[ ص: 5 ] سنة ست من الهجرة
قال
البكائي ، عن
ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع ، وخرج في جمادى الأولى إلى
بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع :
nindex.php?page=showalam&ids=290خبيب بن عدي وأصحابه ، وأظهر أنه يريد
الشام ليصيب من القوم غرة ، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال ، فقال : لو أنا هبطنا
عسفان لرأى
أهل مكة أنا قد جئنا
مكة . فهبط في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل
عسفان . ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا
كراع الغميم ، ثم كرا . وراح قافلا .
(
غزوة ذي قرد )
ثم قدم
المدينة فأقام بها ليالي ، فأغار
عيينة بن حصن في خيل من
غطفان على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة وفيها رجل من
بني غفار وامرأة ، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح .
وكان أول من نذر بهم
nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع ، غدا يريد الغابة ومعه غلام
nindex.php?page=showalam&ids=55لطلحة بن عبيد الله معه فرسه ، حتى إذا علا
ثنية الوداع نظر إلى
[ ص: 6 ] بعض خيولهم فأشرف في ناحية من
سلع ، ثم صرخ : واصباحاه ، ثم خرج يشتد في آثار القوم ، وكان مثل السبع حتى لحق بالقوم . وجعل يردهم بنبله ، فإذا وجهت الخيل نحوه هرب ثم عارضهم فإذا أمكنه الرمي رمى . وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فصرخ
بالمدينة : الفزع الفزع . فترامت الخيول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :
المقداد ، nindex.php?page=showalam&ids=4582وعباد بن بشر ، وأسيد بن ظهير ، nindex.php?page=showalam&ids=5735وعكاشة بن محصن وغيرهم . فأمر عليهم
سعد بن زيد ، ثم قال : اخرج في طلب القوم حتى ألحقك بالناس ، وقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني لأبي عياش : لو أعطيت فرسك رجلا أفرس منك ؟ فقلت : يا رسول الله أنا أفرس الناس . وضربت الفرس فوالله ما مشى بي إلا خمسين ذراعا حتى طرحني فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو أعطيته أفرس منك وجوابي له . 50 ولم يكن
nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع يومئذ فارسا ، وكان أول من لحق القوم على رجليه . وتلاحق الفرسان في طلب القوم ، فأول من أدركهم
محرز بن نضلة الأسدي ، فأدركهم ووقف لهم بين أيديهم ثم قال : قفوا يا معشر بني اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من المسلمين . فحمل عليه رجل منهم فقتله ، ولم يقتل من المسلمين سواه .
قال
عبد الملك بن هشام : وقتل يومئذ من المسلمين
وقاص بن مجزز المدلجي .
وقال
البكائي ، عن
ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن
عبد الله بن كعب بن مالك ، أن
مجززا إنما كان على فرس
عكاشة يقال له
[ ص: 7 ] الجناح ، فقتل
مجزز واستلب الجناح ، ولما تلاحقت الخيل قتل
أبو قتادة ابن ربعي .
حبيب بن عيينة بن حصن ، وغشاه ببرده ، ثم لحق بالناس . وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين ، فاسترجعوا وقالوا : قتل
أبو قتادة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس
nindex.php?page=showalam&ids=60بأبي قتادة ولكنه قتيل
nindex.php?page=showalam&ids=60لأبي قتادة وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه .
وأدرك
nindex.php?page=showalam&ids=5735عكاشة بن محصن أوبارا وابنه
عمرو بن أوبار ، كلاهما على بعير ، فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا ، واستنقذوا بعض اللقاح .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من
ذي قرد ، وتلاحق الناس ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقام عليه يوما وليلة . وقال
سلمة : يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح وأخذت بأعناق القوم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني : إنهم الآن ليغبقون في
غطفان . فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، في كل مائة رجل ، جزورا . وأقاموا عليها ثم رجعوا إلى
المدينة .
قال :
وانفلتت امرأة الغفاري على ناقة من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدمت عليه ، وقالت : إني نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها ، إنه لا نذر فيما لا يملك ابن آدم إنما هي ناقة من إبلي ، ارجعي على بركة الله قلت : هذه الغزوة تسمى
غزوة الغابة ، وتسمى غزوة
ذي قرد .
وذكر
ابن إسحاق وغيره : أنها كانت في سنة ست . وأخرج
[ ص: 8 ] مسلم أنها كانت زمن
الحديبية .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11920أبو النضر هاشم بن القاسم : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16585عكرمة بن عمار ، قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12443إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه ، قال : قدمنا
المدينة زمن
الحديبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت أنا
ورباح غلام النبي بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرجت بفرس
nindex.php?page=showalam&ids=55لطلحة بن عبيد الله كنت أريد أن أنديه مع الإبل . فلما كان بغلس ، أغار
عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتل راعيها وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل . فقلت : يا
رباح اقعد على هذا الفرس فألحقه
بطلحة وأخبر رسول الله الخبر . وقمت على تل فجعلت وجهي من قبل
المدينة ثم ناديت ثلاث مرات : يا صباحاه . ثم اتبعت القوم معي سيفي ونبلي ، فجعلت أرميهم وأعقر بهم وذلك حين يكثر الشجر ، فإذا رجع إلي فارس جلست له في أصل شجرة ثم رميت ، فلا يقبل علي فارس إلا عقرت به . فجعلت أرميهم وأقول :
أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
فألحق برجل منهم فأرميه وهو على راحلة رحله ، فيقع سهمي في الرحل حتى انتظمت كتفه ، فقلت : خذها وأنا
ابن الأكوع .
وكنت إذا تضايقت الثنايا علوت الجبل فردأتهم بالحجارة ، فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم فأرتجز ، حتى ما خلق الله شيئا من سرح النبي صلى الله عليه وسلم إلا خلفته ورائي واستنقذته من أيديهم . ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون منها ، ولا يلقون من ذلك شيئا إلا جعلت عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا مد الضحاء أتاهم
عيينة بن بدر الفزاري مددا لهم ، وهم في
[ ص: 9 ] ثنية ضيقة . ثم علوت الجبل ، فقال
عيينة : ما هذا الذي أرى ؟ قالوا لقينا من هذا البرح ، ما فارقنا بسحر حتى الآن ، وأخذ كل شيء كان في أيدينا وجعله وراء ظهره . فقال
عيينة : لولا أن هذا يرى أن وراءه مددا لقد ترككم ، ليقم إليه نفر منكم . فقام إلي أربعة فصعدوا في الجبل . فلما أسمعتهم الصوت قلت : أتعرفوني ؟ قالوا : ومن أنت ؟ قلت : أنا
ابن الأكوع ، والذي كرم وجه
محمد صلى الله عليه وسلم لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني .
قال رجل منهم : إني أظن ; يعني كما قال . فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر ، وإذا أولهم
الأخرم الأسدي ، وعلى إثره
أبو قتادة ، وعلى إثره
المقداد ، فولى المشركون . فأنزل من الجبل فأعترض
الأخرم فآخذ عنان فرسه ، فقلت : يا
أخرم انذر القوم ؛ يعني احذرهم ، فإني لا آمن أن يقطعوك ، فاتئد حتى يلحق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . فقال : إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تحل بيني وبين الشهادة ، قال : فخليت عنان فرسه فيلحق
بعبد الرحمن بن عيينة ، وطعنه
عبد الرحمن فقتله . وتحول
عبد الرحمن على فرس الأخرم فيلحق
أبو قتادة به ، فاختلفا طعنتين ، فعقر بأبي قتادة ، وقتله
أبو قتادة ، وتحول على فرس
الأخرم . ثم إني خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار أصحابي شيئا ويعرضون قبل المغيب إلى شعب فيه ماء يقال له
ذو قرد ، فأرادوا أن يشربوا منه ، فأبصروني أعدو وراءهم ، فعطفوا عنه وأسندوا في الثنية ،
ثنية ذي تير ، وغربت الشمس ،
[ ص: 10 ] فألحق رجلا فأرميه فقلت : خذها وأنا
ابن الأكوع . قال فقال : يا ثكل أمي ، أكوعي بكرة ؟ قلت : نعم يا عدو نفسه ، وكان الذي رميته بكرة ، فأتبعته سهما آخر فعلق به سهمان . ويخلفون فرسين فجبذتهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي جليتهم عنه ذو قرد ; فإذا نبي الله صلى الله عليه وسلم في خمس مائة ، وإذا
بلال قد نحر جزورا مما خلفت ، فهو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : يا رسول الله خلني فأنتخب من أصحابك مائة واحدة فآخذ على الكفار بالعشوة فلا يبقى منهم مخبر . قال : أكنت فاعلا يا
سلمة ؟ قلت : نعم ؛ والذي أكرمك . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه في ضوء النار . ثم قال : إنهم يقرون الآن بأرض
غطفان . فجاء رجل من
غطفان فقال : مروا على فلان الغطفاني فنحر لهم جزورا ، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة ، فتركوها وخرجوا هرابا .
فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير فرساننا اليوم
أبو قتادة ، وخير رجالتنا
سلمة . وأعطاني سهم الراجل والفارس جميعا . ثم أردفني وراءه على العضباء راجعين إلى
المدينة .
فلما كان بيننا وبينها قريبا من ضحوة ، وفي القوم رجل من
الأنصار كان لا يسبق فجعل ينادي : هل من مسابق ؟ وكرر ذلك . فقلت له : أما تكرم كريما ولا تهاب شريفا ؟ قال : لا ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي خلني فلأسابقه . قال : إن شئت . قلت : اذهب إليك . فطفر عن راحلته ، وثنيت رجلي فطفرت عن الناقة . ثم إني ربطت عليه شرفا أو شرفين ; يعني استبقيت نفسي ، ثم إني عدوت حتى ألحقه فأصك بين كتفيه بيدي . قلت : سبقتك والله . فضحك وقال :
[ ص: 11 ] إن أظن حتى قدمنا إلى
المدينة .
أخرجه
مسلم عن شيخ ، عن
هاشم .
قرأت على
أبي الحسن علي بن عبد الغني الحراني بمصر ، وعلى
أبي الحسن علي بن أحمد الهاشمي بالإسكندرية ، وعلى
أبي سعيد سنقر بن عبد الله بحلب ، وعلى
أحمد بن سليمان المقدسي بقاسيون ، وأخبرنا
محمد بن عبد السلام الفقيه ، وأبو الغنائم بن محاسن ، وعمر بن إبراهيم الأديب ، قالوا : أخبرنا
أبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة .
( ح ) وقرأت
على أبي الحسين اليونيني ، ومحمد بن هاشم العباسي ، وإسماعيل بن عثمان الفقيه ، ومحمد بن حازم ، وعلي بن بقاء ، وأحمد بن عبد الله بن عزيز ، وخلق سواهم : أخبركم
أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر ابن الزبيدي ; قالا : أخبرنا
أبو الوقت السجزي ، قال : أخبرنا
أبو الحسن الدراوردي ، قال : أخبرنا
أبو محمد بن حمويه ، قال : أخبرنا
محمد بن يوسف ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل البخاري ، قال : حدثنا
مكي بن إبراهيم ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17349يزيد بن أبي عبيد ، عن
سلمة أنه أخبره ، قال : خرجت من
المدينة ذاهبا نحو الغابة ، حتى إذا كنت
بثنية الغابة لقيني غلام
nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف ، قلت : ويحك ما بك ؟ قال : أخذت لقاح النبي صلى الله عليه وسلم . قلت : من أخذها ؟ قال :
غطفان وفزارة فصرخت ثلاث صرخات أسمعت ما بين لابتيها : يا صباحاه ، يا صباحاه . ثم اندفعت حتى ألقاهم وقد أخذوها ، فجعلت أرميهم وأقول :
أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
فاستنقذتها منهم قبل أن يشربوا . فأقبلت بها أسوقها ، فلقيني النبي
[ ص: 12 ] صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله إن القوم عطاش ، وإني أعجلتهم أن يشربوا سقيهم ، فابعث في أثرهم . فقال : يا
ابن الأكوع ملكت فأسجح ، إن القوم يقرون في قومهم .