصد توبيخا- فقال : كما جرى
لمريم بنت عمران ، وبرأهما الله ، لكن
عائشة لم تأت بولد . فأفحمه .
قال
الخطيب سمعت
أبا بكر الخوارزمي يقول : كل مصنف
ببغداد إنما ينقل من كتب الناس سوى
القاضي أبي بكر ، فإنما صدره يحوي علمه وعلم الناس .
وقال
أبو محمد البافي : لو أوصى رجل بثلث ماله لأفصح الناس لوجب أن يدفع إلى
أبي بكر الأشعري .
قال
أبو حاتم محمود بن الحسين القزويني : كان ما يضمره
القاضي أبو بكر الأشعري من الورع والدين أضعاف ما كان يظهره ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنما أظهر ما أظهره غيظا
لليهود والنصارى ،
والمعتزلة والرافضة ، لئلا يستحقروا علماء الحق .
وعمل بعضهم في موت القاضي :
انظر إلى جبل تمشي الرجال به وانظر إلى القبر ما يحوي من الصلف وانظر إلى صارم الإسلام منغمدا
وانظر إلى درة الإسلام في الصدف
[ ص: 193 ]
مات في ذي القعدة ، سنة ثلاث وأربعمائة ، وصلى عليه ابنه
حسن ، وكانت جنازته مشهودة ، وكان سيفا على
المعتزلة والرافضة والمشبهة ، وغالب قواعده على السنة ، وقد أمر شيخ الحنابلة
أبو الفضل التميمي مناديا يقول بين يدي جنازته : هذا ناصر السنة والدين ، والذاب عن الشريعة ، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة . ثم كان يزور قبره كل جمعة .
قيل : ناظر
أبو بكر أبا سعيد الهاروني ، فأسهب ، ووسع العبارة ، ثم قال للجماعة : إن أعاد ما قلت ، قنعت به عن الجواب . فقال
الهاروني : بل إن أعاد ما قاله ، سلمت له .