[ ص: 269 ] تحكيم الحكمين
عن
عكرمة ، قال : حكم
معاوية عمرو بن العاص ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس لعلي : حكم أنت
ابن عباس فإنه رجل مجرب ، قال : أفعل ، فأبت اليمانية ، وقالوا : لا ؛ حتى يكون منا رجل . فجاء
ابن عباس إلى
علي لما رآه قد هم أن يحكم
nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى الأشعري ، فقال له : علام تحكم
أبا موسى ، فوالله لقد عرفت رأيه فينا ، فوالله ما نصرنا ، وهو يرجو ما نحن فيه ، فتدخله الآن في معاقد أمرنا ، مع أنه ليس بصاحب ذاك ، فإذا أبيت أن تجعلني مع
عمرو ، فاجعل
nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس ، فإنه مجرب من العرب ، وهو قرن
لعمرو ، فقال
علي : أفعل . فأبت اليمانية أيضا ، فلما غلب جعل
أبا موسى ، فسمعت
ابن عباس يقول : قلت
لعلي يوم الحكمين : لا تحكم
أبا موسى ، فإن معه رجلا حذرا مرسا قارحا ، فلزني إلى جنبه ، فإنه لا يحل عقدة إلا عقدتها ولا يعقد عقدة إلا حللتها ، قال :
nindex.php?page=showalam&ids=11يا ابن عباس ما أصنع ، إنما أوتى من أصحابي ، قد ضعفت نيتهم وكلوا في الحرب ، هذا
الأشعث بن قيس يقول : لا يكون فيها مضريان أبدا حتى يكون أحدهما يمان ، قال : فعذرته وعرفت أنه مضطهد ، وأن أصحابه لا نية لهم .
وقال
أبو صالح السمان : قال
علي لأبي موسى : احكم ولو على حز عنقي .
[ ص: 270 ] وقال غيره : حكم
معاوية عمرا ، وحكم
علي أبا موسى ، على أن من ولياه الخلافة فهو الخليفة ، ومن اتفقا على خلعه خلع ، وتواعدا أن يأتيا في رمضان ، وأن يأتي مع كل واحد جمع من وجوه العرب ، فلما كان الموعد سار هذا من
الشام ، وسار هذا من
العراق ، إلى أن التقى الطائفتان
بدومة الجندل ، وهي طرف
الشام من جهة زاوية الجنوب والشرق .
فعن
عمر بن الحكم ، قال : قال
ابن عباس لأبي موسى الأشعري : احذر
عمرا ، فإنما يريد أن يقدمك ويقول : أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسن مني فتكلم حتى أتكلم ، وإنما يريد أن يقدمك في الكلام لتخلع
عليا ، قال : فاجتمعا على إمرة ، فأدار
عمرو أبا موسى ، وذكر له
معاوية فأبى ، وقال
أبو موسى : بل
عبد الله بن عمر ، فقال
عمرو : أخبرني عن رأيك ؟ فقال
أبو موسى : أرى أن نخلع هذين الرجلين ، ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين ، فيختاروا لأنفسهم من أحبوا . قال
عمرو : الرأي ما رأيت .
قال : فأقبلا على الناس وهم مجتمعون
بدومة الجندل ، فقال
عمرو : يا
أبا موسى أعلمهم أن رأينا قد اجتمع ، فقال : نعم ؛ إن رأينا قد اجتمع على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر الأمة ، فقال
عمرو : صدق وبر ، ونعم الناظر للإسلام وأهله ، فتكلم يا
أبا موسى ، فأتاه
ابن عباس ، فخلا به ، فقال : أنت في خدعة ، ألم أقل لك لا تبدأه وتعقبه ، فإني أخشى أن يكون أعطاك أمرا خاليا ، ثم ينزع عنه على ملأ من الناس ، فقال : لا تخش ذلك فقد اجتمعنا واصطلحنا .
ثم قام
أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، قد نظرنا في هذا الأمر وأمر هذه الأمة ، فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أن لا نثير أمرها ولا بعضه ، حتى يكون ذلك عن رضا
[ ص: 271 ] منها وتشاور ، وقد اجتمعت أنا وصاحبي على أمر واحد : على خلع
علي ومعاوية ، وتستقيل الأمة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولون من أحبوا ، وإني قد خلعت
عليا ومعاوية ، فولوا أمركم من رأيتم . ثم تأخر .
وأقبل
عمرو فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن هذا قد قال ما سمعتم ، وخلع صاحبه ، وإني خلعت صاحبه وأثبت صاحبي
معاوية ، فإنه ولي
عثمان ، والطالب بدمه ، وأحق الناس بمقامه ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص : ويحك يا
أبا موسى ما أضعفك عن
عمرو ومكايده ، فقال : ما أصنع به ، جامعني على أمر ، ثم نزع عنه ، فقال
ابن عباس : لا ذنب لك ، الذنب للذي قدمك ، فقال : رحمك الله غدر بي ، فما أصنع ؟ وقال
أبو موسى : يا
عمرو إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، فقال
عمرو : إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا ، فقال
ابن عمر : إلى ما صير أمر هذه الأمة إلى رجل لا يبالي ما صنع ، وآخر ضعيف .
قال
المسعودي في المروج :
كان لقاء الحكمين بدومة الجندل في رمضان ، سنة ثمان وثلاثين ، فقال
عمرو لأبي موسى : تكلم ، فقال : بل تكلم أنت ، فقال : ما كنت لأفعل ، ولك حقوق كلها واجبة ، فحمد الله
أبو موسى وأثنى عليه ، ثم قال : هلم يا
عمرو إلى أمر يجمع الله بين الأمة ، ودعا
عمرو بصحيفة ، وقال للكاتب ، اكتب وهو غلام
لعمرو ، وقال : إن للكلام أولا وآخرا ، ومتى تنازعنا الكلام لم نبلغ آخره حتى ينسى أوله ، فاكتب ما نقول ، قال : لا تكتب شيئا يأمرك به أحدنا حتى تستأمر الآخر ، فإذا أمرك فاكتب ، فكتب ، هذا ما تقاضى عليه فلان
[ ص: 272 ] وفلان ، إلى أن قال
عمرو : وإن
عثمان كان مؤمنا ، فقال
أبو موسى : ليس لهذا قعدنا ، قال
عمرو : لا بد أن يكون مؤمنا أو كافرا ، قال : بل كان مؤمنا ، قال : فمره أن يكتب ، فكتب . قال
عمرو : ظالما قتل أو مظلوما ؟ قال
أبو موسى : بل قتل مظلوما ، قال
عمرو : أفليس قد جعل الله لوليه سلطانا يطلب بدمه ؟ قال
أبو موسى : نعم . قال
عمرو : فعلى قاتله القتل ؟ قال : بلى . قال : أفليس
لمعاوية أن يطلب بدمه حتى يعجز ؟ قال : بلى . قال
عمرو : فإنا نقيم البينة على أن
عليا قتله .
قال
أبو موسى : إنما اجتمعنا لله ، فهلم إلى ما يصلح الله به أمر الأمة . قال : وما هو ؟ قال : قد علمت أن
أهل العراق لا يحبون
معاوية أبدا ،
وأهل الشام لا يحبون
عليا أبدا ، فهلم نخلعهما معا ، ونستخلف
ابن عمر - وكان
ابن عمر على بنت
أبي موسى - قال
عمرو : أيفعل ذلك
عبد الله ؟ قال : نعم ؛ إذا حمله الناس على ذلك ، فصوبه
عمرو ، وقال : فهل لك في
سعد ؟ وعدد له جماعة ،
وأبو موسى يأبى إلا
ابن عمر ، ثم قال : قم حتى نخلع صاحبينا جميعا ، واذكر اسم من تستخلف ، فقام
أبو موسى وخطب وقال : إنا نظرنا في أمرنا ، فرأينا أقرب ما نحقن به الدماء ونلم به الشعث خلعنا
معاوية وعليا ، فقد خلعتهما كما خلعت عمامتي هذه ، واستخلفنا رجلا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، وله سابقة :
عبد الله بن عمر ، فأطراه ورغب الناس فيه .
ثم قام
عمرو فقال : أيها الناس ، إن
أبا موسى قد خلع
عليا ، وهو أعلم به ، وقد خلعته معه ، وأثبت
معاوية علي وعليكم ، وأن
أبا موسى كتب في هذه الصحيفة أن
عثمان قتل مظلوما ، وأن لوليه أن يطلب بدمه ، فقام
أبو موسى ، فقال : كذب
عمرو ، ولم نستخلف
معاوية ، ولكنا خلعنا
معاوية وعليا معا .
قال
المسعودي : ووجدت في رواية أنهما اتفقا وخلعا
عليا [ ص: 273 ] ومعاوية ، وجعلا الأمر شورى ، فقام
عمرو بعده ، فوافقه على خلع
علي ، وعلى إثبات
معاوية ، فقال له : لا وفقك الله ، غدرت ، وقنع
شريح بن هانئ الهمداني عمرا بالسوط ، وانخذل
أبو موسى ، فلحق
بمكة ، ولم يعد إلى
الكوفة ، وحلف لا ينظر في وجه
علي ما بقي ، ولحق
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ببيت المقدس فأحرما ، وانصرف
عمرو ، فلم يأت
معاوية ، فأتاه وهيأ طعاما كثيرا ، وجرى بينهما كلام كثير ، وطلب الأطعمة ، فأكل عبيد
عمرو ، ثم قاموا ليأكل عبيد
معاوية وأمر من أغلق الباب وقت أكل عبيده ، فقال
عمرو : فعلتها ؟ قال : إي والله ، بايع وإلا قتلتك ، قال :
فمصر ، قال : هي لك ما عشت .
وقال
الواقدي : رفع
أهل الشام المصاحف ، وقالوا : ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه ، فاصطلحوا ، وكتبوا بينهما كتابا على أن يوافوا رأس الحول أذرح ويحكموا حكمين ، ففعلوا ذلك فلم يقع اتفاق ، ورجع علي بالاختلاف والدغل من أصحابه ، فخرج منهم
الخوارج ، وأنكروا تحكيمه ، وقالوا : لا حكم إلا لله ، ورجع
معاوية بالألفة واجتماع الكلمة عليه ، ثم بايع
أهل الشام معاوية بالخلافة في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين ، كذا قال .
وقال خليفة وغيره : إنهم بايعوه في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين ، وهو أشبه ؛ لأن ذلك كان إثر رجوع
عمرو بن العاص من التحكيم .
وقال
محمد بن الضحاك الحزامي ، عن أبيه ، قال : قام
علي على منبر
الكوفة ، فقال ، حين اختلف الحكمان : لقد كنت نهيتكم عن هذه
[ ص: 274 ] الحكومة فعصيتموني . فقام إليه شاب آدم ، فقال : إنك والله ما نهيتنا ولكن أمرتنا ودمرتنا ، فلما كان منها ما تكره برأت نفسك ونحلتنا ذنبك ، فقال
علي : ما أنت وهذا الكلام قبحك الله ، والله قد كانت الجماعة فكنت فيها خاملا ، فلما ظهرت الفتنة نجمت فيها نجوم الماغرة ، ثم قال : لله منزل نزله
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر ، والله لئن كان ذنبا إنه لصغير مغفور ، وإن كان حسنا إنه لعظيم مشكور .
قلت : ما أحسنها لولا أنها منقطعة السند .
وقال
الزهري ، عن
سالم ، عن أبيه ، قال : دخلت على
حفصة ، فقلت : قد كان بين الناس ما ترين ، ولم يجعل لي من الأمر شيء ، قالت : فالحق بهم ، فإنهم ينتظرونك ، وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة ، فذهب .
فلما تفرق الحكمان خطب
معاوية ، فقال : من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إلي قرنه فلنحن أحق بهذا الأمر منه ومن أبيه - يعرض
بابن عمر - قال
ابن عمر : فحللت حبوتي وهممت أن أقول : أحق به من قاتلك وأباك على الإسلام ، فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع وتسفك الدم ، فذكرت ما أعد الله في الجنان .
قال
جرير بن حازم ، عن
يعلى ، عن
نافع ، قال : قال
أبو موسى : لا أرى لها غير
ابن عمر ، فقال
عمرو nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر : أما تريد أن نبايعك ؟ فهل لك أن تعطى مالا عظيما على أن تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك ، فغضب
ابن عمر وقام . رواه
معمر ، عن
الزهري .
وفيها أخرج
علي سهل بن حنيف على
أهل فارس ، فمانعوه ، فوجه
علي زيادا ، فصالحوه وأدوا الخراج .
[ ص: 275 ] وفيها قال
أبو عبيدة : خرج
أهل حروراء في عشرين ألفا ، عليهم
شبث بن ربعي ، فكلمهم
علي فحاجهم ؛ فرجعوا .
وقال
سليمان التيمي ، عن
أنس ، قال : قال
شبث بن ربعي : أنا أول من حرر
الحرورية ، فقال رجل : ما في هذا ما تمتدح به .
وعن
مغيرة ، قال : أول من حكم
ابن الكواء ،
وشبث .
قلت : معنى قوله حكم : هذه كلمة قد صارت سمة
للخوارج ، يقال : حكم إذا خرج وقال : لا حكم إلا لله .