يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين
كان جميع بلاد العرب خلص للإسلام قبل حجة الوداع ، فكانت تخوم بلاد الإسلام مجاورة لبلاد
الشام مقر نصارى العرب ، وكانوا تحت حكم
الروم ، فكانت غزوة
تبوك أول غزوة للإسلام تجاوزت بلاد العرب إلى مشارف
الشام ولم يكن فيها قتال ولكن وضعت الجزية على
أيلة وبصرى ، وكانت تلك الغزوة إرهابا
للنصارى ، ونزلت سورة
[ ص: 63 ] ( براءة ) عقبها فكانت هذه الآية كالوصية بالاستمرار على غزو بلاد الكفر المجاورة لبلاد الإسلام بحيث كلما استقر بلد للإسلام وكان تجاوره بلاد كفر كان حقا على المسلمين غزو البلاد المجاورة . ولذلك ابتدأ الخلفاء بفتح
الشام ثم
العراق ثم
فارس ثم انثنوا إلى
مصر ثم إلى
إفريقية ثم
الأندلس .
فالجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا تكملة للأمر بما يتعين على المسلمين في ذيول غزوة
تبوك .
وفي توجيه الخطاب للذين آمنوا دون النبيء إيماء إلى أن النبيء - عليه الصلاة والسلام - لا يغزو بعد ذلك وأن أجله الشريف قد اقترب . ولعل في قوله :
واعلموا أن الله مع المتقين إيماء إلى التسلية على فقد نبيهم - عليه الصلاة والسلام - وأن الله معهم كقوله في الآية الأخرى :
وسيجزي الله الشاكرين
و ( الغلظة ) بكسر الغين : الشدة الحسية والخشونة ، وهي مستعارة هنا للمعاملة الضارة ، كقوله :
واغلظ عليهم . قال في الكشاف : وذلك يجمع الجرأة والصبر على القتال والعنف في القتل والأسر . اهـ .
قلت : والمقصد من ذلك إلقاء الرعب في قلوب الأعداء حتى يخشوا عاقبة التصدي لقتال المسلمين .
ومعنى أمر المسلمين بحصول ما يجده الكافرون من غلظة المؤمنين عليهم هو أمر المؤمنين بأن يكونوا أشداء في قتالهم . وهذه مبالغة في الأمر بالشدة لأنه أمر لهم بأن يجد الكفار فيهم الشدة . وذلك الوجدان لا يتحقق إلا إذا كانت الغلظة بحيث تظهر وتنال العدو فيحس بها ، كقوله - تعالى - لموسى
فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها . وإنما وقعت هذه المبالغة لما عليه العدو من القوة ، فإن المقصود من الكفار هنا هم نصارى العرب وأنصارهم
الروم ، وهم أصحاب عدد وعدد فلا يجدون الشدة من المؤمنين إلا إذا كانت شدة عظيمة .
[ ص: 64 ] ومن وراء صريح هذا الكلام تعريض بالتهديد للمنافقين ، إذ قد ظهر على كفرهم وهم أشد قربا من المؤمنين في
المدينة . وفي هذا السياق جاء قوله - تعالى :
يا أيها النبيء جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم
وجملة
واعلموا أن الله مع المتقين تأييد وتشجيع ووعد بالنصر إن اتقوا بامتثال الأمر بالجهاد .
وافتتحت الجملة بـ اعلموا للاهتمام بما يراد العلم به كما تقدم في قوله - تعالى :
واعلموا أنما غنمتم من شيء في سورة الأنفال . والمعية هنا معية النصر والتأييد ، كقوله - تعالى :
إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا . وهذا تأييد لهم إذ قد علموا قوة
الروم .