[ ص: 192 ] غزوة حنين
قال
يونس ، عن
ابن إسحاق : حدثني
عاصم بن عمر ، عن
عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ، عن أبيه ، وحدثني
عمرو بن شعيب ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
وعبد الله بن أبي بكر ، عن حديث
حنين ، حين سار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وساروا إليه . فبعضهم يحدث بما لا يحدث به بعض ، وقد اجتمع حديثهم :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من فتح مكة ، جمع عوف بن مالك النصري بني نصر وبني جشم وبني سعد بن بكر ، وأوزاعا من بني هلال ; وهم قليل ; وناسا من بني عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر ، وأوعبت معه ثقيف الأحلاف ، وبنو مالك .
ثم سار بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وساق معه الأموال والنساء والأبناء ، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ، فقال : " اذهب فادخل في القوم ، حتى تعلم لنا من علمهم " فدخل فيهم ، فمكث فيهم يوما أو اثنين . ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب : " ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد " ؟ فقال عمر : كذب . فقال ابن أبي حدرد : والله لئن كذبتني يا عمر لربما كذبت بالحق . فقال عمر : ألا تسمع يا رسول الله ما يقول ابن أبي حدرد ؟ فقال : " قد كنت يا عمر ضالا فهداك الله " .
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية ; فسأله أدراعا عنده ; مائة درع ، وما يصلحها من عدتها . فقال : أغصبا يا محمد ؟ قال : بل عارية مضمونة . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا .
[ ص: 193 ] قال
ابن إسحاق : حدثنا
الزهري ، قال :
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين في ألفين من مكة ، وعشرة آلاف كانوا معه ، فسار بهم .
وقال
ابن إسحاق : واستعمل على
مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية .
وبالإسناد الأول : أن
عوف بن مالك أقبل فيمن معه ممن جمع من قبائل
قيس وثقيف ، ومعه
دريد بن الصمة ; شيخ كبير في شجار له يقاد به ، حتى نزل الناس
بأوطاس . فقال
دريد حين نزلوها فسمع رغاء البعير ونهيق الحمير ويعار الشاء وبكاء الصغير : بأي واد أنتم ؟ فقالوا
بأوطاس . فقال : نعم مجال الخيل ; لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ،
ما لي أسمع رغاء البعير وبكاء الصغير ويعار الشاء ؟ قالوا : ساق
مالك مع الناس أموالهم وذراريهم . قال : فأين هو ؟ فدعي ، فقال : يا
مالك ، إنك أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، فما دعاك إلى أن تسوق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم . فأنفض به
دريد وقال : يا راعي ضأن والله ; وهل يرد وجه المنهزم شيء ؟ إنها إن كانت لك لا ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ، فارفع الأموال والنساء والذراري إلى عليا قومهم وممتنع بلادهم . ثم قال
دريد : وما فعلت
كعب وكلاب ؟ فقالوا : لم يحضرها منهم أحد . فقال : غاب الحد والجد ، لو كان يوم
[ ص: 194 ] علاء ورفعة لم تغب عنه
كعب وكلاب ولوددت لو فعلتم فعلها ، فمن حضرها ؟ قالوا :
عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر ، فقال : ذانك الجذعان لا يضران ولا ينفعان . فكره
مالك أن يكون
لدريد فيها رأي ، فقال : إنك قد كبرت وكبر علمك ، والله لتطيعن يا معشر
هوازن ، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري . فقالوا : أطعناك . ثم قال
مالك للناس : إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد .
وقال
الواقدي :
سار رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة لست خلون من شوال ، في اثني عشر ألفا ، فقال
أبو بكر : لا نغلب اليوم من قلة . فانتهوا إلى
حنين ، لعشر خلون من شوال ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتعبئة ، ووضع الألوية والرايات في أهلها ، وركب بغلته ولبس درعين والمغفر والبيضة . فاستقبلهم من
هوازن شيء لم يروا مثله من السواد والكثرة ، وذلك في غبش الصبح . وخرجت الكتائب من مضيق الوادي وشعبه ، فحملوا حملة واحدة ، فانكشفت خيل
بني سليم مولية ، وتبعهم
أهل مكة ، وتبعهم الناس .
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا أنصار الله ، وأنصار رسوله ، أنا عبد الله ورسوله " وثبت معه يومئذ : عمه
العباس ; وابنه
الفضل ، nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب ، nindex.php?page=showalam&ids=9809وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وأخوه
ربيعة ، وأبو بكر ، وعمر ، nindex.php?page=showalam&ids=111وأسامة بن زيد وجماعة .
وقال
يونس ، عن
ابن إسحاق : حدثني
أمية بن عبد الله بن عمرو [ ص: 195 ] بن عثمان ، أنه حدث أن
مالك بن عوف بعث عيونا ، فأتوه وقد تقطعت أوصالهم ، فقال : ويلكم ما شأنكم ؟ فقالوا : أتانا رجال بيض على خيل بلق ، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى . فما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد . منقطع .
وعن
الربيع بن أنس ، أن رجلا قال : لن نغلب من قلة . فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ، ونزلت (
ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ( 25 ) ) [ التوبة ] الآية .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17108معاوية بن سلام ، عن
زيد بن سلام ، سمع
أبا سلام يقول : حدثني
السلولي ، أنه حدثه
سهل بن الحنظلية ، nindex.php?page=hadith&LINKID=882361أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، فأطنبوا السير حتى كان عشية ، فحضرت صلاة الظهر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء فارس فقال : يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا ، فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم ، بظعنهم ونعمهم وشائهم ، اجتمعوا إلى حنين . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله " ثم قال : من يحرسنا الليلة ؟ قال أنس بن أبي مرثد الغنوي : أنا يا رسول الله . قال : فاركب . فركب فرسا له ، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : " استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ، ولا نغرن من قبلك الليلة " .
فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ، ثم قال : هل أحسستم فارسكم ؟ قالوا : يا رسول الله ، لا . فثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويلتفت إلى الشعب ، حتى إذا قضى صلاته وسلم قال : " أبشروا ، فقد جاء فارسكم " فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب ، فإذا هو قد جاء ، حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبحت اطلعت الشعبين ، فنظرت فلم أر أحدا . فقال له رسول الله [ ص: 196 ] صلى الله عليه وسلم . هل نزلت الليلة ؟ قال : لا ، إلا مصليا أو قاضي حاجة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد أوجبت ، فلا عليك أن لا تعمل بعدها " أخرجه
أبو داود .
وقال
يونس ، عن
ابن إسحاق : حدثني
عاصم بن عمر ، عن
عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ، عن أبيه ، قال :
خرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين ، فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها ، فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأحنائه ، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فانحط بهم في الوادي في عماية الصبح . فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم ، وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد ، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين يقول : " أيها الناس ، هلموا ، إني أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله " فلا ينثني أحد ، وركبت الإبل بعضها بعضا . فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس ، ومعه رهط من أهل بيته ورهط من المهاجرين ، والعباس آخذ بحكمة بغلته البيضاء ، وثبت معه علي ، وأبو سفيان ، وربيعة ; ابنا الحارث ، nindex.php?page=showalam&ids=69والفضل بن عباس ، وأيمن بن أم أيمن ، وأسامة ، ومن المهاجرين أبو بكر وعمر . قال : ورجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء أمام هوازن ، إذا أدرك الناس طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فيتبعوه . فلما انهزم من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة ، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحور . وإن الأزلام لمعه في كنانته .
قال
ابن إسحاق : فحدثني
عبد الله بن أبي بكر ، قال : سار
أبو [ ص: 197 ] سفيان إلى
حنين ، وإنه ليظهر الإسلام ، وإن الأزلام التي يستقسم بها في كنانته .
قال
شيبة بن عثمان العبدري : اليوم أدرك ثأري - وكان أبوه قتل يوم
أحد - اليوم أقتل
محمدا . قال : فأدرت برسول الله لأقتله ، فأقبل شيء حتى تغشى فؤآدي ، فلم أطق ، فعرفت أنه ممنوع .
وحدثني
عاصم ، عن
عبد الرحمن ، عن أبيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=882363أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى من الناس ما رأى قال : " يا عباس ، اصرخ : يا معشر الأنصار ، يا أصحاب السمرة " فأجابوا : لبيك لبيك . فجعل الرجل منهم يذهب ليعطف بعيره ، فلا يقدر على ذلك ، فيقذف درعه من عنقه ، ويؤم الصوت ، حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة . فاستعرضوا الناس ، فاقتتلوا . وكانت الدعوة أول ما كانت للأنصار ، ثم جعلت آخرا بالخزرج ، وكانوا صبرا عند الحرب ، وأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه ; فنظر إلى مجتلد القوم فقال : " الآن حمي الوطيس " قال : فوالله ما رجعت راجعة الناس إلا والأسارى عند رسول الله . فقتل الله من قتل منهم ، وانهزم من انهزم منهم ، وأفاء الله على رسوله أموالهم ونساءهم وأبناءهم .
وقال
ابن لهيعة ، عن
أبي الأسود ، عن
عروة ، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى حنين ، فخرج معه أهل مكة لم يتغادر منهم أحد ، ركبانا ومشاة ; حتى خرج النساء مشاة ، ينظرون ويرجون الغنائم ، ولا يكرهون الصدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وقال
ابن عقبة ، جعل أبو سفيان كلما سقط ترس أو سيف من الصحابة ، نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطونيه أحمله ، حتى أوقر جمله .
[ ص: 198 ] قالا : فلما أصبح القوم ، اعتزل أبو سفيان ، وابنه معاوية ، nindex.php?page=showalam&ids=90وصفوان بن أمية ، nindex.php?page=showalam&ids=137وحكيم بن حزام ، وراء تل ، ينظرون لمن تكون الدبرة . وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل الصفوف ; فأمرهم ، وحضهم على القتال . فبينا هم على ذلك حمل المشركون عليهم حملة رجل واحد ، فولوا مدبرين . فقال nindex.php?page=showalam&ids=1882حارثة بن النعمان : لقد حزرت من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدبر الناس فقلت مائة رجل . ومر رجل من قريش على صفوان ، فقال : أبشر بهزيمة محمد وأصحابه ، فوالله لا يجتبرونها أبدا . فقال : أتبشرني بظهور الأعراب ؟ فوالله لرب من قريش أحب إلي من رب من الأعراب . ثم بعث غلاما له فقال : اسمع لمن الشعار ؟ فجاءه الغلام فقال : سمعتهم يقولون : يا بني عبد الرحمن ، يا بني عبد الله ، يا بني عبيد الله . فقال : ظهر محمد . وكان ذلك شعارهم في الحرب . وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غشيه القتال قام في الركابين ، ويقولون رفع يديه إلى الله تعالى يدعوه ، يقول : " اللهم إني أنشدك ما وعدتني ، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا " ونادى أصحابه : " يا أصحاب البيعة يوم الحديبية ، الله الله ، الكرة على نبيكم " ويقال : قال : " يا أنصار الله وأنصار رسوله ، يا بني الخزرج " وأمر من يناديهم بذلك . وقبض قبضة من الحصباء فحصب بها وجوه المشركين ، ونواحيهم كلها ، قال : " شاهت الوجوه " وأقبل إليه أصحابه سراعا ، وهزم الله المشركين ، وفر
مالك بن عوف حتى دخل حصن
الطائف في ناس من قومه .
وأسلم حينئذ ناس كثير من
أهل مكة ، حين رأوا نصر الله رسوله .
مختصر من حديث
ابن عقبة . وليس عند
عروة قيام النبي صلى الله عليه وسلم في الركابين ، ولا قوله : يا أنصار الله .