موسى بن نصير
الأمير الكبير ، أبو عبد الرحمن اللخمي ، متولي إقليم المغرب ، وفاتح الأندلس . [ ص: 497 ]
قيل : كان مولى امرأة من لخم . وقيل : ولاؤه لبني أمية ، وكان أعرج مهيبا ، ذا رأي وحزم .
يروي عن nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري .
حدث عنه ولده عبد العزيز ، ويزيد بن مسروق .
ولي غزو البحر لمعاوية ، فغزا قبرس ، وبنى هناك حصونا ، وقد استعمل على أقصى المغرب مولاه طارقا ، فبادر وافتتح الأندلس ، ولحقه موسى فتمم فتحها ، وجرت له عجائب هائلة ، وعمل مع الروم مصافا مشهودا .
ولما هم المسلمون بالهزيمة كشف موسى سرادقه عن بناته وحرمه ، وبرز ورفع يديه بالدعاء والتضرع والبكاء ، فكسرت بين يديه جفون السيوف ، وصدقوا اللقاء ، ونزل النصر ، وغنموا ما لا يعبر عنه ; من ذلك مائدة سليمان - عليه السلام - من ذهب وجواهر ، وقيل : ظفر بستة عشر قمقما عليها ختم سليمان ففتح أربعة ونقب منها واحدا فإذا شيطان يقول : يا نبي الله ، لا أعود أفسد في الأرض . ثم نظر فقال : والله ما أرى سليمان ولا ملكه ، وذهب ، فطمرت البواقي .
وقال الليث : بعث موسى ابنه مروان على الجيش ، فأصاب من السبي مائة ألف ، وبعث ابن أخيه فسبى أيضا مائة ألف من البربر ، ودله رجل على كنز بالأندلس ، فنزعوا بابه فسال عليهم من الياقوت والزبرجد ما بهرهم .
قال الليث : إن كانت الطنفسة لتوجد منسوجة بالذهب واللؤلؤ والياقوت لا يستطيع [ ص: 498 ] اثنان حملها فيقسمانها بالفأس .
وقيل : لما دخل موسى إفريقية وجد غالب مدائنها خالية لاختلاف أيدي البربر ، وكان القحط ، فأمر الناس بالصلاة والصوم والصلاح ، وبرز بهم إلى الصحراء ومعه سائر الحيوانات ففرق بينها وبين أولادها ، فوقع البكاء والضجيج ، وبقي إلى الظهر ، ثم صلى وخطب ، فما ذكر الوليد ، فقيل له : ألا تدعو لأمير المؤمنين ؟ فقال : هذا مقام لا يدعى فيه إلا لله . فسقوا وأغيثوا .
ولما تمادى في سيره في الأندلس ، أتى أرضا تميد بأهلها ، فقال عسكره : إلى أين تريد أن تذهب بنا ؟ حسبنا ما بأيدينا . فقال : لو أطعتموني لوصلت إلى القسطنطينية ، ثم رجع إلى المغرب وهو راكب على بغله كوكب ، وهو يجر الدنيا بين يديه ، أمر بالعجل تجر أوقار الذهب والحرير ، واستخلف ابنه بإفريقية ، وأخذ معه مائة من كبراء البربر ، ومائة وعشرين من الملوك وأولادهم ، فقدم مصر في هيئة ما سمع بمثلها ، فوصل العلماء والأشراف ، وسار إلى الشام ، فبلغه مرض الوليد ، وكتب إليه سليمان يأمره بالتوقف ، فما سمع منه ، فآلى سليمان إن ظفر به ليصلبنه . وقدم قبل موت الوليد ، فأخذ ما لا يحد من النفائس ، ووضع باقيه في بيت المال ، وقومت المائدة بمائة ألف دينار .
وولي سليمان فأهانه ، ووقف في الحر - وكان سمينا - حتى غشي عليه .
وبقي عمر بن عبد العزيز يتألم له ، فقال سليمان : لا يا أبا حفص ما أظن إلا أنني خرجت من يميني .
وضمه يزيد بن المهلب إليه ، ثم فدى نفسه ببذل ألف ألف دينار ، وقيل [ ص: 499 ] له : أنت في خلق من مواليك وجندك ، أفلا أقمت في مقر عزك ، وبعثت بالتقادم . قال : لو أردت لصار ; ولكن آثرت الله ولم أر الخروج . فقال له يزيد : وكلنا ذاك الرجل - أراد بهذا قدومه على الحجاج .
وقال له سليمان يوما : ما كنت تفزع إليه عند الحرب ؟ قال : الدعاء والصبر . قال : فأي الخيل رأيت أصبر ؟ قال : الشقر . قال : فأي الأمم أشد قتالا ؟ قال : هم أكثر من أن أصف . قال : فأخبرني عن الروم . قال : أسد في حصونهم ، عقبان على خيولهم ، نساء في مراكبهم ، إن رأوا فرصة انتهزوها ، وإن رأوا غلبة فأوعال تذهب في الجبال ، لا يرون الهزيمة عارا .
قال : فالبربر ؟ قال : هم أشبه العجم بالعرب لقاء ونجدة وصبرا وفروسية ; غير أنهم أغدر الناس . قال : فأهل الأندلس ؟ قال : ملوك مترفون ، وفرسان لا يجبنون . قال : فالفرنج ؟ قال : هناك العدد والجلد ، والشدة والبأس . قال : فكيف كانت الحرب بينك وبينهم ؟ قال : أما هذا فوالله ما هزمت لي راية قط ، ولا بدد لي جمع ، ولا نكب المسلمون معي منذ اقتحمت الأربعين إلى أن بلغت الثمانين ، ولقد بعثت إلى الوليد بتور زبرجد ، كان يجعل فيه اللبن حتى ترى فيه الشعرة البيضاء . ثم أخذ يعدد ما أصاب من الجوهر والزبرجد حتى تحير سليمان .
وقيل : إن مروان لما قرر ولده عبد العزيز على مصر ، جعل عنده موسى بن نصير ، ثم كان موسى مع بشر بن مروان وزيرا بالعراق .
قال الفسوي : كان ذا حزم وتدبير ، افتتح بلادا كثيرة ، وولي إفريقية سنة تسع وسبعين .
وقيل : إنه قال مرة : والله لو انقاد الناس لي ، لقدتهم حتى أوقفهم على [ ص: 500 ] رومية ، ثم ليفتحنها الله على يدي .
وقيل : جلس الوليد على منبره يوم الجمعة ، فأتى موسى وقد ألبس ثلاثين من الملوك التيجان ، والثياب الفاخرة ، ودخل بهم المسجد وأوقفهم تحت المنبر ، فحمد الوليد الله وشكره .
وقد حج موسى مع سليمان فمات بالمدينة .
وقال مرة : يا أمير المؤمنين ، لقد كانت الألف شاة تباع بمائة درهم ، وتباع الناقة بعشرة دراهم ، وتمر الناس بالبقر فلا يلتفتون إليها ، ولقد رأيت العلج الشاطر وزوجته وأولاده يباعون بخمسين درهما .
وكان فتح إقليم الأندلس في رمضان سنة اثنتين وتسعين على يد :
التالي
السابق