[ ص: 252 ] الحوادث في خلافة
علي رضي الله عنه
سنة ست وثلاثين
وقعة الجمل
لما قتل
عثمان صبرا ، سقط في أيدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبايعوا
عليا ، ثم إن
nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير بن العوام ، وأم المؤمنين
عائشة ، ومن تبعهم رأوا أنهم لا يخلصهم مما وقعوا فيه من توانيهم في نصرة
عثمان ، إلا أن يقوموا في الطلب بدمه ، والأخذ بثأره من قتلته ، فساروا من
المدينة بغير مشورة من أمير المؤمنين
علي ، وطلبوا
البصرة .
قال
خليفة : قدم
طلحة ،
والزبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة البصرة ، وبها
عثمان بن حنيف الأنصاري واليا
لعلي ، فخاف وخرج عنها ، ثم سار
علي من
المدينة ، بعد أن استعمل عليها
سهل بن حنيف أخا
عثمان ، وبعث ابنه
الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=56وعمار بن ياسر إلى
الكوفة بين يديه يستنفران الناس ، ثم إنه وصل إلى
البصرة .
وكان قد خرج منها قبل قدومه إليها
حكيم بن جبلة العبدي في سبعمائة ، وهو أحد الرءوس الذين خرجوا على
عثمان كما سلف ، فالتقى هو وجيش
طلحة والزبير ، فقتل الله
حكيما في طائفة من قومه ، وقتل مقدم جيش الآخرين أيضا
مجاشع بن مسعود السلمي .
[ ص: 253 ] ثم اصطلحت الفئتان ، وكفوا عن القتال ، على أن يكون
nindex.php?page=showalam&ids=5541لعثمان بن حنيف دار الإمارة والصلاة ، وأن ينزل
طلحة والزبير حيث شاءا من
البصرة ، حتى يقدم
علي ، رضي الله عنه .
وقال
عمارة لأهل الكوفة : أما والله إني لأعلم أنها - يعني
عائشة - زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله ابتلاكم بها لينظر أتتبعونه أو إياها .
قال
سعد بن إبراهيم الزهري : حدثني رجل من
أسلم ، قال : كنا مع
علي أربعة آلاف من
أهل المدينة .
وقال
سعيد بن جبير : كان مع
علي يوم وقعة الجمل ثمان مائة من
الأنصار ، وأربعة مائة ممن شهد بيعة الرضوان . رواه
جعفر بن أبي المغيرة ، عن
سعيد .
وقال
المطلب بن زياد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : شهد مع
علي يوم الجمل مائة وثلاثون بدريا وسبعمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقتل بينهما ثلاثون ألفا ، لم تكن مقتلة أعظم منها .
وكان
الشعبي يبالغ ويقول : لم يشهدها إلا
علي ،
وعمار ،
وطلحة ،
والزبير من الصحابة .
وقال
سلمة بن كهيل : فخرج من
الكوفة ستة آلاف ، فقدموا على
علي بذي قار ، فسار في نحو عشرة آلاف حتى أتى
البصرة .
وقال
أبو عبيدة : كان على خيل
علي يوم الجمل
عمار ، وعلى
[ ص: 254 ] الرجالة
محمد بن أبي بكر الصديق ، وعلى الميمنة
علباء بن الهيثم السدوسي ، ويقال :
عبد الله بن جعفر ، ويقال :
الحسن بن علي ، وعلى الميسرة
الحسين بن علي ، وعلى المقدمة
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ، ودفع اللواء إلى ابنه
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد بن الحنفية . كان لواء
طلحة والزبير مع
عبد الله بن حكيم بن حزام ، وعلى الخيل
طلحة ، وعلى الرجالة
عبد الله بن الزبير ، وعلى الميمنة
عبد الله بن عامر بن كريز ، وعلى الميسرة
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم ، وكانت الوقعة يوم الجمعة ، خارج
البصرة ، عند قصر
عبيد الله بن زياد .
قال
الليث بن سعد ، وغيره : كانت وقعة الجمل في جمادى الأولى .
وقال
أبو اليقظان : خرج يومئذ
كعب بن سور الأزدي في عنقه المصحف ، ومعه ترس ، فأخذ بخطام جمل
عائشة ، فجاءه سهم غرب فقتله .
قال
محمد بن سعد : وكان
كعب قد طين عليه بيتا ، وجعل فيه كوة يتناول منها طعامه وشرابه اعتزالا للفتنة ، فقيل
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : إن خرج معك لم يتخلف من الأزد أحد ، فركبت إليه فنادته وكلمته فلم يجبها ، فقالت : ألست أمك ، ولي عليك حق ؟ فكلمها ، فقالت : أنا أريد أن أصلح بين الناس ، فذلك حين خرج ونشر المصحف ، ومشى بين الصفين يدعوهم إلى ما فيه ، فجاءه سهم فقتله .
وقال
حصين بن عبد الرحمن : قام
كعب بن سور فنشر مصحفا بين الفريقين ، ونشدهم الله والإسلام في دمائهم ، فما زال حتى قتل .
[ ص: 255 ] وقال غيره : اصطف الفريقان ، وليس
لطلحة ولا
لعلي رأسي الفريقين قصد في القتال ، بل ليتكلموا في اجتماع الكلمة ، فترامى أوباش الطائفتين بالنبل ، وشبت نار الحرب ، وثارت النفوس ، وبقي
طلحة يقول : " أيها الناس أنصتوا " والفتنة تغلي ، فقال : أف فراش النار ، وذئاب طمع ، وقال : اللهم خذ
لعثمان مني اليوم حتى ترضى ، إنا داهنا في أمر
عثمان ، كنا أمس يدا على من سوانا ، وأصبحنا اليوم جبلين من حديد ، يزحف أحدنا إلى صاحبه ، ولكنه كان مني في أمر
عثمان ما لا رأى كفارته ، إلا بسفك دمي ، وبطلب دمه .
فروى
قتادة ، عن
الجارود بن أبي سبرة الهذلي ، قال : نظر
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم إلى
طلحة يوم الجمل ، فقال : لا أطلب ثأري بعد اليوم ، فرمى
طلحة بسهم فقتله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس بن أبي حازم : رأيت
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم حين رمى
طلحة يومئذ بسهم ، فوقع في ركبته ، فما زال يسح حتى مات . وفي بعض طرقه : رماه بسهم ، وقال : هذا ممن أعان على
عثمان .
وعن
يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن عمه ، أن
مروان رمى
طلحة ، والتفت إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان ، وقال : قد كفيناك بعض قتلة أبيك .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة ، عن رجل ، أن
عليا قال : بشروا قاتل
طلحة بالنار .
[ ص: 256 ] وعن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، قال : خرجنا مع
علي إلى الجمل في ستة مائة رجل ، فسلكنا على طريق
الربذة ، فقام إليه
ابنه الحسن ، فبكى بين يديه ، وقال : ائذن لي فأتكلم ، فقال : تكلم ، ودع عنك أن تحن حنين الجارية ، قال : لقد كنت أشرت عليك بالمقام ، وأنا أشيره عليك الآن ، إن للعرب جولة ، ولو قد رجعت إليها غوازب أحلامها ، لضربوا إليك آباط الإبل ، حتى يستخرجوك ، ولو كنت في مثل جحر الضب ، فقال
علي : أتراني - لا أبا لك - كنت منتظرا كما ينتظر الضبع اللدم . وروي نحوه من وجهين آخرين .
روح بن عبادة ، قال : حدثنا
أبو نعامة العدوي ، قال : حدثنا
حميد بن هلال ، عن
حجير بن الربيع أن
عمران بن حصين أرسله إلى
بني عدي أن ائتهم ، فأتاهم ، فقال : يقرأ عليكم السلام ، ويقول : إني لكم ناصح ، ويحلف بالله لأن يكون عبدا مجدعا يرعى في رأس جبل حتى يموت أحب إليه من أن يرمي في واحد من الفريقين بسهم ، فأمسكوا فداكم أبي وأمي . فقالوا : دعنا منك ، فإنا والله لا ندع ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزوا يوم الجمل ، فقتل خلق حول
عائشة يومئذ سبعون كلهم قد جمعوا القرآن ، ومن لم يجمع القرآن أكثر .
روى
الواقدي عن رجاله ، قال : كان
يعلى بن منية التميمي حليف
بني نوفل بن عبد مناف عاملا
لعثمان على الجند ، فوافى الموسم عام قتل
عثمان .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة ، قال : جاء
nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية إلى
عائشة وهي في الحج ، فقال : قد قتل خليفتك الذي كنت تحرضين عليه ، قالت : برئت إلى الله من قاتله .
[ ص: 257 ] وعن
الواقدي ، عن
الوليد بن عبد الله ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية : أيها الناس ، من خرج يطلب بدم
عثمان فعلي جهازه .
وعن
علي بن أبي سارة ، قال : قدم
يعلى بأربع مائة ألف فأنفقها في جهازهم إلى
البصرة .
وعن غيره ، قال : حمل
nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية عائشة على جملة عسكر ، وقال : هذه عشرة آلاف دينار من غر مالي أقوي بها من طلب بدم
عثمان ، فبلغ
عليا ، فقال : من أين له ؟ سرق
اليمن ثم جاء ، والله لئن قدرت عليه لآخذن ما أقر به .
وعن
يحيى بن سعيد الأنصاري عن عم له ، قال : لما كان يوم الجمل نادى
علي في الناس : لا ترموا أحدا بسهم ، وكلموا القوم ، فإن هذا مقام من فلح فيه ، فلح يوم القيامة ، قال : فتوافينا حتى أتانا حر الحديد ، ثم إن القوم نادوا بأجمعهم : " يا لثارات
عثمان " قال :
nindex.php?page=showalam&ids=12691وابن الحنفية أمامنا رتوة معه اللواء ، فمد
علي يديه ، وقال : اللهم أكب قتلة
عثمان على وجوههم . ثم إن
الزبير قال لأساورة معه : ارموهم ولا تبلغوا ، وكأنه إنما أراد أن ينشب القتال . فلما نظر أصحابنا إلى النشاب لم ينتظروا أن يقع على الأرض ، وحملوا عليهم فهزمهم الله ، ورمى
مروان طلحة بسهم فشك ساقه بجنب فرسه .
وعن
أبي جرو المازني ، قال : شهدت
عليا والزبير حين توافقا ، فقال له
علي : يا
زبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
إنك تقاتلني وأنت ظالم لي ؟ قال : نعم ؛ ولم أذكر إلا في موقفي هذا ، ثم انصرف .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، عن
قيس بن عباد ، قال : قال
علي يوم
[ ص: 258 ] الجمل : يا
حسن ، ليت أباك مات منذ عشرين سنة ، فقال له : يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا ، فقال : يا بني لم أر أن الأمر يبلغ هذا .
وقال
ابن سعد : إن
محمد بن طلحة تقدم فأخذ بخطام الجمل ، فحمل عليه رجل ، فقال
محمد : أذكركم ( حم ) فطعنه فقتله ، ثم قال في
محمد :
وأشعث قوام بآيات ربه قليل الأذى فيما ترى العين مسلم هتكت له بالرمح جيب قميصه
فخر صريعا لليدين وللفم يذكرني ( حم ) والرمح شاجر
فهلا تلا ( حم ) قبل التقدم على غير شيء غير أن ليس تابعا
عليا ومن لا يتبع الحق يندم
فسار
علي ليلته في القتلى معه النيران ، فمر
بمحمد بن طلحة قتيلا ، فقال : يا
حسن ،
محمد السجاد ورب الكعبة ، ثم قال : أبوه صرعه هذا المصرع ، ولولا بره بأبيه ما خرج ، فقال
الحسن : ما كان أغناك عن هذا ، فقال : ما لي وما لك يا
حسن .
وقال
شريك ، عن
الأسود بن قيس : حدثني من رأى
الزبير يوم الجمل ، وناداه
علي : يا
أبا عبد الله ، فأقبل حتى التقت أعناق دوابهما ، فقال : أنشدك بالله ، أتذكر يوم كنت أناجيك ، فأتانا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : "
تناجيه فوالله ليقاتلنك وهو ظالم لك " قال : فلم يعد أن سمع الحديث ، فضرب وجه دابته وانصرف .
وقال
هلال بن خباب ، فيما رواه عنه
أبو شهاب الحناط ، وغيره ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس أنه قال يوم الجمل
للزبير : يا بن
صفية ،
[ ص: 259 ] هذه
عائشة تملك
طلحة ، فأنت على ماذا تقاتل قريبك
عليا ؟ فرجع
الزبير ، فلقيه
ابن جرموز فقتله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد ، عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : انصرف
الزبير يوم الجمل عن
علي ، وهم في المصاف ، فقال له ابنه
عبد الله : جبنا جبنا ، فقال : قد علم الناس أني لست بجبان ، ولكن ذكرني
علي شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفت أن لا أقاتله ، ثم قال :
ترك الأمور التي أخشى عواقبها في الله أحسن في الدنيا وفي الدين
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
عصام بن قدامة - وهو ثقة - عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
أيتكن صاحبة الجمل الأدبب ، يقتل حواليها قتلى كثيرون ، وتنجو بعدما كادت " .
وقيل : إن أول قتيل كان يومئذ
مسلم الجهني ، أمره
علي فحمل مصحفا ، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله ، فقتل . وقطعت يومئذ سبعون يدا من
بني ضبة بالسيوف ، صار كلما أخذ رجل بخطام الجمل الذي
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة ، قطعت يده ، فيقوم آخر مكانه ويرتجز ، إلى أن صرخ صارخ اعقروا الجمل ، فعقره رجل مختلف في اسمه ، وبقي الجمل والهودج الذي عليه ، كأنه قنفذ من النبل ، وكان الهودج ملبسا بالدروع ، وداخله أم المؤمنين ، وهي تشجع الذين حول الجمل ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
ثم إنها رضي الله عنها ندمت ، وندم
علي رضي الله عنه لأجل ما وقع .