الظاهر بأمر الله
الخليفة أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء حسن بن المستنجد يوسف بن المقتفي ، الهاشمي العباسي البغدادي . ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة
[ ص: 265 ] وبويع بولاية العهد ، وخطب له وهو مراهق ، واستمر ذلك سنين ، ثم خلعه أبوه ، وولى
عليا أخاه العهد ، فدام ذلك حتى مات علي سنة ثماني عشرة فاحتاج أبوه أن يعيده إلى العهد ، وقام بالأمر
بعد الناصر ، ولم يطول ، وقرئ عليه في " مسند
أحمد " بإجازته من والده .
قال
ابن النجار : أخبرنا
أبو صالح الجيلي ، أخبرنا
الظاهر بقراءتي ، أخبرنا أبي كتابة ، عن
عبد المغيث بن زهير ، أخبرنا
ابن الحصين - فذكر حديثا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير ولي فأظهر العدل والإحسان ، وأعاد سنة العمرين ، فإنه لو قيل : ما ولي بعد
عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقا ; فإنه أعاد من الأموال والأملاك المغصوبة شيئا كثيرا ، وأطلق المكوس في البلاد جميعها ، وأمر بإعادة الخراج القديم في جميع
العراق ، وبإسقاط ما جدده أبوه وكان لا يحصى فمن ذلك
بعقوبا خراجها القديم عشرة آلاف دينار ، فأخذ منها زمن أبيه ثمانون ألف دينار فردها وكان سنجة الخزانة ترجح نصف قيراط في المثقال يأخذون بها ويعطون العادة ، فأبطله ، ووقع :
ويل للمطففين وقدم صاحب الديوان من
واسط بأكثر من مائة ألف ظلما فردها على أربابها " ونفذ إلى الحاكم عشرة آلاف دينار ليوفيها عن المحبوسين ، وكان يقول : أنا قد فتحت الدكان بعد العصر فذروني أفعل الخير ، فكم بقيت أعيش . وقد أنفق وتصدق في ليلة النحر مائة ألف دينار ،
[ ص: 266 ] وكان نعم الخليفة خشوعا وخضوعا لربه ، وعدلا في رعيته ، وازديادا في وقت من الخير ، ورغبة في الإحسان .
قال
أبو شامة : كان أبيض جميل الصورة ، مشربا حمرة ، حلو الشمائل ، شديد القوى ، استخلف وله اثنتان وخمسون سنة ، فقيل له : ألا تتنزه . قال : قد لقس الزرع ، ثم إنه أحسن وفرق الأموال ، وأبطل المكوس ، وأزال المظالم .
وقال
سبط الجوزي حكي عنه أنه دخل إلى الخزائن ، فقال له خادم : في أيامك تمتلئ ، قال : ما عملت الخزائن لتملأ ، بل لتفرغ وتنفق في سبيل الله ، إن الجمع شغل التجار .
وقال
ابن واصل أظهر الظاهر العدل ، وأزال المكس ، وظهر للناس ، وكان أبوه لا يظهر إلا نادرا .
قال
ابن الساعي : بايعه أولا أهله وأولاد الخلفاء ، ثم نائب الوزارة
مؤيد الدين القمي ،
وعضد الدولة بن الضحاك أستاذ الدار ، وقاضي القضاة
محيي الدين بن فضلان ،
ونقيب الأشراف القوام الموسوي ، وجلس يوم الفطر للبيعة بثياب بيض بطرحة وعلى كتفه البرد النبوي ، ولفظ البيعة : " أبايع مولانا الإمام المفترض الطاعة
أبا نصر محمدا الظاهر بأمر الله على كتاب الله وسنة نبيه واجتهاد أمير المؤمنين وأن لا خليفة سواه " وبعد أيام
[ ص: 267 ] عزل من القضاء
ابن فضلان بأبي صالح نصر بن عبد الرزاق الجيلي . وكان القحط الشديد
بالجزيرة والفناء . وفيها نفذت خلع الملك إلى
الكامل والمعظم والأشرف ، وكان
المعظم قد صافى
خوارزم شاه ، وجاءته خلعته فلبسها .
وفي سنة 623 بلغ
خوارزم شاه أن نائبه على
كرمان خلعه ، فسار يطوي الأرض إلى
كرمان ، فتحصن نائبه بقلعة وذل ، فنفذ إليه بالأمان ، فبلغه أن عسكر
الأشرف هزم بعض عسكره ، فكر راجعا حتى قدم
منازكرد ، ثم نازل
خلاط ، وقتل خلق كثير بين الفريقين ، ثم بلغه عبث
التركمان ، فسارع وكبسهم وبدع فيهم .
وفي شعبان سار
كيقباذ فأخذ عدة حصون لصاحب
آمد . وفيها حارب
البرنس بلاد
الأرمن .
وفيها قال
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير : اصطاد صديق لنا أرنبا لها ذكر وأنثيان ولها فرج أنثى ، فلما شقوها وجدوا فيها جروين سمعت هذا من جماعة كانوا معه ، وقالوا : ما زلنا نسمع أن الأرنب تكون سنة ذكرا وسنة أنثى .
وزلزلت
الموصل وشهرزور ، وترددت الزلزلة عليهم نيفا وثلاثين يوما وخرب أكثر قرى تلك الناحية ، وانخسف القمر في السنة مرتين ، وبرد ماء القيارة كثيرا ، وما زالت حارة ، وجاء
بالموصل برد عظيم زنة الواحدة مائتا درهم وأقل فأهلك الدواب .
[ ص: 268 ] وفي رجب منها توفي أمير المؤمنين
الظاهر ، فكانت خلافته تسعة أشهر ونصفا - رحمه الله - وعاش اثنتين وخمسين سنة وبايعوا ولده
المستنصر بالله أبا جعفر .