صفحة جزء
ذكر محنته :

الواقدي : حدثنا عبد الله بن جعفر ، وغيره من أصحابنا ، قالوا : استعمل ابن الزبير جابر بن الأسود بن عوف الزهري على المدينة ، فدعا الناس إلى البيعة لابن الزبير فقال سعيد بن المسيب : لا ، حتى يجتمع الناس . فضربه ستين سوطا ، فبلغ ذلك ابن الزبير ، فكتب إلى جابر يلومه ويقول : ما لنا ولسعيد ، دعه .

وعن عبد الواحد بن أبي عون ، قال : كان جابر بن الأسود عامل ابن الزبير على المدينة قد تزوج الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة ، فلما ضرب سعيد بن المسيب صاح به سعيد والسياط تأخذه : والله ما ربعت على كتاب الله ، وإنك تزوجت الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة ، وما هي إلا ليال فاصنع ما بدا لك ، فسوف يأتيك ما تكره . فما مكث إلا يسيرا حتى قتل ابن الزبير .

الواقدي : حدثنا عبد الله بن جعفر وغيره أن عبد العزيز بن مروان توفي [ ص: 230 ] بمصر سنة أربع وثمانين ، فعقد عبد الملك لابنيه : الوليد وسليمان بالعهد ، وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان ، وعامله يومئذ على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي ، فدعا الناس إلى البيعة ، فبايعوا ، وأبى سعيد بن المسيب أن يبايع لهما وقال : حتى أنظر ، فضربه هشام ستين سوطا ، وطاف به في تبان من شعر ، حتى بلغ به رأس الثنية ، فلما كروا به قال : أين تكرون بي؟ قالوا : إلى السجن . فقال : والله لولا أني ظننته الصلب ، ما لبست هذا التبان أبدا . فردوه إلى السجن ، فحبسه وكتب إلى عبد الملك يخبره بخلافه . فكتب إليه عبد الملك يلومه فيما صنع به ويقول : سعيد ، كان والله أحوج إلى أن تصل رحمه من أن تضربه ، وإنا لنعلم ما عنده خلاف .

وحدثني أبو بكر بن أبي سبرة ، عن المسور بن رفاعة ، قال : دخل قبيصة بن ذؤيب على عبد الملك بكتاب هشام بن إسماعيل يذكر أنه ضرب سعيدا وطاف به . قال قبيصة : يا أمير المؤمنين ، يفتات عليك هشام بمثل هذا ، والله لا يكون سعيد أبدا أمحل ولا ألج منه حين يضرب ، لو لم يبايع سعيد ما كان يكون منه ، وما هو ممن يخاف فتقه ، يا أمير المؤمنين اكتب إليه .

فقال عبد الملك : اكتب أنت إليه عني تخبره برأيي فيه ، وما خالفني من ضرب هشام إياه . فكتب قبيصة بذلك إلى سعيد . فقال سعيد حين قرأ الكتاب : الله بيني وبين من ظلمني .

حدثني عبد الله بن يزيد الهذلي ، قال : دخلت على سعيد بن المسيب السجن فإذا هو قد ذبحت له شاة ، فجعل الإهاب على ظهره ، ثم جعلوا له بعد ذلك قضبا رطبا ، وكان كلما نظر إلى عضديه قال : اللهم انصرني من هشام .

[ ص: 231 ] شيبان بن فروخ : حدثنا سلام بن مسكين ، حدثنا عمران بن عبد الله الخزاعي قال : دعي سعيد بن المسيب للوليد وسليمان بعد أبيهما فقال : لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار . فقيل : ادخل واخرج من الباب الآخر ، قال : والله لا يقتدي بي أحد من الناس ، قال : فجلده مائة وألبسه المسوح .

ضمرة بن ربيعة : حدثنا رجاء بن جميل ، قال : قال عبد الرحمن بن عبد القاري لسعيد بن المسيب حين قامت البيعة للوليد وسليمان بالمدينة : إني مشير عليك بخصال ، قال : ما هن؟ قال : تعتزل مقامك ، فإنك تقوم حيث يراك هشام بن إسماعيل ، قال : ما كنت لأغير مقاما قمته منذ أربعين سنة .

قال : تخرج معتمرا . قال : ما كنت لأنفق مالي وأجهد بدني في شيء ليس لي فيه نية ، قال : فما الثالثة؟ قال : تبايع ، قال : أرأيت إن كان الله أعمى قلبك كما أعمى بصرك فما علي؟ قال -وكان أعمى- قال رجاء : فدعاه هشام بن إسماعيل إلى البيعة ، فأبى ، فكتب فيه إلى عبد الملك . فكتب إليه عبد الملك : ما لك ولسعيد ، ما كان علينا منه شيء نكرهه ، فأما إذ فعلت فاضربه ثلاثين سوطا وألبسه تبان شعر ، وأوقفه للناس لئلا يقتدي به الناس . فدعاه هشام فأبى وقال : لا أبايع لاثنين . فألبسه تبان شعر ، وضربه ثلاثين سوطا ، وأوقفه للناس . فحدثني الأيليون الذين كانوا في الشرط بالمدينة قالوا : علمنا أنه لا يلبس التبان طائعا ، قلنا له : يا أبا محمد ، إنه القتل ، فاستر عورتك ، قال : فلبسه ، فلما ضرب تبين له أنا خدعناه ، قال : يا معجلة أهل أيلة ; لولا أني ظننت أنه القتل ما لبسته .

وقال هشام بن زيد : رأيت ابن المسيب حين ضرب في تبان شعر .

[ ص: 232 ] يحيى بن غيلان : حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، قال : أتيت سعيد بن المسيب وقد ألبس تبان شعر وأقيم في الشمس ، فقلت لقائدي : أدنني منه فأدناني ، فجعلت أسأله خوفا من أن يفوتني ، وهو يجيبني حسبة والناس يتعجبون .

قال أبو المليح الرقي : حدثني غير واحد أن عبد الملك ضرب سعيد بن المسيب خمسين سوطا ، وأقامه بالحرة وألبسه تبان شعر ، فقال سعيد : لو علمت أنهم لا يزيدوني على الضرب ما لبسته ; إنما تخوفت من أن يقتلوني ، فقلت : تبان أستر من غيره .

قبيصة : حدثنا سفيان عن رجل من آل عمر ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : ادع على بني أمية ، قال : اللهم أعز دينك ، وأظهر أولياءك ، واخز أعداءك في عافية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم .

أبو عاصم النبيل : عن أبي يونس القوي قال : دخلت مسجد المدينة ، فإذا سعيد بن المسيب جالس وحده ، فقلت : ما شأنه؟ قيل : نهي أن يجالسه أحد .

همام : عن قتادة ، أن ابن المسيب كان إذا أراد أحد أن يجالسه قال : إنهم قد جلدوني ، ومنعوا الناس أن يجالسوني .

عن أبي عيسى الخراساني ، عن ابن المسيب ، قال : لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم ، لكيلا تحبط أعمالكم .

[ ص: 233 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية