صفحة جزء
20 يوسف بن أيوب

بن يوسف بن حسين بن وهرة الإمام العالم الفقيه ، القدوة العارف التقي ، شيخ الإسلام أبو يعقوب الهمذاني الصوفي ، شيخ مرو .

ولد في حدود سنة أربعين وأربعمائة .

وقدم بغداد شابا أمرد ، وسمع من أبي جعفر بن المسلمة ، وعبد الصمد بن المأمون ، وابن المهتدي بالله ، وأبي بكر الخطيب ، وابن هزارمرد ، وابن النقور ، وعدة ، وسمع بأصبهان من حمد بن ولكيز ، وطائفة ، وببخارى من أبي الخطاب محمد بن إبراهيم الطبري ، وبسمرقند من أحمد بن محمد بن الفضل الفارسي .

وكتب الكثير ، وعني بالحديث ، وأكثر الترحال ، لكن تفرقت أجزاؤه [ ص: 67 ] بين الكتب ، فما كان يتفرغ لإخراجها ، كان مشغولا بالعبادة ، من أولياء الله .

قال أبو سعد السمعاني : هو الإمام الورع التقي الناسك ، العامل بعلمه ، والقائم بحقه ، صاحب الأحوال والمقامات ، انتهت إليه تربية المريدين الصادقين ، واجتمع في رباطه جماعة من المنقطعين إلى الله ما لا يتصور أن يكون في غيره من الربط مثلهم ، وكان عمره على طريقة مرضية ، وسداد واستقامة ، سار من قريته إلى بغداد ، وقصد الشيخ أبا إسحاق ، فتفقه عليه ، ولازمه مدة ، حتى برع ، وفاق أقرانه ، خصوصا في علم النظر ، وكان أبو إسحاق يقدمه على عدة مع صغر سنه ، لعلمه بحسن سيرته وزهده ، ثم ترك كل ما كان فيه من المناظرة ، واشتغل بالعبادة ودعوة الخلق وإرشاد الأصحاب ، أخرج لنا أكثر من عشرين جزءا سمعناها .

وقد قدم بغداد في سنة ست وخمس مائة ، وظهر له قبول تام ، ووعظ ، وازدحموا عليه ، ثم رجع ، وسكن مرو ، ثم سار إلى هراة ، وأقام بها مدة ، ثم رجع إلى مرو ، ثم سار إلى هراة ثانيا فتوفي في الطريق بقرب بغشور سمعت صافي بن عبد الله الصوفي يقول : حضرت مجلس يوسف في النظامية ، فقام ابن السقاء ، فآذى الشيخ ، وسأله عن مسألة ، فقال : اجلس ، إني أجد من كلامك رائحة الكفر ، ولعلك تموت على غير الإسلام .

فاتفق أن ابن السقاء [ ص: 68 ] ذهب في صحبة رسول طاغية الروم ، وتنصر بقسطنطينية ، وسمعت من أثق به أن ابني أبي بكر الشاشي قاما في مجلس وعظه ، وقالا له : إن كنت تنتحل مذهب الأشعري وإلا فانزل . فقال : اقعدا لا متعتما بشبابكما ، فسمعت جماعة أنهما ماتا قبل أن يتكهلا . وسمعت السيد إسماعيل بن عوض العلوي ، سمعت يوسف بن أيوب يقول للفصيح -وكان من أصحابه ، فخرج عليه ، ورماه بأشياء- : هذا الرجل يقتل ، وسترون ذلك . فكان كما جرى على لسانه .

وقال جدي أبو المظفر السمعاني : ما قدم علينا من العراق مثل يوسف الهمذاني ، وقد تكلم معه في مسألة البيع الفاسد ، فجرى بينهما سبعة عشر مجلسا في المسألة . . .

إلى أن قال أبو سعد : سمعت يوسف الإمام يقول : خلوت نوبا عدة ، كل نوبة أكثر من خمس سنين وأقل ، وما كان يخرج حب المناظرة والخلاف من قلبي ، إلى أن وصلت إلى فلان السمناني ، فلما رأيته ، خرج جميع ذلك من قلبي ، كانت المناظرة تقطع علي الطريق .

سئل أبو الحسين المقدسي : هل رأيت وليا لله ؟ قال : رأيت في سياحتي أعجميا بمرو يعظ ، ويدعو إلى الله ، يقال له : يوسف .

قال أبو سعد : ولما عزمت على الرحلة ، دخلت على شيخنا يوسف مودعا ، فصوب عزمي ، وقال : أوصيك : لا تدخل على السلاطين ، وأبصر ما تأكل لا يكون حراما .

قلت : وروى عنه أبو القاسم بن عساكر ، وأبو روح عبد المعز ، وجماعة .

[ ص: 69 ] مات في ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وخمس مائة وله بضع وتسعون سنة -رحمه الله .

وأما ابن السقاء المذكور ، فقال ابن النجار : سمعت عبد الوهاب بن أحمد المقرئ يقول : كان ابن السقاء مقرئا مجودا ، حدثني من رآه بالقسطنطينية مريضا على دكة ، فسألته : هل القرآن باق على حفظك ؟ قال : ما أذكر منه إلا آية واحدة : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين [ الحجر : 3 ] والباقي نسيته .

التالي السابق


الخدمات العلمية