يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله .
استئناف ابتدائي لتنبيه المسلمين على نقائص أهل الكتاب ، تحقيرا لهم في نفوسهم ، ليكونوا أشداء عليهم في معاملتهم ، فبعد أن ذكر تأليه عامتهم لأفاضل من أحبارهم ورهبانهم المتقدمين : مثل
عزير ، بين للمسلمين أن كثيرا من الأحبار والرهبان المتأخرين ليسوا على حال كمال ، ولا يستحقون المقام الديني الذي ينتحلونه ، والمقصود من هذا التنبيه أن يعلم المسلمون تمالؤ الخاصة والعامة من أهل الكتاب ، على الضلال وعلى مناواة الإسلام ، وأن غرضهم من ذلك حب الخاصة الاستيثار بالسيادة ، وحب العامة الاستيثار بالمزية بين العرب .
وافتتاح الجملة بالنداء واقترانها بحرفي التأكيد ، للاهتمام بمضمونها ورفع احتمال المبالغة فيه لغرابته .
وتقدم ذكر الأحبار والرهبان آنفا .
[ ص: 175 ] وأسند الحكم إلى كثير منهم دون جميعهم لأنهم لم يخلوا من وجود الصالحين فيهم مثل
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ومخيريق .
والباطل ضد الحق ، أي يأكلون أموال الناس أكلا ملابسا للباطل ، أي أكلا لا مبرر له ، وإطلاق الأكل على أخذ مال الغير إطلاق شائع قال تعالى ،
وتأكلون التراث أكلا لما وقال
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون في سورة البقرة وقد تقدم ، وكذلك الباطل تقدم هنالك .
والباطل يشمل وجوها كثيرة ، منها تغيير الأحكام الدينية لموافقة أهواء الناس ، ومنها القضاء بين الناس بغير إعطاء صاحب الحق حقه المعين له في الشريعة ، ومنها جحد الأمانات عن أربابها أو عن ورثتهم ، ومنها أكل أموال اليتامى ، وأموال الأوقاف والصدقات .
وسبيل الله طريقه استعير لدينه الموصل إليه ، أي إلى رضاه . والصد عن سبيل الله الإعراض عن متابعة الدين الحق في خاصة النفس ، وإغراء الناس بالإعراض عن ذلك . فيكون هذا بالنسبة لأحكام دينهم إذ يغيرون العمل بها ، ويضللون العامة في حقيقتها حتى يعلموا بخلافها ، وهم يحسبون أنهم متبعون لدينهم ، ويكون ذلك أيضا بالنسبة إلى دين الإسلام إذ ينكرون نبوءة
محمد - صلى الله عليه وسلم - ويعلمون أتباع ملتهم أن الإسلام ليس بدين الحق .
ولأجل ما في الصد من معنى صد الفاعل نفسه أتت صيغة مضارعه بضم العين : اعتبارا بأنه مضاعف متعد ، ولذلك لم يجئ في القرآن إلا مضموم الصاد ولو في المواضع التي لا يراد فيها أنه يصد غيره ، وتقدم ذكر شيء من هذا عند قوله - تعالى :
الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا في سورة الأعراف .