الصليحي
صاحب
اليمن كان أبوه من قضاة
اليمن ، وهو الملك أبو الحسن علي بن القاضي محمد بن علي .
دار به داعي
الباطنية عامر الزواخي حتى أجابه وهو حدث ، فتفرس به
عامر النجابة ، وقيل : ظفر بحليته في كتاب " الصور " ، فأطلعه على ذلك ، وشوقه ، وأسر إليه أمورا ، ثم لم ينشب
عامر أن هلك ، فأوصى بكتبه
لعلي ،
[ ص: 360 ] فعكف على الدرس والمطالعة ، وفقه وتميز في رأي
العبيدية ، ومهر في تأويلاتهم ، وقلبهم للحقائق . وهو القائل :
أنكحت بيض الهند سمر رماحهم فرءوسهم عوض النثار نثار وكذا العلى لا يستباح نكاحها
إلا بحيث تطلق الأعمار
ثم صار يحج بالناس على طريق السراة خمس عشرة سنة ، وكان الناس يقولون له : ستملك
اليمن بأسره . فينكر على القائل ، فلما كان في سنة تسع وعشرين وأربعمائة ، ثار بجبل مشار في ستين رجلا ، فأووا إلى ذروة شاهق ، فما أمسوا حتى أحاط بهم عشرون ألفا ، وقالوا : انزل وإلا قتلناكم جوعا وعطشا . قال : ما فعلت هذا إلا خوفا أن يملكه غيرنا ، وإن تركتمونا نحرسه ، وإلا نزلنا إليكم . وخدعهم ، فانصرفوا ، فلم يمض عليه أشهر حتى بناه وحصنه ولحق به كل طماع وذي جلادة ، وكثروا ، فاستفحل أمره ، وأظهر الدعوة لصاحب
مصر المستنصر ، وكان يخاف من نجاح صاحب
تهامة ، ويلاطفه ، ويتحيل عليه ، حتى سقاه مع جارية مليحة أهداها له ، واستولى على الممالك اليمنية في سنة خمس وخمسين وأربعمائة ، وخطب على منبر الجند فقال : وفي مثل هذا اليوم نخطب على منبر
عدن . فقال رجل :
[ ص: 361 ] سبوح قدوس ، يستهزئ بقوله ، فأمر بأخذه فاتفق أنه أخذ
عدن ، وخطب ، وصيرها دار ملكه ، وأنشأ عدة قصور أنيقة ، وأسر ملوكا ، وامتدت أيامه ، ثم حج ، وأحسن إلى أهل
مكة .
وكان أشقر أزرق ، يسلم على من مر عليه ، وكان ذا ذكاء ودهاء ، كسا
الكعبة البياض ، وخطب لزوجته أيضا معه على المنابر ، وكان فرسه بألف دينار ، ويركب بالعصائب ، وتركب الحرة في مائتي جارية في الحلي والحلل ومعها الجنائب بسروج الذهب ، ثم إنه حج في سنة ثلاث وسبعين ، واستخلف على
اليمن ابنه
أحمد الملك المكرم ، فلما نزل
بالمهجم وثب عليه
جياش بن نجاح وأخوه
سعيد الأحول ، فقتلاه بأبيهما ، وكانا قد خرجا في سبعين نفسا بلا سلاح ، بل مع كل واحد جريدة في رأسها زج ، وساروا نحو الساحل ، فجهز لحربهم خمسة آلاف ، فاختلفوا في الطريق ، ووصل السبعون إلى منزلة
الصليحي ، وقد أخذ منهم التعب والحفاء ، فظنهم الناس من عبيد العسكر ، فشعر بهم أخو
الصليحي ، فدخل مخيمه وقال : اركب فهذا الأحول سعيد . فقال
الصليحي : لا أموت إلا
بالدهيم . فقال رجل : قاتل عن نفسك ، فهذا والله
الدهيم . فلحقه زمع الموت ، وبال ، وما برح حتى قطع رأسه بسيفه ، وقتل أخوه
عبد الله وأقاربه ، وذلك في ذي القعدة من سنة
[ ص: 362 ] ثلاث والتف أكثر العسكر على
ابن نجاح ، وتملك ، ورفع رأس
الصليحي على قناة ، وتملك
ابن نجاح مدائن ، وجرت أمور إلى أن دبرت
الحرة على قتله بعد ثمانية أعوام ، فقتل .
وحدثني
تاج الدين عبد الباقي النحوي في " تاريخه " قال : احتضر رأس الدعاة ، فأعطى
الصليحي ما جمع من الأموال ، فأقام يعمل الحيل ، ثم صعد جبلا في جمع ، وبناه حصنا ، وحارب ، وأمره يستفحل ، ثم اقتفاه
ابن أبي حاشد متولي
صنعاء ، فقتل وقتل معه ألف ، وتملك
الصليحي صنعاء ، وطوى
اليمن سهلا وجبلا ، واستقر ملكه لجميع
اليمن من
مكة إلى
حضرموت إلى أن قتله
سعيد ، وأخذ بثأر أبيه
نجاح ، ودام ملك ولده
المكرم على شطر
اليمن مدة ، وحارب
ابن نجاح غير مرة إلى أن مات سنة أربع وثمانين فتملك بعده ابن عمه
سبأ بن أحمد إلى سنة خمس وتسعين ، وصار الملك إلى
آل نجاح مدة .