لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين
هذه الجملة واقعة موقع البيان لجملة
حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين . وموقع التعليل لجملة
لم أذنت لهم أو هي استئناف بياني لما تثيره جملة
حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين والاعتبارات متقاربة ومآلها واحد .
والمعنى : أن شأن المؤمنين الذين استنفروا أن لا يستأذنوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - في التخلف عن الجهاد ، فأما أهل الأعذار : كالعمي ، فهم لا يستنفرهم النبيء - صلى الله عليه وسلم ، وأما الذين تخلفوا من المؤمنين فقد تخلفوا ولم يستأذنوا في التخلف ; لأنهم كانوا على نية اللحاق بالجيش بعد خروجه .
والاستئذان طلب الإذن ، أي في إباحة عمل وترك ضده ; لأن شأن الإباحة أن تقتضي التخيير بين أحد أمرين متضادين .
والاستئذان يعدى بـ ( في ) . فقوله : " أن يجاهدوا " في محل جر بـ ( في ) المحذوفة ، وحذف الجار مع أن مطرد شائع .
ولما كان الاستئذان يستلزم شيئين متضادين ، كما قلنا ، جاز أن يقال : استأذنت في كذا واستأذنت في ترك كذا . وإنما يذكر غالبا مع فعل الاستئذان الأمر الذي يرغب المستأذن الإذن فيه دون ضده وإن كان ذكر كليهما صحيحا .
[ ص: 212 ] ولما كان شأن المؤمنين الرغبة في الجهاد كان المذكور مع استئذان المؤمنين ، في الآية أن يجاهدوا دون أن لا يجاهدوا ، إذ لا يليق بالمؤمنين الاستئذان في ترك الجهاد ، فإذا انتفى أن يستأذنوا في أن يجاهدوا ثبت أنهم يجاهدون دون استئذان ، وهذا من لطائف بلاغة هذه الآية التي لم يعرج عليها المفسرون وتكلفوا في إقامة نظم الآية .
وجملة
والله عليم بالمتقين معترضة لفائدة التنبيه على أن الله مطلع على أسرار المؤمنين إذ هم المراد بالمتقين كما تقدم في قوله في سورة البقرة
هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب