هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون
مستأنفة لابتداء كلام في التنويه بشأن القرآن منقطعة عن المقول للانتقال من غرض إلى غرض بمنزلة التذييل لمجموع أغراض السورة ، والخطاب للمسلمين .
ويجوز أن تكون من تمام القول المأمور بأن يجيبهم به ، فيكون الخطاب للمشركين ثم وقع التخلص لذكر المؤمنين بقوله
وهدى ورحمة لقوم يؤمنون .
والإشارة ب "
هذا بصائر " إلى القرآن ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى ما تقدم من السورة أو من المحاجة الأخيرة منها ، وإفراد اسم الإشارة لتأويل المشار إليه بالمذكور .
[ ص: 238 ] والبصائر جمع بصيرة وهي ما به اتضاح الحق وقد تقدم عند قوله - تعالى -
قد جاءكم بصائر من ربكم في سورة الأنعام ، وهذا
تنويه بشأن القرآن وأنه خير من الآيات التي يسألونها ، لأنه يجمع بين الدلالة على صدق الرسول بواسطة دلالة الإعجاز وصدوره عن الأمي ، وبين الهداية والتعليم والإرشاد ، والبقاء على العصور .
وإنما جمع " البصائر " لأن في القرآن أنواعا من الهدى على حسب النواحي التي يهدي إليها ، من تنوير العقل في إصلاح الاعتقاد ، وتسديد الفهم في الدين ، ووضع القوانين للمعاملات والمعاشرة بين الناس ، والدلالة على طرق النجاح والنجاة في الدنيا ، والتحذير من مهاوي الخسران .
وأفرد الهدى والرحمة لأنهما جنسان عامان يشملان أنواع البصائر فالهدى يقارن البصائر والرحمة غاية للبصائر ، والمراد بالرحمة ما يشمل رحمة الدنيا وهي استقامة أحوال الجماعة وانتظام المدنية ورحمة الآخرة وهي الفوز بالنعيم الدائم كقوله - تعالى -
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون .
وقوله " من ربكم " ترغيب للمؤمنين وتخويف للكافرين .
و لقوم يؤمنون يتنازعه بصائر وهدى ورحمة لأنه إنما ينتفع به المؤمنون فالمعنى هذا بصائر لكم وللمؤمنين ،
وهدى ورحمة لقوم يؤمنون خاصة إذ لم يهتدوا ، وهو تعريض بأن غير المؤمنين ليسوا أهلا للانتفاع به وأنهم لهوا عن هديه بطلب خوارق العادات .