[ ص: 439 ] باب
ما وجد من صورة نبينا وصور الأنبياء عند أهل الكتاب
بالشام
قال
عبد الله بن شبيب الربعي - وهو ضعيف بمرة - : حدثنا
محمد بن عمر بن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم قال : حدثتني
أم عثمان عمتي ، عن أبيها
سعيد ، عن أبيه ، أنه سمع أباه
جبير بن مطعم يقول : لما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، وظهر أمره
بمكة ، خرجت إلى
الشام ، فلما كنت
ببصرى أتتني جماعة من
النصارى فقالوا لي : أمن
الحرم أنت ؟ قلت : نعم . قالوا : فتعرف هذا الذي تنبأ فيكم ؟ قلت : نعم . فأدخلوني ديرا لهم فيه صور فقالوا : انظر هل ترى صورته ؟ فنظرت فلم أر صورته ، قلت : لا أرى صورته . فأدخلوني ديرا أكبر من ذاك فنظرت ، وإذا بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصورته وبصفة أبي بكر وصورته ، وهو آخذ بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا لي : هل ترى صفته ؟ قلت : نعم . قالوا : أهو هذا ؟ قلت : اللهم نعم ، أشهد أنه هو . قالوا : أتعرف هذا الذي أخذ بعقبه ؟ قلت : نعم . قالوا : نشهد أن هذا صاحبكم ، وأن هذا الخليفة من بعده .
رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " تاريخه " ، عن
محمد ، غير منسوب ، عن
محمد بن عمر بن سعيد ، أخصر من هذا .
وقال
إبراهيم بن الهيثم البلدي : حدثنا
عبد العزيز بن مسلم بن إدريس قال : حدثنا
عبد الله بن إدريس ، عن
شرحبيل بن مسلم ، عن
[ ص: 440 ] nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الباهلي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=8861هشام بن العاص الأموي قال : بعثت أنا ورجل من
قريش إلى
هرقل ندعوه إلى الإسلام ، فنزلنا على
nindex.php?page=showalam&ids=15620جبلة بن الأيهم الغساني ، فدخلنا عليه ، وإذا هو على سرير له ، فأرسل إلينا برسول نكلمه ، فقلنا : والله لا نكلم رسولا ، إنما بعثنا إلى الملك ، فأذن لنا وقال : تكلموا . فكلمته ودعوته إلى الإسلام ، وإذا عليه ثياب سواد ، قلنا : ما هذه ؟ قال : لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من
الشام . قلنا : ومجلسك هذا ، فوالله لنأخذنه منك ، ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله ، أخبرنا بذلك نبينا . قال : لستم بهم ، بل هم قوم يصومون بالنهار فكيف صومكم ؟ فأخبرناه ، فملأ وجهه سوادا وقال : قوموا ، وبعث معنا رسولا إلى الملك ، فخرجنا حتى إذا كنا قريبا من المدينة ، قال الذي معنا : إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك ، فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال ؟ قلنا : والله لا ندخل إلا عليها . فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون ، فدخلنا على رواحلنا متقلدين سيوفنا ، حتى انتهينا إلى غرفة له ، فأنخنا في أصلها ، وهو ينظر إلينا ، فقلنا : لا إله إلا الله والله أكبر . والله يعلم لقد تنقضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح ، فأرسل إلينا : ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم ، وأرسل إلينا أن ادخلوا ، فدخلنا عليه ، وهو على فراش له ، وعنده بطارقته من
الروم ، وكل شيء في مجلسه أحمر ، وما حوله حمرة ، وعليه ثياب من الحمرة ، فدنوا منه ، فضحك وقال : ما كان عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم . فإذا عنده رجل فصيح بالعربية ، كثير الكلام ، فقلنا : إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك ، وتحيتك التي تحيا بها لا يحل لنا أن نحييك بها . قال : كيف تحيتكم فيما بينكم ؟ قلنا : السلام عليكم . قال : فبم تحيون ملككم ؟ قلنا : بها . قال : وكيف يرد عليكم ؟ قلنا : بها . قال : فما أعظم كلامكم ؟ قلنا : لا إله إلا الله والله
[ ص: 441 ] أكبر . فلما تكلمنا بها قال : والله يعلم لقد تنقضت الغرفة ، حتى رفع رأسه إلينا فقال : هذه الكلمة التي قلتموها حيث تنقضت الغرفة كلما قلتموها في بيوتكم تنقض بيوتكم عليكم ؟ قلنا : لا ، ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك . قال : لوددت أنكم كلما قلتم تنقض كل شيء عليكم ، وأني خرجت من نصف ملكي . قلنا : لم ؟ قال : لأنه كان أيسر لشأنها ، وأجدر ألا يكون من أمر النبوة ، وأن يكون من حيل الناس . ثم سألنا عما أراد ، فأخبرناه ، ثم قال : كيف صلاتكم وصومكم ؟ فأخبرناه ، فقال : قوموا ، فقمنا ، فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير ، فأقمنا ثلاثا ، فأرسل إلينا ليلا فدخلنا عليه ، فاستعاد قولنا ، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة ، مذهبة فيها بيوت صغار ، عليها أبواب ، ففتح بيتا وقفلا ، واستخرج حريرة سوداء فنشرها ، فإذا فيها صورة حمراء ، وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين ، لم أر مثل طول عنقه ، وإذا ليست له لحية ، وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق الله ، قال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا
آدم عليه السلام ، ثم فتح لنا بابا آخر ، فاستخرج منه حريرة سوداء ، وإذا فيها صورة بيضاء ، وإذا له شعر كشعر القطط ، أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا
نوح عليه السلام ، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء ، وإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين ، طويل الخد أبيض اللحية كأنه يتبسم ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا
إبراهيم عليه السلام ، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء ، فإذا فيها صورة بيضاء وإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أتعرفون هذا ؟ قلنا : نعم ،
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبكينا . قال : والله يعلم أنه قام قائما ثم جلس وقال : والله إنه لهو ؟ قلنا : نعم إنه لهو ، كأنما ننظر إليه ، فأمسك ساعة ينظر إليها ، ثم قال : أما إنه كان آخر البيوت ، ولكني
[ ص: 442 ] عجلته لكم لأنظر ما عندكم ، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء ، فإذا فيها صورة أدماء سحماء وإذا رجل جعد قطط ، غائر العينين ، حديد النظر ، عابس ، متراكب الأسنان ، مقلص الشفة ، كأنه غضبان ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا قال : هذا
موسى عليه السلام ، وإلى جنبه صورة تشبهه ، إلا أنه مدهان الرأس ، عريض الجبين ، في عينه قبل ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا . قال : هذا
هارون بن عمران ، ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج حريرة بيضاء ، فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا
لوط عليه السلام ، ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج منه حريرة بيضاء ، فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة ، أقنى ، خفيف العارضين ، حسن الوجه ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال هذا
إسحاق عليه السلام ، ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج منه حريرة بيضاء ، فإذا فيها صورة تشبه
إسحاق إلا أنه على شفته السفلى خال ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال هذا
يعقوب عليه السلام ، ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج منه حريرة سوداء ، فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه ، أقنى الأنف ، حسن القامة ، يعلو وجهه نور ، يعرف في وجهه الخشوع ، يضرب إلى الحمرة فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا
إسماعيل جد نبيكم ، ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج حريرة بيضاء ، فيها صورة كأنها صورة
آدم ، كأن وجهه الشمس ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذا
يوسف عليه السلام ، ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج حريرة بيضاء ، فيها صورة رجل أحمر ، حمش الساقين ، أخفش العينين ، ضخم البطن ، ربعة ، متقلد سيفا ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا ، قال : هذا
داود عليه السلام ، ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج حريرة بيضاء ، فيها صورة رجل ضخم الأليتين ، طويل الرجلين ، راكب فرس ، فقال :
[ ص: 443 ] هذا
سليمان عليه السلام ، ثم فتح بابا آخر ، فاستخرج صورة ، وإذا شاب أبيض ، شديد سواد اللحية ، كثير الشعر ، حسن العينين ، حسن الوجه ، فقال : هذا
عيسى عليه السلام . فقلنا : من أين لك هذه الصور ؟ لأنا نعلم أنها على ما صورت ، لأنا رأينا نبينا صلى الله عليه وسلم وصورته مثله ، فقال : إن
آدم سأل ربه تعالى أن يريه الأنبياء من ولده ، فأنزل عليه صورهم ، وكانت في خزانة
آدم عند مغرب الشمس ، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس ، فدفعها إلى
دانيال عليه السلام ، يعني فصورها
دانيال في خرق من حرير ، فهذه بأعيانها التي صورها
دانيال ، ثم قال : أما والله لوددت أن نفسي طابت بالخروج من ملكي ، وأني كنت عبدا لشركم ملكة حتى أموت ، ثم أجازنا بأحسن جائزة وسرحنا .
فلما قدمنا على
أبي بكر رضي الله عنه حدثناه بما رأيناه ، وما قال لنا ، فبكى
أبو بكر وقال : مسكين ، لو أراد الله به خيرا لفعل ، ثم قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم
واليهود يجدون نعت
محمد صلى الله عليه وسلم عندهم .
روى هذه القصة
أبو عبد الله بن منده ، عن
إسماعيل بن يعقوب ورواها
nindex.php?page=showalam&ids=14070أبو عبد الله الحاكم ، عن
عبد الله بن إسحاق الخراساني ، كلاهما عن
البلدي ، عن
عبد العزيز ، ففي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم كما ذكرت من السند . وعند
ابن منده قال : حدثنا
عبيد الله ، عن
شرحبيل ، وهو سند غريب .
وهذه القصة قد رواها
الزبير بن بكار ، عن عمه
مصعب بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه
مصعب ، عن
عبادة بن الصامت : بعثني
أبو بكر الصديق في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
هرقل ملك
الروم لندعوه إلى الإسلام ، فخرجنا نسير على رواحلنا حتى قدمنا
دمشق ، فذكره بمعناه .
[ ص: 444 ] وقد رواه بطوله :
nindex.php?page=showalam&ids=16610علي بن حرب الطائي فقال : حدثنا
دلهم بن يزيد قال : حدثنا
القاسم بن سويد قال : حدثنا
محمد بن أبي بكر الأنصاري ، عن
أيوب بن موسى قال : كان عبادة بن الصامت يحدث ، فذكر نحوه .
أنبأنا الإمام
أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر وجماعة ، عن
عبد الوهاب بن علي الصوفي قال : أخبرتنا
فاطمة بنت أبي حكيم الخبري ، قال : أخبرنا
علي بن الحسن بن الفضل الكاتب قال : حدثنا
أحمد بن محمد بن خالد الكاتب من لفظه سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ، قال : أخبرنا
علي بن عبد الله بن العباس بن المغيرة الجوهري قال : حدثنا
أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي قال : حدثنا
الزبير بن بكار قال : حدثني عمي
مصعب بن عبد الله ، عن جدي
عبد الله بن مصعب ، عن أبيه ، عن جده ، عن
عبادة بن الصامت قال : بعثني
أبو بكر في نفر من الصحابة إلى ملك
الروم لأدعوه إلى الإسلام ، فخرجنا نسير على رواحلنا حتى قدمنا
دمشق ، فإذا على
الشام لهرقل جبلة ، فاستأذنا عليه ، فأذن لنا ، فلما نظر إلينا كره مكاننا وأمر بنا فأجلسنا ناحية ، وإذا هو جالس على فرش له مع السقف ، وأرسل إلينا رسولا يكلمنا ويبلغه عنا ، فقلنا : والله لا نكلمه برسول أبدا . فانطلق الرسول فأعلمه ذلك ، فنزل عن تلك الفرش إلى فرش دونها ، فأذن لنا فدنونا منه ، فدعوناه إلى الله وإلى الإسلام ، فلم يجب إلى خير ، وإذا عليه ثياب سود ، فقلنا : ما هذه المسوح ؟ قال : لبستها نذرا لا أنزعها حتى أخرجكم من بلادي قال : قلنا له : تيدك لا تعجل ، أتمنع منا مجلسك هذا ! فوالله لنأخذنه وملك الملك الأعظم ، خبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم . قال : أنتم إذا السمراء .
[ ص: 445 ] قلنا : وما السمراء ؟ قال : لستم بهم . قلنا : ومن هم ؟ قال : قوم يقومون الليل ويصومون النهار . قلنا : فنحن والله نصوم النهار ونقوم الليل ، قال : فكيف صلاتكم ؟ فوصفناها له ، قال : فكيف صومكم ؟ فأخبرناه به .
وسألنا عن أشياء فأخبرناه ، فيعلم الله لعلا وجهه سواد حتى كأنه مسح أسود ، فانتهرنا وقال لنا : قوموا . فخرجنا وبعث معنا أدلاء إلى ملك
الروم ، فسرنا ، فلما دنونا من
القسطنطينية قالت الرسل الذين معنا : إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك ، فأقيموا حتى نأتيكم ببغال وبراذين . قلنا : والله لا ندخل إلا على دوابنا ، فأرسلوا إليه يعلمونه ، فأرسل : أن خلوا عنهم ، فتقلدنا سيوفنا وركبنا رواحلنا ، فاستشرف
أهل القسطنطينية لنا ، وتعجبوا ، فلما دنونا إذا الملك في غرفة له ، ومعه بطارقة
الروم ، فلما انتهينا إلى أصل الغرفة أنخنا ونزلنا ، وقلنا : " لا إله إلا الله " فيعلم الله لنقضت الغرفة حتى كأنها عذق نخلة تصفقها الرياح ، فإذا رسول يسعى إلينا يقول : ليس لكم أن تجهروا بدينكم على بابي . فصعدنا فإذا رجل شاب قد وخطه الشيب ، وإذا هو فصيح بالعربية ، وعليه ثياب حمر ، وكل شيء في البيت أحمر ، فدخلنا ولم نسلم ، فتبسم وقال : ما منعكم أن تحيوني بتحيتكم ؟ قلنا : إنها لا تحل لكم . قال : فكيف هي ؟ قلنا : السلام عليكم ، قال : فما تحيون به ملككم ؟ قلنا : بها . قال : فما كنتم تحيون به نبيكم ؟ قلنا : بها . قال : فماذا كان يحييكم به ؟ قلنا : كذلك . قال : فهل كان نبيكم يرث منكم شيئا ؟ قلنا : لا ، يموت الرجل فيدع وارثا أو قريبا فيرثه القريب ، وأما نبينا فلم يكن يرث منا شيئا . قال : فكذلك ملككم ؟ قلنا : نعم . قال : فما أعظم كلامكم عندكم ؟ قلنا : لا إله إلا الله . فانتفض وفتح عينيه ، فنظر إلينا وقال : هذه الكلمة التي قلتموها فنقضت لها الغرفة ؟ قلنا : نعم . قال :
[ ص: 446 ] وكذلك إذا قلتموها في بلادكم نقضت لها سقوفكم ؟ قلنا : لا . وما رأيناها صنعت هذا قط ، وما هو إلا شيء وعظت به . قال : فالتفت إلى جلسائه فقال : ما أحسن الصدق ، ثم أقبل علينا فقال : والله لوددت أني خرجت من نصف ملكي وأنكم لا تقولونها على شيء إلا نقض لها . قلنا : ولم ذاك ؟ قال : ذلك أيسر لشأنها وأحرى أن لا تكون من النبوة وأن تكون من حيلة الناس . ثم قال لنا : فما كلامكم الذي تقولونه حين تفتتحون المدائن ؟ قلنا : " لا إله إلا الله والله أكبر " . قال : تقولون " لا إله إلا الله " ليس معه شريك ؟ قلنا : نعم . قال : وتقولون " الله أكبر " أي : ليس شيء أعظم منه ، ليس في العرض والطول ؟ قلنا : نعم . وسألنا عن أشياء ، فأخبرناه ، فأمر لنا بنزل كثير ومنزل ، فقمنا ، ثم أرسل إلينا بعد ثلاث في جوف الليل فأتيناه ، وهو جالس وحده ليس معه أحد ، فأمرنا فجلسنا ، فاستعادنا كلامنا ، فأعدناه عليه ، فدعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة ، ففتحها فإذا فيها بيوت مقفلة ، ففتح بيتا منها ، ثم استخرج خرقة حرير سوداء .
فذكر الحديث نحو ما تقدم . وفيه : فاستخرج صورة بيضاء ، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما ننظر إليه حيا ، فقال : أتدرون من هذا ؟ قلنا : هذه صورة نبينا عليه السلام . فقال : آلله بدينكم إنه لهو هو ؟ قلنا : نعم ، آلله بديننا إنه لهو هو ، فوثب قائما ، فلبث مليا قائما ، ثم جلس مطرقا طويلا ، ثم أقبل علينا فقال : أما إنه في آخر البيوت ، ولكني عجلته لأخبركم وأنظر ما عندكم ، ثم فتح بيتا ، فاستخرج خرقة من حرير سوداء فنشرها ، فإذا فيها صورة سوداء شديدة السواد ، وإذا رجل جعد قطط ، كث اللحية ، غائر العينين ، مقلص الشفتين ، مختلف الأسنان ، حديد النظر كالغضبان ، فقال : أتدرون من هذا ؟ قلنا : لا . قال : هذه صورة
موسى عليه السلام .
[ ص: 447 ] وذكر الصور ، إلى أن قال : قلنا : أخبرنا عن هذه الصور ، قال : إن
آدم سأل ربه أن يريه أنبياء ولده ، فأنزل الله صورهم ، فاستخرجها ذو القرنين من خزانة
آدم من مغرب الشمس ، فصورها
دانيال في خرق الحرير ، فلم يزل يتوارثها ملك بعد ملك ، حتى وصلت إلي ، فهذه هي بعينها . فدعوناه إلى الإسلام فقال : أما والله لوددت أن نفسي سخت بالخروج من ملكي واتباعكم ، وأني مملوك لأسوإ رجل منكم خلقا وأشده ملكة ، ولكن نفسي لا تسخو بذلك . فوصلنا وأجازنا ، وانصرفنا .