الكامل
السلطان الكبير الملك الكامل ناصر الدنيا والدين أبو المعالي وأبو المظفر محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب مصر والشام وميافارقين وآمد وخلاط والحجاز واليمن وغير ذلك .
ولد في سنة ست وسبعين وخمسمائة فهو من أقران أخويه
المعظم والأشرف ، وكان أجل الثلاثة وأرفعهم رتبة . أجاز له
عبد الله بن بري النحوي .
وتملك
الديار المصرية أربعين سنة شطرها في أيام والده . وكان عاقلا مهيبا ، كبير القدر .
قال
ابن خلكان : مال
عماد الدين بن المشطوب وأمراء إلى خلع
[ ص: 128 ] الكامل وقت نوبة
دمياط وسلطنة أخيه
إبراهيم الفائز ، ولاح ذلك
للكامل فدارى حتى قدم إليه
المعظم فأفضى إليه بسره ، فجاء
المعظم يوما إلى خيمة
ابن المشطوب ، فخرج إليه ، وخضع ، فقال : اركب نتحدث . فركب وتحدثا حتى أبعد به ، ثم قال : يا فلان هذه البلاد لك ، فنريد أن تهبها لنا ، وأعطاه نفقة ووكل به أجنادا إلى
الشام ، ثم جهز الفائز ليطلب عسكر الجزيرة نجدة ، فتوفي الفائز
بسنجار .
قال
ابن مسدي : كان محبا في الحديث وأهله ، حريصا على حفظه ونقله ، وللعلم عنده سوق قائمة على سوق . خرج له الشيخ
أبو القاسم بن الصفراوي أربعين حديثا سمعها منه جماعة . وحكى عنه
مكرم الكاتب أن أباه استجاز له
السلفي .
قال
ابن مسدي : وقفت أنا على ذلك وأجاز لي ولابني .
وقال
المنذري أنشأ
الكامل دار الحديث
بالقاهرة ،
وعمر قبة على ضريح
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ووقف الوقوف على أنواع البر ، وله المواقف المشهورة في الجهاد
بدمياط المدة الطويلة ، وأنفق الأموال وكافح
الفرنج برا وبحرا يعرف ذلك من شاهده ، ولم يزل على ذلك حتى أعز الله الإسلام ، وخذل الكفر . وكان معظما للسنة وأهلها ، راغبا في نشرها والتمسك بها ، مؤثرا للاجتماع بالعلماء والكلام معهم حضرا وسفرا . وقال بعضهم : كان شهما ، مهيبا ، عادلا ، يفهم ويبحث ، قيل : شكا إليه
ركبدار أن أستاذه استخدمه سته أشهر بلا جامكية فأمر الجندي
[ ص: 129 ] بخدمة
الركبدار وحمل مداسه ستة أشهر . وكانت الطرق آمنة في زمانه لهيبته . وقد بعث ابنه
المسعود فافتتح
اليمن ، وجمع الأموال ثم حج فمات ، وحملت خزائنه إلى
الكامل .
قال
البهاء زهير :
وأقسم إن ذاقت بنو الأصفر الكرى لما حلمت إلا بأعلامك الصفر ثلاثة أعوام أقمت وأشهرا
تجاهد فيه لا بزيد ولا عمرو
قال
ابن واصل : استوزر
صفي الدين أولا ، فلما مات لم يستوزر أحدا ، كان يتولى الأمور بنفسه . وكان مهيبا ، حازما ، مدبرا ، عمرت
مصر في أيامه ، وكان عنده مسائل من الفقه والنحو يوردها ، فمن أجاب فيها حظي عنده . وجاءته خلع السلطنة على يد
السهروردي سنة أربع وستمائة ، والتقليد
بمصر ، وكان يوما مشهودا ، وهي : جبة واسعة الكم بطرز ذهب ، وعمامة ، وطوق وأشباه ذلك . ومن همته أن
الفرنج لما أخذوا
دمياط أنشأ على بريد منها مدينة
المنصورة واستوطنها مرابطا حتى نصره الله ، فإن
الفرنج طمعوا في أخذ
مصر ، وعسكروا بقرب
المنصورة ، والتحم القتال أياما ، وألح
الكامل على إخوته بالمجيء ، فجاءه أخواه
الأشرف والمعظم في جيش لجب ، وهيئة تامة ، فقوي الإسلام ، وضعفت نفوس
الفرنج ورسلهم تتردد ، وبذل لهم
الكامل قبل مجيء النجدة
القدس وطبرية وعسقلان وجبلة [ ص: 130 ] واللاذقية وأشياء على أن يردوا له
دمياط فأبوا ، وطلبوا مع ذلك ثلاثمائة ألف دينار ليعمروا بها أسوار
القدس ، وطلبوا
الكرك ، فاتفق أن جماعة من المسلمين ، فجروا من النيل ثلمة على منزلة العدو ، فأحاط بهم النيل في هيجانه ، ولا خبرة لهم بالنيل ، فحال بينهم وبين
دمياط ، وانقطعت الميرة عنهم ، وجاعوا وذلوا ، فأرسلوا في طلب الأمان على تسليم
دمياط ، وعقد هدنة ، فأجيبوا ، فسلموا
دمياط بعد استقرارهم بها ثلاث سنين ، فلله الحمد .
ولما بلغ
الكامل موت أخيه
المعظم جاء ونازل
دمشق ، وأخذها من
الناصر ، وجعل فيها
الأشرف . ولما مات
الأشرف ، بادر
الكامل إلى
دمشق وقد غلب عليها أخوه
إسماعيل ، فانتزعها منه ، واستقر
بالقلعة ، فما بلع ريقه حتى مات بعد شهرين ، تعلل بسعال وإسهال ، وكان به نقرس ، فبهت الخلق لما سمعوا بموته ، وكان عدله مشوبا بعسف ; شنق جماعة من الجند في بطيحة شعير .
ونازل
دمشق فبعث صاحب
حمص لها نجدة خمسين نفسا فظفر بهم وشنقهم بأسرهم .
قال
الشريف العماد البصروي : حكى لي الخادم قال :
طلب مني
الكامل طستا ليتقيأ فيه ، فأحضرته وجاء
الناصر داود ، فوقف على الباب ليعوده ، فقلت :
داود على الباب ، فقال : ينتظر موتي ! ؟ وانزعج ، وخرجت فنزل
داود إلى دار سامة ، ثم دخلت إلى السلطان ، فوجدته قد مات وهو مكبوب على المخدة .
[ ص: 131 ] وقال
ابن واصل : حكى لي طبيبه قال : أخذه زكام فدخل الحمام ، وصب على رأسه ماء شديد الحرارة ، اتباعا لما قال
ابن زكريا الرازي إن ذلك يحل الزكمة في الحال ، وهذا ليس على إطلاقه ، قال : فانصب من دماغه إلى فم المعدة مادة فتورمت وعرضت الحمى ، وأراد القيء ، فنهاه الأطباء ، وقالوا : إن تقيأ هلك ، فخالف وتقيأ .
وقال
الرضي الحكيم : عرضت له خوانيق انفقأت ، وتقيأ دما ومدة ، ثم أراد القيء ثانيا فنهاه والدي ، وأشار به آخر ، فتقيأ ، فانصب ذلك إلى قصبة الرئة سدتها ، فمات .
قال
المنذري مات
بدمشق في الحادي والعشرين من رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة ودفن في تابوت .
قلت : ثم بعد سنتين عملت له التربة ، وفتح شباكها إلى الجامع . وخلف ابنين :
العادل أبا بكر ،
والصالح نجم الدين ، فملكوا
العادل بمصر ، وتملك
الجواد دمشق ، فلم تطل مدتهما .