وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير عطف على جملة
إن الذين كفروا ينفقون أموالهم الآية ، ويجوز أن تكون عطفا على جملة " فقد مضت سنة الأولين " فتكون مما يدخل في حكم جواب الشرط . والتقدير : فإن يعودوا فقاتلوهم ، كقوله "
وإن عدتم عدنا " وقوله
وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله والضمير عائد إلى مشركي
مكة .
والفتنة اضطراب أمر الناس ومرجهم ، وقد تقدم بيانها غير مرة ، منها عند قوله
[ ص: 347 ] - تعالى - "
إنما نحن فتنة فلا تكفر " في سورة البقرة وقوله "
وحسبوا أن لا تكون فتنة " في سورة العقود .
والمراد هنا أن لا تكون فتنة من المشركين لأنه لما جعل انتفاء الفتنة غاية لقتالهم ، وكان قتالهم مقصودا منه إعدامهم أو إسلامهم ، وبأحد هذين يكون انتفاء الفتنة ، فنتج من ذلك أن الفتنة المراد نفيها كانت حاصلة منهم وهي فتنتهم المسلمين لا محالة ، لأنهم إنما يفتنون من خالفهم في الدين فإذا أسلموا حصل انتفاء فتنتهم وإذا أعدمهم الله فكذلك .
وهذه الآية دالة على ما ذهب إليه جمهور علماء الأمة من أن قتال المشركين واجب حتى يسلموا ، وأنهم لا تقبل منهم الجزية ، ولذلك قال الله - تعالى - هنا
حتى لا تكون فتنة وقال في الآية الأخرى
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وهي أيضا دالة على ما رآه المحققون من مؤرخينا : من أن قتال المسلمين المشركين إنما كان أوله دفاعا لأذى المشركين ضعفاء المسلمين ، والتضييق عليهم حيثما حلوا ، فتلك الفتنة التي أشار إليها القرآن ولذلك قال في الآية الأخرى
واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل .
والتعريف في الدين للجنس وتقدم الكلام على نظيرها في سورة البقرة . إلا أن هذه الآية زيد فيها اسم التأكيد وهو " كله " وذلك لأن هذه الآية أسبق نزولا من آية البقرة فاحتيج فيها إلى تأكيد مفاد صيغة اختصاص جنس الدين بأنه لله - تعالى - لئلا يتوهم الاقتناع بإسلام غالب المشركين ، فلما تقرر معنى العموم وصار نصا من هذه الآية عدل عن إعادته في آية البقرة تطلبا للإيجاز .
وقوله
فإن الله بما يعملون بصير أي عليم كناية عن حسن مجازاته إياهم لأن القادر على نفع أوليائه ومطيعيه لا يحول بينه وبين إيصال النفع إليهم إلا خفاء حال من يخلص إليه ، فلما أخبروا بأن الله مطلع على انتهائهم عن الكفر إن انتهوا عنه ، وكان ذلك لا يظن خلافه علم أن المقصود لازم ذلك .
[ ص: 348 ] وقرأ الجمهور : يعملون - بياء الغائب - وقرأه
رويس عن
يعقوب بتاء الخطاب .
والتولي : الإعراض وقد تقدم عند قوله - تعالى -
فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين في سورة العقود .
والمولى الذي يتولى أمر غيره ويدفع عنه وفيه معنى النصر .
والمعنى وإن تولوا عن هاته الدعوة فالله مغن لكم عن ولائهم ، أي لا يضركم توليهم ، فقوله "
أن الله مولاكم " يؤذن بجواب محذوف تقديره : فلا تخافوا توليهم ! فإن الله مولاكم وهو يقدر لكم ما فيه نفعكم حتى لا تكون فتنة . وهذا
كقول النبيء - صلى الله عليه وسلم - لمسيلمة الكذاب ولئن توليت ليعفرنك الله " وإنما الخسارة عليهم إذ حرموا السلامة والكرامة .
وافتتاح جملة جواب الشرط باعلموا لقصد الاهتمام بهذا الخبر وتحقيقه ، أي لا تغفلوا عن ذلك ، كما مر آنفا عند قوله - تعالى -
واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه .
وجملة "
نعم المولى ونعم النصير " مستأنفة لأنها إنشاء ثناء على الله فكانت بمنزلة التذييل .
وعطف على " نعم المولى " قوله " ونعم النصير " لما في المولى من معنى النصر كما تقدم ، وقد تقدم بيان عطف قوله - تعالى -
ونعم الوكيل على قوله "
حسبنا الله " سورة آل عمران .