وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم
كانت الأعراب الذين حول
المدينة قد خلصوا للنبيء - صلى الله عليه وسلم - وأطاعوه وهم
جهينة ، وأسلم ، وأشجع ، وغفار ، ولحيان ، وعصية ، فأعلم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن في هؤلاء منافقين لئلا يغتر بكل من يظهر له المودة .
وكانت
المدينة قد خلص أهلها للنبيء - صلى الله عليه وسلم - وأطاعوه فأعلمه الله أن فيهم بقية مردوا على النفاق لأنه تأصل فيهم من وقت دخول الإسلام بينهم .
وتقديم المجرور للتنبيه على أنه خبر ، لا نعت . و ( من ) في قوله : وممن حولكم للتبعيض و ( من ) في قوله : ( من الأعراب ) لبيان ( من ) الموصولة .
[ ص: 20 ] و ( من ) في قوله :
ومن أهل المدينة اسم بمعنى بعض . و ( مردوا ) خبر عنه ، أو تجعل ( من ) تبعيضية مؤذنة بمبعض محذوف ، تقديره : ومن
أهل المدينة جماعة مردوا ، كما في قوله - تعالى :
من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه في سورة النساء .
ومعنى مرد على الأمر مرن عليه ودرب به ، ومنه الشيطان المارد ، أي في الشيطنة .
وأشير بقوله :
لا تعلمهم نحن نعلمهم إلى أن هذا الفل الباقي من المنافقين قد أراد الله الاستيثار بعلمه ولم يطلع عليهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما أطلعه على كثير من المنافقين من قبل . وإنما أعلمه بوجودهم على الإجمال لئلا يغتر بهم المسلمون ، فالمقصود هو قوله : لا تعلمهم
وجملة ( نحن نعلمهم ) مستأنفة . والخبر مستعمل في الوعيد ، كقوله :
وسيرى الله عملكم ورسوله ، وإلا فإن الحكم معلوم للمخاطب فلا يحتاج إلى الإخبار به . وفيه إشارة إلى عدم الفائدة للرسول - صلى الله عليه وسلم - في علمه بهم ، فإن علم الله بهم كاف . وفيه أيضا تمهيد لقوله بعده سنعذبهم مرتين
وجملة ( سنعذبهم مرتين ) استيناف بياني للجواب عن سؤال يثيره قوله : ( نحن نعلمهم ) ، وهو أن يسأل سائل عن أثر كون الله - تعالى - يعلمهم ، فأعلم أنه سيعذبهم على نفاقهم ولا يفلتهم منه عدم علم الرسول - عليه الصلاة والسلام - بهم .
والعذاب الموصوف بمرتين عذاب في الدنيا لقوله بعده
ثم يردون إلى عذاب عظيم
وقد تحير المفسرون في تعيين المراد من المرتين ، وحملوه كلهم على حقيقة العدد ، وذكروا وجوها لا ينشرح لها الصدر . والظاهر عندي أن العدد مستعمل لمجرد قصد التكرير المفيد للتأكيد كقوله - تعالى :
ثم ارجع البصر كرتين أي تأمل تأملا متكررا . ومنه قول العرب : لبيك وسعديك ، فاسم التثنية نائب مناب إعادة اللفظ . والمعنى : سنعذبهم عذابا شديدا متكررا مضاعفا ، كقوله - تعالى :
يضاعف لها العذاب ضعفين . وهذا التكرر تختلف أعداده باختلاف أحوال المنافقين واختلاف أزمان عذابهم .
والعذاب العظيم : هو عذاب جهنم في الآخرة .