أمر الخوارج
وفي شعبان ثارت
الخوارج وخرجوا على
علي رضي الله عنه وأنكروا عليه كونه حكم الحكمين ، وقالوا : حكمت في دين الله الرجال ، والله يقول :
إن الحكم إلا لله [ الأنعام ] وكفروه ، واحتجوا بقوله :
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [ المائدة ] فناظرهم ، ثم أرسل إليهم
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ، فبين لهم فساد شبههم ، وفسر لهم ، واحتج بقوله تعالى :
يحكم به ذوا عدل منكم [ المائدة ] ، وبقوله :
فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها [ النساء ] ، فرجع إلى الصواب منهم خلق ، وسار الآخرون فلقوا
عبد الله بن خباب بن الأرت ، ومعه امرأته ، فقالوا : من أنت ؟ فانتسب لهم ، فسألوه عن
أبي بكر ،
وعمر ،
وعثمان ،
وعلي ، فأثنى عليهم كلهم ، فذبحوه وقتلوا امرأته ، وكانت حبلى ، فبقروا بطنها ، وكان من سادات أبناء الصحابة .
وفيها سارت
الخوارج لحرب
علي ، فكانت بينهم
وقعة النهروان ، وكان على
الخوارج عبد الله بن وهب السبئي ، فهزمهم
علي وقتل أكثرهم ، وقتل
ابن وهب . وقتل من أصحاب
علي اثنا عشر رجلا .
وقيل في تسميتهم
الحرورية ؛ لأنهم خرجوا على
علي من
الكوفة ، وعسكروا بقرية قريب من
الكوفة يقال لها
حروراء ، واستحل
علي قتلهم لما فعلوا
بابن خباب وزوجته ، وكانت الوقعة في شعبان سنة
[ ص: 280 ] ثمان ، وقيل : في صفر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16585عكرمة بن عمار : حدثني
أبو زميل أن
ابن عباس قال :
لما اجتمعت الخوارج في دارها ، وهم ستة آلاف أو نحوها ، قلت
لعلي : يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلي ألقى هؤلاء ، فإني أخافهم عليك ، قال : كلا ، قال : فلبس
ابن عباس حلتين من أحسن الحلل ، وكان جهيرا جميلا ، قال : فأتيت القوم ، فلما رأوني ، قالوا : مرحبا
nindex.php?page=showalam&ids=11بابن عباس وما هذه الحلة ؟ قلت : وما تنكرون من ذلك ؟ لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من أحسن الحلل ، قال : ثم تلوت عليهم :
قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده [ الأعراف ] .
قالوا : فما جاء بك ؟ قلت : جئتكم من عند أمير المؤمنين ، ومن عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أرى فيكم أحدا منهم ، ولأبلغنكم ما قالوا ، ولأبلغنهم ما تقولون ، فما تنقمون من ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره ، فأقبل بعضهم على بعض ، فقالوا : لا تكلموه فإن الله يقول :
بل هم قوم خصمون [ الزخرف ] وقال بعضهم : ما يمنعنا من كلامه ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعونا إلى كتاب الله ، قال : فقالوا : ننقم عليه ثلاث خلال ، إحداهن : أنه حكم الرجال في دين الله ، وما للرجال ولحكم الله ، والثانية : أنه قاتل فلم يسب ولم يغنم ، فإن كان قد حل قتالهم فقد حل سبيهم ، وإلا فلا ، والثالثة : محا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين ، فهو أمير المشركين ، قلت : هل غير هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا .
قلت : أرأيتم إن خرجت لكم من كتاب الله وسنة رسوله أراجعون أنتم ؟ قالوا : وما يمنعنا ، قلت : أما قولكم إنه حكم الرجال في أمر الله ، فإني سمعت الله تعالى يقول في كتابه :
يحكم به ذوا عدل منكم [ المائدة ] وذلك في ثمن صيد أرنب أو نحوه قيمته ربع درهم فوض الله
[ ص: 281 ] الحكم فيه إلى الرجال ، ولو شاء أن يحكم لحكم ، وقال :
وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله [ النساء ] الآية ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم .
قلت : وأما قولكم : قاتل فلم يسب ، فإنه قاتل أمكم ؛ لأن الله يقول :
وأزواجه أمهاتهم [ الأحزاب ] فإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم ، وإن زعمتم أنها أمكم فما حل سباؤها ، فأنتم بين ضلالتين ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم .
قلت : وأما قولكم : إنه محا اسمه من أمير المؤمنين ، فإني أنبئكم عن ذلك : أما تعلمون
nindex.php?page=hadith&LINKID=883172أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية جرى الكتاب بينه وبين nindex.php?page=showalam&ids=3795سهيل بن عمرو ، فقال يا علي اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ، فقال : اللهم إنك تعلم أني رسولك ، ثم أخذ الصحيفة فمحاها بيده ، ثم قال : يا علي اكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ، فوالله ما أخرجه ذلك من النبوة ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم .
قال : فرجع ثلثهم ، وانصرف ثلثهم ، وقتل سائرهم على ضلالة .
قال
عوف : حدثنا
أبو نضرة ، عن
أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=883173تفترق أمتي فرقتين ، تمرق بينهما مارقة تقتلهم أولى الطائفتين بالحق " . وكذا رواه
قتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16043وسليمان التيمي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة .
وقال
ابن وهب : أخبرنا
عمرو بن الحارث ، عن
بكير بن الأشج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15527بسر بن سعيد ، عن
عبيد الله بن أبي رافع ، أن
الحرورية لما خرجت
[ ص: 282 ] على
علي ، قالوا : لا حكم إلا لله ، فقال
علي : كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا - إني لأعرف صفتهم في هؤلاء الذين يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم وأشار إلى حلقه - من أبغض خلق الله إليه ، منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي ، فلما قاتلهم
علي ، قال : انظروا ، فنظروا فلم يجدوا شيئا ، قال : ارجعوا ، فوالله ما كذبت ولا كذبت ، ثم وجدوه في خربة ، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه ، قال
عبيد الله : وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول
علي فيهم .
وقال
يحيى بن سليم ، عن
ابن خثيم ، عن
عبيد الله بن عياض ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد بن الهاد دخل على
عائشة ونحن عندها ليالي قتل
علي ، فقالت : حدثني عن هؤلاء الذين قاتلهم
علي ، قال : إن
عليا لما كاتب
معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس - يعني عبادهم - فنزلوا بأرض
حروراء من جانب
الكوفة ، وقالوا : انسلخت من قميص ألبسك الله وحكمت في دين الله الرجال ، ولا حكم إلا لله . فلما بلغ
عليا ما عتبوا عليه ، جمع أهل القرآن ، ثم دعا بالمصحف إماما عظيما ، فوضع بين يديه ، فطفق يحركه بيده ويقول : أيها المصحف حدث الناس ، فناداه الناس : ما تسأل ؟ إنما هو مداد وورق ، ونحن نتكلم بما روينا منه ، فماذا تريد ؟ فقال : أصحابكم الذين خرجوا ، بيني وبينهم كتاب الله تعالى ، يقول في كتابه :
فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها [ النساء ] فأمة
محمد أعظم حقا وحرمة من رجل وامرأة ، وذكر الحديث شبه ما تقدم ، قال : فرجع منهم أربعة آلاف ، فيهم
ابن الكواء ، ومضى الآخرون ، قالت
عائشة : فلم قتلهم ؟ قال : قطعوا السبيل ، واستحلوا
أهل الذمة ، وسفكوا الدم .