اليونيني
الزاهد العابد أسد الشام الشيخ عبد الله بن عثمان بن جعفر اليونيني .
كان شيخا طويلا مهيبا شجاعا حاد الحال ، كان يقوم نصف الليل إلى الفقراء ، فمن رآه نائما وله عصا اسمها العافية ضربه بها ، ويحمل القوس والسلاح ، ويلبس قبعا من جلد ماعز بصوفه ، وكان أمارا بالمعروف لا يهاب
[ ص: 102 ] الملوك ، حاضر القلب ، دائم الذكر ، بعيد الصيت . كان من حداثته يخرج وينطرح في شعراء يونين فيرده السفارة إلى أمه ، ثم تعبد
بجبل لبنان ، وكان يغزو كثيرا .
قال الشيخ
علي القصار : كنت أهابه كأنه أسد ، فإذا دنوت منه وددت أن أشق قلبي وأجعله فيه .
قيل : إن العادل أتى والشيخ يتوضأ ، فجعل تحت سجادته دنانير ، فردها وقال : يا
أبا بكر كيف أدعو لك والخمور دائرة في
دمشق ، وتبيع المرأة وقية يؤخذ منها قرطيس ؟ فأبطل ذلك .
وقيل : جلس بين يديه المعظم وطلب الدعاء منه ، فقال : يا
عيسى لا تكن نحسا مثل أبيك أظهر الزغل وأفسد على الناس المعاملة .
حكى الشيخ
عبد الصمد قال : والله مذ خدمت الشيخ
عبد الله ، ما رأيته استند ولا سعل ولا بصق .
قد طولت هذه الترجمة في " التاريخ الكبير " وفيها كرامات له ورياضات وإشارات ، وكان لا يقوم لأحد تعظيما لله ولا يدخر شيئا ; له ثوب خام ، ويلبس في الشتاء فروة ، وقد يؤثر بها في البرد ، وكان ربما جاع ويأكل من ورق الشجر .
[ ص: 103 ] قال
سبط الجوزي : كان الشيخ شجاعا ما يبالي بالرجال قلوا أو كثروا ، وكان قوسه ثمانين رطلا ، وما فاتته غزاة . وقيل : كان يقول للشيخ الفقيه تلميذه : في وفيك نزلت
إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل .
توفي في ذي الحجة سنة سبع عشرة وستمائة وهو صائم ، وقد جاوز ثمانين سنة - رحمه الله تعالى .
ولأصحابه فيه غلو زائد ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا ، والشيخ
أبو عمر أجل الرجلين .