المقتفي لأمر الله
أمير المؤمنين أبو عبد الله ، محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر ، الهاشمي العباسي البغدادي الحبشي الأم .
مولده في ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربعمائة .
وسمع من
أبي الحسن بن العلاف ، ومن مؤدبه
أبي البركات السيبي .
وبويع بالإمامة في سادس عشر ذي القعدة سنة ثلاثين وخمسمائة .
قال
السمعاني : وأظنه سمع جزء
ابن عرفة من
ابن بيان ، كتبت إليه قصة أسأله الإنعام بالإذن في السماع منه ، فأنعم ، وفتش على الجزء ، ونفذه إلي على يد إمامه
ابن الجواليقي ، فسمعته من
ابن الجواليقي عنه ،
[ ص: 400 ] حدثنا
أبو منصور بن الجواليقي ، أخبرنا
المقتفي لأمر الله . . . . فذكر حديثا . قرأته على
الأبرقوهي ، أخبرنا
أبو علي بن الجواليقي ، أخبرنا
الوزير عون الدين ، أخبرنا
المقتفي ، أخبرنا
أحمد بن عبد الوهاب ، أخبرنا
أبو محمد الصريفيني ، أخبرنا
أبو طاهر المخلص ، أخبرنا
إسماعيل الوراق ، حدثنا
حفص الربالي ، حدثنا
أبو سحيم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16377عبد العزيز بن صهيب ، عن
أنس ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
nindex.php?page=hadith&LINKID=881632لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا الناس إلا شحا ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس .
وأنبأناه جماعة سمعوه من
أبي اليمن الكندي ، أخبرنا
أبو الفتح البيضاوي ، أخبرنا
الصريفيني .
كان
المقتفي عاقلا لبيبا ، عاملا مهيبا ، صارما ، جوادا ، محبا للحديث والعلم ، مكرما لأهله ، وكان حميد السيرة ، يرجع إلى تدين وحسن سياسة ، جدد معالم الخلافة ، وباشر المهمات بنفسه ، وغزا في جيوشه .
قال
أبو طالب بن عبد السميع : كانت أيامه نضرة بالعدل زهرة
[ ص: 401 ] بالخير ، وكان على قدم من العبادة قبل الخلافة ومعها ، ولم ير مع لينه بعد
المعتصم في شهامته مع الزهد والورع ، ولم تزل جيوشه منصورة .
قلت : وكان من حسناته وزيره
عون الدين بن هبيرة وقيل : كان لا يجري في دولته شيء إلا بتوقيعه ، وكتب في خلافته ثلاث ربعات ، ووزر له
علي بن طراد ، ثم
أبو نصر بن جهير ، ثم
علي بن صدقة ، ثم
ابن هبيرة ، وحجبه
أبو المعالي بن الصاحب ، ثم
كامل بن مسافر ، ثم
ابن المعوج ، ثم
أبو الفتح بن الصيقل ، ثم
أبو القاسم بن الصاحب .
وكان أسمر آدم ، مجدور الوجه ، مليح الشيبة ، أقام حشمة الخلافة ، وقطع عنها أطماع السلاطين السلجوقية وغيرهم ، وكان من سلاطين خلافته صاحب
خراسان nindex.php?page=showalam&ids=16058سنجر بن ملكشاه ،
والملك نور الدين صاحب
الشام ، وأبوه
قسيم الدولة .
أنبأنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي قال : قرأت بخط
أبي الفرج الحداد قال : حدثني من أثق به أن
المقتفي رأى في منامه قبل أن يستخلف بستة أيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول له : سيصل هذا الأمر إليك ، فاقتف بي . فلذا لقب
المقتفي لأمر الله .
وكان قد قدم
بغداد السلطان مسعود السلجوقي ، وذهب
الراشد من
بغداد ، فاجتمع القضاة والكبراء ، وخلعوا
الراشد كما ذكرنا لعدم أهليته ،
[ ص: 402 ] وحكم بخلعه
ابن الكرخي القاضي ، وبايعوا عمه .
قال
السديد بن الأنباري : نفذ السلطان إلى عمه
سنجر : من نستخلف ؟ فكتب إليه : لا تول إلا من يضمنه الوزير ، وصاحب المخزن ،
nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري . قال : فاجتمع بنا
مسعود ، فقال الوزير : نولي
الدين الزاهد محمد بن المستظهر قال : تضمنه ؟ قال : نعم . وكان صهرا للوزير على بنته تزوج بها في دولة أبيه .
وأخذ
مسعود كل حواصل دار الخلافة بحيث لم يدع في إصطبل الخلافة سوى أربعة أفراس وثمانية بغال . فقيل : بايعوا
محمدا على أن لا يكون عنده خيل ولا عدة سفر ، وفي الثانية من سنيه صادر
مسعود أهل بغداد ، فخرج إليه
ابن الكواز الزاهد ، ووعظه ، فترك ، ولم يدع للخليفة سوى العقار ، ثم تزوج الخليفة بأخت
مسعود .
وفيها اقتتل
مسعود وعساكر
أذربيجان والراشد المخلوع ، وتمت وقعة مهولة ، وكتب الخليفة
لزنكي بعشرة بلاد ، وأن لا يعين الراشد ، فخطب
بالموصل للمقتفي ، فنفذ
الراشد يقول
لزنكي : غدرت . قال : ما لنا طاقة
بمسعود ، وفارق
الراشد وزيره
ابن صدقة ، وقل جمعه ، وتحيز إلى
مراغة ، وبكى عند قبر أبيه ، وحثا على رأسه التراب ، فثار معه أهل
مراغة ، وبذلوا له الأموال ، وقوي بالملك
داود ، وعمل مصافا مع
مسعود ، فاستظهر
داود .
وفيها هرب وزير
مصر تاج الدولة
بهرام النصراني الأرمني ، وكان قد
[ ص: 403 ] تمكن ، واستعمل
الأرمن ، فظلم الرعية ، فجمع
رضوان الولخشي جيشا ، وقصد
القاهرة ، فسار
بهرام في جيشه إلى
الصعيد وأكثرهم
أرمن نصارى ، فمنعه أمير
أسوان من دخولها ، فاقتتلوا ، وقتل عدة من
الأرمن والسودان ، ثم بعث يطلب أمانا من
الحافظ العبيدي ، فأمنه ، فعاد وحبس
بالقاهرة ، ثم ترهب ، ثم أطلق ، ووزر
للحافظ رضوان ، ولقب بالملك الأفضل ، ثم وقع بينه وبين الحافظ بعد سنتين ، فهرب إلى
الشام ، فنزل على أمير الدولة
كمشتكين صاحب
صرخد ، فأكرمه ، وعظمه .
وأعيدت إلى
المقتفي ضياعه ومعاملاته ، وتمكن ، ونصر عسكر
دمشق وعليهم بزواش على فرنج
طرابلس ، والتقى
زنكي والفرنج -أيضا- فهزمهم ، واستولى على قلعة لهم ، ثم سار وأخذ
بعلبك ، وأخذت
الروم بزاعة بالأمان ، وتنصر قاضيها وجماعة ، فلله الأمر .
وتزوج
السلطان مسعود ببنت
دبيس الأسدي لملاحتها ، وأغلقت
بغداد للعرس أسبوعا في سنة 532 . وفيها استفحل أمر
الراشد ، والتف عليه عساكر ، فقتلته
الباطنية ، ونازلت عساكر
الروم حلب ، وحمي الحرب ، وقتل خلق من
النصارى ، وقتل بطريقهم ، ثم نازلوا شيزر مدة ، وعاثوا في
الشام ، وما قحم عليهم
زنكي ، بل ضايقهم ، وطلب النجدة من
السلطان مسعود ، ثم قلعهم الله .
وفي سنة 533 زلزلت
جنزة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي فأهلكت مائتي
[ ص: 404 ] ألف وثلاثين ألفا . فسمعت شيخنا
ابن ناصر يقول : جاء الخبر أنه خسفت
جنزة ، وصار مكان البلد ماء أسود . وكذا عدهم
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير في " كامله " لكن أرخها في سنة أربع .
وفيها حاصر
زنكي دمشق غير مرة وعزل
ابن طراد من الوزارة ، ووليها أستاذ الدار
أبو نصر بن جهير ، وعظم الخطب بالعيارين ، وأخذوا الدور بالشموع والثياب من الحمامات ، وأعانهم وزير السلطان ، فتحزب الناس لهم ، وأذن في ذلك السلطان ، وتتبعوهم .
وفيها كانت وقعة عظمى بين
سنجر السلطان وبين كافر ترك بما وراء النهر ، فانكسر المسلمون ، ونجا
سنجر في طائفة ، فتوصل إلى
بلخ في ستة نفر ، وقتل خلق كثير من الجيش حتى قيل : قتل مائة ألف ، وسار اللعين في ثلاثمائة ألف فارس ، وأحاطوا
بسنجر في سنة ست وثلاثين .
وفي سنة تسع وثلاثين حاصر
زنكي الفرنج بالرها ، وافتتحها ، ثم بعد سنوات أخذتها
الفرنج .
وفيها افتتح
عبد المؤمن مدينة
تلمسان ، ثم
فاس .
وفي سنة إحدى وأربعين حاصر
زنكي قلعة جعبر ، فوثب عليه ثلاثة من غلمانه ، فقتلوه ، وعارض شحنة
مسعود المقتفي في دار الضرب فأمر بحبسه ، وعظم
المقتفي ، وأخذت
الفرنج طرابلس المغرب ، واستفحل أمر
[ ص: 405 ] الملك عبد المؤمن ، وغلب على ممالك
المغرب .
وفي سنة اثنين ولي
ابن هبيرة ديوان الزمام وعزل من
ابن جهير ، ووزر
أبو القاسم علي بن صدقة .
وفي سنة 543 جاءت ثلاثة ملوك من
الفرنج إلى
القدس ، منهم طاغية
الألمان ، وصلوا صلاة الموت ، وفرقوا على جندهم سبعمائة ألف دينار ، فلم يشعر بهم أهل
دمشق إلا وقد صبحوهم في عشرة الآف فارس وستين ألف رجل ، فخرج المسلمون فارسهم وراجلهم ، والتقوا ، فاستشهد نحو المائتين ، منهم
الفندلاوي وعبد الرحمن الحلحولي ، ثم اقتتلوا من الغد ، وقتل خلق من
الفرنج ، فلما كان خامس يوم وصل من الجزيرة
غازي بن زنكي في عشرين ألفا ، وتبعه أخوه
نور الدين ، وكان الضجيج والدعاء والتضرع
بدمشق لا يعبر عنه ، ووضعوا المصحف العثماني في صحن الجامع ، وكان قسيس العدو قال : وعدني
المسيح بأخذ
دمشق ، فحفوا به ، وركب حماره وفي يده الصليب ، فشد عليه الدماشقة ، فقتلوه ، وقتلوا حماره ، وجاءت النجدات ، فانهزم
الفرنج .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير سار ملك
الألمان من بلاده لقصده المسلمين ، وانضم إليهم فرنج
الشام ، فنازل
دمشق ، وبها
الملك مجير الدين أبق وأتابكه
معين الدين أنر ، فنجده أولاد
زنكي ، ونزل ملك
الألمان بالميدان الأخضر ،
[ ص: 406 ] وأيس أهل
دمشق ، ووصل صاحب
الموصل إلى
حمص ، فراسل
أنر ملوك فرنج الساحل يقول : بأي عقل تساعدون
الألمان علينا ؟ ! وإن ملكوا أخذوا منكم السواحل وأنا إذا عجزت سلمت
دمشق إلى
ابن زنكي ، فلا تقومون به ، فتخاذلوا ، وبذل لهم
بانياس ، فخوفوا ملك
الألمان من عساكر الشرق ، فرد إلى بلاده ، وهي وراء
قسطنطينية .
وفيها ظهور الدولة الغورية ، فقصد
سوري بن حسين مدينة
غزنة ، واستولى عليها ، فجرت بينه وبين
بهرام شاه وقعة ، فقتل
سوري ، فغضبت
الغور لقتله ، وحشدوا ، فكان خروجهم في سنة سبع وأربعين وخمسمائة ، والملك في بقاياهم إلى اليوم ، وافتتحوا إقليم
الهند .
واشتد
بإفريقية القحط ، لا بل كان القحط عاما ، فقال
المؤيد عماد الدين : فيها كان الغلاء العام من
خراسان إلى
العراق إلى
الشام إلى
بلاد المغرب .
وفي سنة 44 كسر
nindex.php?page=showalam&ids=17217نور الدين محمود صاحب
حلب الفرنج ، وقتل صاحب
أنطاكية في ألف وخمسمائة منهم ، وأسر مثلهم ، ثم أخذ منهم
حصن فامية ، وكان
جوسلين طاغية
تل باشر قد ألهب المسلمين بالغارات ، واستولى على
إلبيرة وبهسنا ومرعش والراوندان وعين تاب وعزاز ، فحاربه
سلحدار نور الدين ، فأسره
جوسلين ، فدس
نور الدين [ ص: 407 ] جماعة من
التركمان ، وقال : من جاءني
بجوسلين فله ما طلب ، فنزلوا بناحية عين
تاب ، وأغار عليهم
جوسلين ، وأخد منهم امرأة مليحة ، وافتضها تحت شجرة ، فكمن له
التركمان ، وأسروه ، فأعطاهم
نور الدين عشر آلاف دينار ، واستولى
نور الدين على بلاده ، واشتد القحط
بالعراق عام أول ، وزال في العام ، ووزر
ابن هبيرة ، ونكثت فرنج السواحل ، فشن
أنر الغارات عليهم ، وفعل مثله
العرب والتركمان ، حتى طلبوا تجديد الهدنة ، وأن يتركوا بعض القطيعة ، والتقى
نور الدين الفرنج ، فهزمهم ، وقتل قائدهم
البرنس أحد الأبطال ، ومرض
أنر بحوران ومات ثم دفن
بالمعينية .
ومات الحافظ صاحب
مصر ، وقام ولده
الظافر ، ووزر له
ابن مصال ، ثم اختلف
المصريون ، وقتل خلق .
وفي سنة 545 ضايق
نور الدين دمشق ، فأذعنوا ، وخطبوا له بها بعد ملكها ، فخلع على ملكها ، وطوقه ، ورده إلى البلد ، واستدعى الرئيس
مؤيد الدين إلى مخيمه ، وخلع عليه ، ورد إلى
حلب .
وفيها أخذ ركب
العراق ، وقل من نجا ، وقتل
ابن مصال الوزير ، وغلب
ابن السلار .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي جاء
باليمن مطر كله دم .
[ ص: 408 ] وفي سنة 46 عاود
نور الدين محاصرة
دمشق ، وراسلهم
نور الدين : إني أوثر إصلاح الرعية وجهاد
الفرنج ، فإن أعانني عسكركم على الغزو ، فهو المراد . فنفروا ، وامتنعوا ، وخربت الغوطة ، وعاث العسكر ، وتحركت
الفرنج إنجادا لملك
دمشق ، فضاقت صدور الأخيار ، وجرح خلق ، ثم تحول
نور الدين إلى
البقاع لما جاءت جيوش
الفرنج نجدة ، فطلبوا من
دمشق مال القطيعة المبذولة لهم على ترحيل
نور الدين ، ثم عاد
نور الدين إلى
داريا ، وبرز عسكر البلد ، ووقعت المناوشة ، وتصالحوا ، ثم سار ملك
دمشق مجير الدين إلى خدمة
نور الدين إلى
حلب ، فأكرمه ، وبقي كنائب
لنور الدين بدمشق ، وافتتح
نور الدين أنطرطوس وتل باشر وعدة معاقل
للفرنج ، ونازلت أربعون ألفا من
الفرنج قرطبة ثلاثة أشهر ، حتى كادوا أن يأخذوها ، فكشف عنها جيش
عبد المؤمن ، وكانوا اثني عشر ألفا ، وقدم
السلطان مسعود بغداد .
وفي سنة 47 مات
مسعود ، وقام بعده أخوه
محمد ، وعظم شأن
المقتفي ، وسار إلى
واسط ، فمهدها ، وعطف إلى
الكوفة ، ثم عاد مؤيدا
منصورا ، فعملت له قباب الزينة .
وفي سنة 48 أخذت
الفرنج عسقلان ، واشتد الغلاء
بدمشق ، ومات الفقراء ، فطمع
نور الدين في أخذها ، ففي أول سنة تسع قدم
شيركوه رسولا ، فنزل في ألف فارس ، فلم يخرجوا لتلقيه ، وقويت الوحشة ، وأقبل
نور الدين ، فنزل ببيت الأبار ، وزحف على البلد مرتين ، وأقبل عسكره إلى باب
كيسان ، فإذا ليس على السور كبير أحد ، فتقدم راجل ، فرأته يهودية ، فدلت له حبلا ، فصار على السور ، وتبعه جماعة ، فنصبوا
[ ص: 409 ] سنجقا وصاحوا :
نور الدين يا منصور . وفتر القتال ، وبادر قطاع خشب بفأسه ، فكسر قفل باب شرقي ، ودخل
نور الدين ، وفرحت به الرعية ، فتحصن الملك
مجير الدين بالقلعة طالبا للأمان ، ثم نزل ، فطيب
نور الدين قلبه ، وخرج بأمواله إلى الدار الأتابكية ، ثم ذهب إلى
حمص ، وكتب له بها منشور .
وأقبلت الغز
التركمان ، فنهبوا
نيسابور ، وعذبوا وقتلوا بها ألوفا ، وخدموا
السلطان سنجر ، وأخذوه معهم ، فصار في حال زرية بعد العز والملك ، يركب أكدشا ، وربما جاع .
وفيها يوم الجمعة ثاني شوال وقعت صاعقة عظيمة في التاج الذي بدار الخلافة ، فتأججت فيه وفي القبة والدار ، فبقيت النار تعمل فيه تسعة أيام ، حتى أطفئت بعد أن صيرته كالحممة ، وكانت آية هائلة وكائنة مدهشة ، وكان هذا التاج من محاسن الدنيا ، أنشأه
المكتفي في دولته ، وكان شاهقا بديع البناء ، ثم رم شعثه وطري .
وفي سنة خمسين وخمسمائة سار
المقتفي إلى
الكوفة ، واجتاز بسوقها ، وقتل في العام الماضي
الظافر بمصر ، وقدم
طلائع بن زريك من
الصعيد للأخذ بثأر
الظافر من قاتله
عباس ، ففر
عباس نحو
الشام بأمواله ، فأخذته فرنج
عسقلان ، فقتلوه ، وباعوا ابنه
نصرا للمصريين ، واضطرب أمر
مصر ، وعزمت
الفرنج على أخذها ، وأرست مراكب جاءت من
صقلية على
تنيس ، فهجموها ، وقتلوا ، وسبوا ، وافتتح
نور الدين قلاعا للفرنج وبعض
بلاد الروم بالأمان ، واتسع ملكه ، فبعث إليه
المقتفي تقليدا ، ولقبه بالملك العادل ، وأمره بقصد
مصر .
[ ص: 410 ] وفي سنة 551 سار
المقتفي والسلطان سليمان بن محمد بن ملكشاه إلى
حلوان ، ثم نفذ
المقتفي العساكر مع السلطان ، وفي رمضانها هرب
سنجر من الغز في خواصه إلى
ترمذ ، وتمنع بها .
وكان
أتسز خوارزم شاه وابن أخت
سنجر الخاقان محمود يحاربان الغز ، والحرب بينهم سجال ، وذلت الغز بموت
علي بك ، وأتت الأتراك الفارغلية إلى خدمة
سنجر ، وعظم حاله ، ورجع إلى دار ملكه
مرو . وفيها جاءت الزلزلة العظمى
بالشام .
وفي سنة 52 ورد كتاب
السلطان سنجر إلى
الملك نور الدين يتودد فيه ، وأنه انتصر على الغز بحيلة ، ويعده بنصره على
الفرنج ، فزينت
دمشق والقلعة بالمغاني ، وكسر عسكر
نور الدين الفرنج ، وأخذ
نور الدين بانياس بالسيف ، ثم التقى
نور الدين ، ونصر عليهم ، ولله الحمد .
وفيها نازل
محمد شاه بن محمود وعلي كوجك بغداد في ثلاثين ألفا ، واقتتلوا أياما ، وعظم الخطب ، وقتل خلق كثير ، وبذل
المقتفي الأموال والغلال ، ثم ترحلوا ، وسار
المقتفي إلى
أوانا وتصيد ، ومات
سنجر السلطان ، وهزم
نور الدين الفرنج على
صفد ، وأخذت
غزة من
الفرنج .
وفي سنة 53 سار
المقتفي إلى
واسط ، وزار
مشهد الحسين ، ورد ، ثم سار إلى
المدائن ، وشهد العيد في تجمل باهر .
[ ص: 411 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير كان مصرع
الإسماعيلية الخراسانيين ، نزلوا وكانوا ألفا وسبعمائة ، فأخذوا زوق تركمان فتناخت
التركمان ، وكروا عليهم ، ووضعوا فيهم السيف ، فما نجا منهم إلا تسعة أنفس .
وكانت ملحمة كبرى بين الغز وبين أمراء
خراسان ، ودام المصاف يومين ، وانتصرت الغز ، واستغنوا ، وشرعوا في العدل قليلا .
وفيها التقى
المصريون والفرنج بفلسطين ، فاستبيحت
الفرنج .
وفيها التقى
نور الدين والفرنج ، فانهزم عسكره ، ونجا
نور الدين ، وانهزم العدو أيضا .
وفيها أقبل صاحب
قسطنطينية في جيوش
الروم ، وأغار أوائلهم على بلاد
أنطاكية .
وفي سنة 554 مرض
نور الدين ، وعهد بالملك بعده لأخيه
مودود ، وصالح صاحب
القسطنطينية ، وأطلق له مقدمين من أسرى
الفرنج ، فبعث هو إلى
نور الدين هدايا وتحفا ، وسار
نور الدين ، فتملك
حران ، ومد سماطا لأخيه
مودود لم يسمع بمثله .
وفي سنة 4 كان الفساد بالغز عمالا ، وسار الخليفة إلى
واسط ، وسار
عبد المؤمن سلطان المغرب ، فحاصر
المهدية سبعة أشهر ، وأخذها بالأمان ، وبها خلق من
النصارى ، وكانت بأيديهم من اثنتي عشرة سنة ، وافتتح -أيضا - قبلها
تونس .
[ ص: 412 ] وفي " كامل "
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير أن نقيب
العلوية بنيسابور ذخر الدين قتل شافعي بعض أصحابه ، فطلبه من رئيس الشافعية
الموفقي ، فحماه ، فاقتتلوا أياما ، وعظم الخطب ، وأحرقت المدارس والأسواق ، واستحر القتل
بالشافعية بحيث استؤصل البلد ، فلله الأمر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي مرض
المقتفي بعلة التراقي ، وقيل : بدمل في عنقه ، فتوفي في ثاني ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمسمائة وله ست وستون سنة سوى ثمانية وعشرين يوما ، وكذا مات أبوه بعلة التراقي .