[ ص: 545 ] أبو عمران الفاسي
الإمام الكبير ، العلامة ، عالم القيروان ، أبو عمران ; موسى بن عيسى بن أبي حاج يحج ، البربري ، الغفجومي الزناتي ، الفاسي المالكي ، أحد الأعلام .
تفقه
بأبي الحسن القابسي ، وهو أكبر تلامذته ، ودخل إلى
الأندلس ، فتفقه
بأبي محمد الأصيلي . وسمع من
عبد الوارث بن سفيان ،
وسعيد بن نصر ،
وأحمد بن القاسم التاهرتي .
قال
أبو عمر بن عبد البر : كان صاحبي عندهم ، وأنا دللته عليهم .
قلت : حج غير مرة ، وأخذ القراءات
ببغداد عن
أبي الحسن الحمامي ، وغيره ، وسمع من
أبي الفتح بن أبي الفوارس ، والموجودين ، وأخذ علم العقليات عن
القاضي أبي بكر بن الباقلاني في سنة تسع وتسعين وسنة أربعمائة .
[ ص: 546 ]
قال
حاتم بن محمد : كان
أبو عمران من أعلم الناس وأحفظهم ، جمع حفظ الفقه إلى الحديث ومعرفة معانيه ، وكان يقرأ القراءات ويجودها ، ويعرف الرجال والجرح والتعديل ، أخذ عنه الناس من أقطار المغرب ، لم ألق أحدا أوسع علما منه ، ولا أكثر رواية .
قال
ابن بشكوال أقرأ الناس
بالقيروان ، ثم ترك ذلك ، ودرس الفقه ، وروى الحديث .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : ولدت مع
أبي عمران في سنة ثمان وستين وثلاثمائة .
قال
أبو عمرو الداني : توفي في ثالث عشر رمضان سنة ثلاثين وأربعمائة .
قلت : تخرج بهذا الإمام خلق من الفقهاء والعلماء . وحكى
القاضي عياض قال : حدث في
القيروان مسألة في الكفار ; هل يعرفون الله تعالى أم لا ؟ فوقع فيها اختلاف العلماء ، ووقعت في ألسنة العامة ، وكثر المراء ، واقتتلوا في الأسواق إلى أن ذهبوا إلى
أبي عمران الفاسي ، فقال : إن أنصتم ، علمتكم . قالوا : نعم . قال : لا يكلمني إلا رجل ، ويسمع الباقون . فنصبوا واحدا ، فقال له : أرأيت لو لقيت رجلا ،
[ ص: 547 ] فقلت له : أتعرف
أبا عمران الفاسي ؟ قال : نعم . فقلت له : صفه لي . قال : هو بقال في سوق كذا ، ويسكن سبتة ، أكان يعرفني ؟ فقال : لا . فقال : لو لقيت آخر فسألته كما سألت الأول ، فقال أعرفه ، يدرس العلم ، ويفتي ، ويسكن بغرب
الشماط أكان يعرفني ؟ قال : نعم . قال : فكذلك الكافر قال : لربه صاحبة وولد ، وأنه جسم ، فلم يعرف الله ولا وصفه بصفته بخلاف المؤمن . فقالوا : شفيتنا . ودعوا له ، ولم يخوضوا بعد في المسألة .
قلت : المشركون والكتابيون وغيرهم عرفوا الله تعالى بمعنى أنهم لم يجحدوه ، وعرفوا أنه خالقهم ، قال تعالى :
ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله وقال :
قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض فهؤلاء لم ينكروا البارئ ، ولا جحدوا الصانع ، بل عرفوه ، وإنما جهلوا نعوته المقدسة ، وقالوا عليه ما لا يعلمون ، والمؤمن يعرف ربه بصفات الكمال ، ونفى عنه سمات النقص في الجملة ، وآمن بربه ، وكف عما لا يعلم ، فبهذا يتبين لك أن الكافر عرف الله من وجه ، وجهله من وجوه ، والنبيون عرفوا الله تعالى ، وبعضهم أكمل معرفة لله ، والأولياء عرفوه معرفة جيدة ، ولكنها دون معرفة الأنبياء ، ثم المؤمنون العالمون بعدهم ، ثم الصالحون دونهم . فالناس في معرفة ربهم متفاوتون ، كما أن إيمانهم يزيد وينقص ، بل وكذلك الأمة في الإيمان بنبيهم والمعرفة له على مراتب ، فأرفعهم في ذلك
أبو بكر الصديق مثلا ، ثم عدد
[ ص: 548 ] من السابقين ، ثم سائر الصحابة ، ثم علماء التابعين ، إلى أن تنتهي المعرفة به والإيمان به إلى أعرابي جاهل وامرأة من نساء القرى ، ودون ذلك . وكذلك القول في معرفة الناس لدين الإسلام .